الصفحة الاولىصحيفة البعث

تكذيب واسع لرواية النظام السعودي وترامــب يواصـــل ابتزاز ابن سلمــان

 

أثارت رواية النظام السعودي الأخيرة حول مقتل الصحفي جمال خاشقجي جملة من التصريحات والمواقف الدولية الرافضة لهذه الرواية السخيفة، التي تنمّ عن حاجة ولي عهد النظام السعودي إلى إخفاء جميع الأدلة، التي تشير إلى أن هذه العملية تمت بتوجيه مباشر منه، وذلك عبر إدانة هؤلاء الأشخاص نهائياً بحكم قضائي يحمّلهم المسؤولية الكاملة عن الجريمة، بينما لا يزال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يغرّد خارج السرب في محاولته حماية محمد بن سلمان، الذي حصل منه العام الماضي على 450 مليار دولار.
فقد أعلن مسؤول في النظام السعودي، رفض الكشف عن اسمه، أن خاشقجي قتل “خنقاً” داخل قنصلية بلاده في اسطنبول، وتمّ إخفاء جثته داخل سجادة وإخراجها من المبنى، وقال: إن “فريقاً من 15 شخصاً أرسلتهم السعودية لمواجهة خاشقجي ومحاولة اختطافه”، مشيراً إلى أنه “قتل خنقاً عندما بدأ الصراخ وطلب الإغاثة ليقوم أحد عناصر الفريق بارتداء ملابسه وساعته ونظارته والتوجّه لعبور البوابة الرئيسية للقنصلية السعودية في اسطنبول ليبدو وكأنه غادر”!.
وفي أول تعليق، أكدت كندا أن هذه الرواية غير متماسكة، وتفتقر إلى الصدقية، ودعت وزيرة الخارجية الكندية كريستيا فريلاند إلى محاسبة “المسؤولين عن هذه الجريمة وأن يواجهوا العدالة”، فيما أكد وزير شؤون خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دومينيك راب أن “هناك علامة استفهام جدية بشأن الرواية التي أعطيت.. لا أعتقد أنه يمكن تصديقها، والحكومة البريطانية تريد أن ترى أشخاصاً يحاسبون”.
وأكد وزير الداخلية التركي الأسبق سعد الدين طانطان أن روايات النظام السعودي “غبية ومتناقضة”، مشيراً إلى أن “الأسلوب السخيف” الذي يتعامل به هذا النظام مع شعبه “المغلوب على أمره” لا يمكن أن ينطلي على الرأي العام العالمي، وأعرب عن استغرابه لتباطؤ النظام التركي في الإعلان عن نتائج التحقيق، وسدّ الطريق على سخافات النظام السعودي، موضحاً أن النظام التركي لم يعلن عن هذه النتائج، “لأنه كان في مساومات خفية ثنائية وإقليمية مع الرياض، وبانتظار ترتيب الداخل السعودي وحتى يتسنى لابن سلمان التخلص من جميع معارضيه”.
بدورها طالبت فرنسا على لسان وزير المالية برونو لو مير الرياض بإجراء تحقيق مستفيض وشفاف لإجلاء الحقائق كاملة بشأن الجريمة، حيث قال: إن “تقدّماً قد حدث الآن بعد أن اعترفت السلطات السعودية بالحقائق وقبلت بعض المسؤولية، ومع ذلك يجب الكشف عن كل الملابسات”، وربط العلاقات مع النظام السعودي بالطريقة التي ستعلن بها الحقيقة والنتائج التي يتم التوصل إليها.
وفي هذا السياق أكدت صحيفة نيويورك تايمز في افتتاحيتها أن الرواية الجديدة “تبعث حقاً على السخرية، وتثير العديد من الأسئلة حول النيات المبيتة للرياض من وراء إصدار مثل هذا الاعتراف الساذج”، وذكرت أن الرئيس ترامب كان متلهّفاً للحفاظ على العلاقة التي تجمعه بابن سلمان القائمة بالأساس على صفقات السلاح، إلا أنه بعد أن قال سابقاً: إن الرواية السعودية “موثوقة” عاد الآن ليقول: إنه غير راضٍ عنها في أسلوب ابتزاز متواصل وواضح.
