أخبارصحيفة البعث

ما الهدف من«خَشْقَجَة» الرأي العام العالمي؟ (تبشيع من أجل التجميل)

 

د. مهدي دخل الله

لم ينقص الإعلام سوى ظاهرة «الخشقجة» حتى تكتمل عنده أدوات تضليل لم يسبق له مثيل في تاريخ التلاعب بالرأي العام العالمي..
حادثة «عادية» جعل منها الإعلام الشغل الشاغل للعالم كله بقواه العظمى والوسطى والصغرى، وموضوع الأولوية لرؤساء دول لديهم من الهموم والمشاكل ما يكفي ويزيد..
أعلم أن قتل إنسان بدم بارد في قنصلية بلاده أمر جلل، ولكن بالنسبة للبلد المعني هي مجرد حادثة صغيرة وعابرة لا يمكن ذكرها أمام آلاف الانتهاكات الأخرى التي يمارسها النظام بحق الإنسان وبحق حقوقه وحياته في الداخل والخارج..
هذه الضجة الإعلامية المضحكة – المبكية توهم الرأي العام، وكأن الأمر يتعلق ببلد هو مثال للديمقراطية وحماية حقوق الإنسان، لذلك فهي ظاهرة غريبة عنه، ظاهرة استثنائية وفريدة، وبوصفها هذه تثير الصدمة والدهشة لدى العالم.
هي نكتة سمجة يحاول فيها القائمون على السياسة العالمية والإعلام العالمي تجميل صورة بلد هو الوحيد في العالم الذي يضع على علمه صورة أداة قتل (السيف) تحت شعار مقدّس يتحدث عن وحدانية الله ورسالة نبيه، وهو شعار الإيمان والسلام..
إنه العبث بعينه… تذكّرني هذه «الخشقجة» بمسرح اللامعقول لدى أوجين يونسكو ومسرح العبث لدى صمويل بيكيت. فعلاً هو العبث ليس فقط لأن الأمر يتعلق ببلد معتاد على حادثة القنصلية وعلى ما هو أسوأ منها بكثير، وإنما لأن القاتل والمقتول من «البيت نفسه» الذي يحلل القتل باعتباره أهم وسائل السياسة.. وفعلاً المقتول ليس أفضل من القاتل..
لا شك في أن هذا الاهتمام الإعلامي غير المسبوق بالحادثة صدم رؤوس النظام في البلد المعني، وأنهم تساءلوا في سرهم: أين المشكلة؟ ماذا حدث؟ إنها مجرد «عملية» معتادة وطبيعية!..
منظمو هذه الضجة الإعلامية العجيبة لديهم من الخبث ما يكفي لكي يدسوا السم في الدسم. إنها أهم عملية «تبشيع من أجل التجميل» في السياسة الدولية بعد الحرب الكونية الثانية (1939-1945).
كل العاملين في مجال المكياج يعرفون تماماً تقنية «التبشيع من أجل التجميل»، وهم لا شك يفهمون تماماً ما أقصد. عندما يستلم الماكيير وجه المرأة كي يجمّله يبدأ بتبشيع هذا الوجه بوضع مساحيق معينة كأساس لعملية التجميل اللاحقة، ولو أن المرأة خرجت إلى الشارع بين العمليتين لأثارت رعباً شديداً لدى المارة..
بعد كل هذه الضجة سوف يرى العالم كيف يحارب ولي العهد الدولة العميقة لبلده بمجموعاتها «اللاإنسانية» وبممارساتها القديمة السيئة. الرسالة هي: أيها العالم عليك أن تدعم الشاب الجديد الذي يسعى للقضاء على «النسخة القديمة» من نظام ذي سمعة سيئة في العالم، وكما على مسحوق التبشيع أن يختفي أمام كريم التجميل، كذلك على بعض رؤوس الاستخبارات أن تسقط ضحية لتجميل وجه ولي العهد..
بعد أيام قليلة ستبدأ في الإعلام الدولي المرحلة الثانية من «الخشقجة» مرحلة التجميل، وهي الهدف الحقيقي للعملية بأكملها، وسيقدّم الإعلام لنا ولي العهد كسوبرمان يحارب الأشرار في بلده، ويسعى جاهداً لتبييض صورة بلده، وبالتالي دعم دورها الخادم للاستعمار الجديد في العالم..

mahdidakhlala@gmail.com