وأشارت الصحيفة إلى الثغرات التي تشوب القصة السعودية، حيث لا تزال العديد من الأمور مبهمة وغير واضحة للمجتمع الدولي الذي لا يزال يرفض أخذها على محمل الجد.
ولفتت الصحيفة إلى أن ما ترمي إليه الرواية السعودية هو إقناعنا بأن ابن سلمان الذي يروّج لنفسه على أنه الرجل الإصلاحي لا يمكن أن يقترف مثل هذه الجريمة البشعة رغم أنه سبق له أن سجن العديد من أقربائه من العائلة المالكة، وهو من اختطف رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري، كما أمر بشن عدوان على الشعب اليمني.
بدورها وصفت صحيفة واشنطن بوست الأميركية في افتتاحيتها مزاعم الرياض بشأن طريقة قتل خاشقجي بأنها “حكاية من نسج الخيال يصرّ ترامب على مجاراتها”.
وأشارت الصحيفة إلى أن إعلان ترامب عن تصديقه لهذه الخزعبلات يظهر نيّاته المخزية القائمة على مساعدة ودعم محاولات النظام السعودي في التهرّب من المساءلة الجادة في هذه الجريمة.
وفي سياق البازار المفتوح حول القضية، أعلن ترامب أنه “غير راضٍ” عن الرواية التي أدلى بها النظام السعودي، وقال، ردّاً على سؤال عما إذا كان راضياً عن طريقة تعامل ملك النظام السعودي سلمان بن عبد العزيز مع قضية مقتل خاشقجي: “كلا لن أرضى إلا عندما نحصل على الإجابة”، وأردف بالقول: “نحن لدينا عقود بقيمة 450 مليار دولار بينها 110 مليارات دولار لطلبيات عسكرية من عتاد وأمور أخرى طلبتها السعودية، وأعتقد أن هذه العقود تمثل أكثر من مليون فرصة عمل، وبالتالي فإنه ليس أمراً بنّاء بالنسبة إلينا أن نلغي طلبية مماثلة”.
إلى ذلك انتقد نائب الرئيس الأميركي السابق جو بايدن تعامل ترامب مع حادث مقتل خاشقجي واصفاً إياه بـ”المخجل والخطير”، وقائلاً: “إنه يختلق الأعذار.. على أي حال هل أنتم تعرفون ذلك التعبير، لا تحضر سكيناً إلى قتال بالبنادق، حسناً لا تحضروا منشار عظام إلى الشجارات، ماذا يجري هنا، إنه لأمر مخجل، بل حتى خطير أيضاً”، وتابع مشيراً إلى إدارة ترامب: “هم يقوّضون سمعتنا الأخلاقية في جميع أنحاء العالم”.
وفي سياق الضغوط الاقتصادية الدولية على النظام السعودي، أعلنت الحكومة النيوزيلندية انسحابها من المشاركة في مؤتمر استثماري مقرر انعقاده هذا الأسبوع في السعودية لتنضم إلى قائمة المقاطعين للمؤتمر.
وانسحبت جهات دولية عدة بما فيها مؤسسات وسياسيون غربيون من المؤتمر بعد تأكيد النظام السعودي مقتل خاشقجي، بينما تزايدت الأصوات المطالبة بإجراء تحقيق دولي شامل في مقتل الأخير بالقنصلية السعودية في اسطنبول، حيث دعا رئيس البرلمان الأوروبي أنطونيو تيجاني إلى توضيح تفاصيل الجريمة، وإجراء تحقيقات مستقلة ودقيقة بهذا الشأن. وانضم رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي إلى قائمة المطالبين بإجراء تحقيق دولي في مقتل خاشقجي، بينما أعلنت استراليا أمس الأول انسحابها من المؤتمر الاستثماري.