دراساتصحيفة البعث

التدخل.. وصراع القوى العظمى

ترجمة وإعداد: عناية ناصر

هناك شبه إجماع بين الباحثين الذين كرّسوا حياتهم لدراسة الأمن الدولي على أن الدوافع الرئيسية في منافسة القوى العظمى تتصاعد، لكن التحدي الذي لم يجر تحليله هو ميل القوى العظمى للتدخل في الشؤون الداخلية لبعضها البعض.. إن القوى العظمى التي تمتلك أقصى قدر من القدرة على صنع نظام عالمي وخرقه تنتمي إلى طبقة في حد ذاتها، في عالم الفوضى والاعتماد على الذات، هي أكثر الفاعلين السياسيين السياديين حقاً، لذا فإننا نتوقع أن تكون السياسات المحيطة بالانتهاكات المتبادلة لتلك السيادة مختلفة بالنسبة لها أكثر من مثيلتها بين القوى العظمى والدول الأضعف، وليس لدى الباحثين الكثير ليقولوه عن هذا الموضوع جزئياً، لأن الكثير من السلوك المعني تكتنفه السرية، ويعود ذلك جزئياً إلى أن الموجة الأخيرة من الأبحاث حول التدخل الانتخابي، وتغيير النظام المفروض من قبل الأجانب تهيمن عليها البيانات حول تدخل قوة كبرى في شؤون قوة أصغر أكثر من الظاهرة الأندر في التدخل بالشؤون المحلية بين أنداد من القوى العظمى، ومع وضع هذه القيود في الحسبان، تشير الأبحاث التي أجراها علماء السياسة والمؤرخون إلى بعض الافتراضات الأولية.

أولاً: هناك القليل من الرواية غير المسبوقة في الشكاوى الأمريكية والروسية والصينية ضد انتهاك الطرف الآخر لمعايير عدم التدخل عما هو مفترض، وغني عن القول، إن القاعدة نفسها هي معيار قياسي من النفاق الدبلوماسي المنتهك بشكل روتيني، بحيث إنه من المدهش أن الأشخاص الذين لا تدفع رواتبهم من قبل الحكومة يشيرون إليها بشكل مباشر، على سبيل المثال، يتهم مركز العلوم السياسية “دوف ليفين” من جامعة كارنيجي ميلون أنه في الفترة ما بين 1945-2001، موسكو وواشنطن بالتأثير في الانتخابات 117 مرة، ولكن لنأخذ حالة الحرب الباردة، كانت عمليات التأثير معروفة، بدءاً من الجهود المبذولة لإسقاط شخصيات السلطة المنافسة التي يعتقد أنها معادية لمصالح المتدخل، أو المضايقة، أو الإضعاف، على سبيل المثال، في فترة الحرب الباردة، يتهم السوفييت باستخدام الحزب الشيوعي الأمريكي كذراع سياسي في محاولة للتأثير على السياسة الأمريكية الداخلية، ولإضعاف مكانة الولايات المتحدة العالمية، كما اتهمت الاستخبارات السوفييتية
” KGB” بالقيام بإجراءات نشطة مختلفة ومتنوعة لسنوات، بما في ذلك محاولات إفشال بعض المرشّحين، على سبيل المثال نيكسون، وإضعاف الولايات المتحدة من خلال دعم مختلف الضغوط في حركة الحقوق المدنية، وتشويه سمعة الأفراد عبر عمليات استندت إلى معلومات خاطئة.

من جانبها، تعاونت الإدارة الأمريكية مع النازيين السابقين من أجل تجنيد ومساعدة المتمردين في المناطق الحدودية للاتحاد السوفييتي الغربي في أوائل الحرب الباردة، وأدارت عمليات معلومات منظمة طوال الحرب الباردة، بما في ذلك الدعم المستمر للمعارضة القومية في أوكرانيا ودول البلطيق، وكذلك أصناف من حركات الإصلاح داخل النخبة السوفييتية.

ثانياً: إن التدخل المتبادل في الشؤون الداخلية للقوى العظمى النظيرة غالباً ما يكون غير فعال، ويمكن أن يأتي بنتائج عكسية عن طريق توليد معضلات أمنية ناجمة عن خوف كل جانب من التخريب السياسي المدبر من قبل الطرف الآخر، مرة أخرى، لا يمكننا استبعاد حدوث تدخلات سرية ناجحة بشكل مذهل تظل سرية، ولكن الأدلة المتوفرة ليست إيجابية.

في حالة الحرب الباردة، وجد المؤرخون أن جميع العمليات المذكورة أعلاه فشلت فشلاً ذريعاً، وعلاوة على ذلك، فقد أحدثت نتيجتين عكسيتين في البلد المستهدف: تخوف حقيقي من التخريب، والاستخدام الفعال لتلك المخاوف من جانب الحكومات أو المتشددين داخل الحكومات للدفع باتجاه اتخاذ تدابير مضادة قاسية، وبشكل عام سياسة أكثر صرامة، قد يكون التأثير الواضح هو زيادة التوترات والصراع ومخاطر الحرب.

ثالثاً: الحسابات الاستراتيجية من جميع الجوانب معقدة لدرجة كبيرة، وهي غير قابلة للتعميم، لكن المرتجى الرئيسي لا يتلاءم مع المعايير والقوانين، أي أن ما أبقى قوة عظمى تتدخل عند مستويات منخفضة نسبياً لم يكن الخشية من الكذب واختراق الأعراف المفترضة، بل بالأحرى الفرص والحوافز ومخاطر التصعيد، باختصار، إذا كنت تعتقد أن بإمكانك تحسين مصلحتك من خلال التدخل في الشؤون الداخلية لقوة عظمى منافسة، فعليك الحفاظ على المخاطر منخفضة، إما لأنك قوي بما يكفي مقابل منافسك للتحكم في مخاطر التصعيد، أو يمكنك إبقاء العملية سرية للغاية بحيث تحبط قدرة الطرف الآخر على الرد، على سبيل المثال، لم تصل المساعدات الأمريكية إلى التمرد المعادي للسوفييت في أوائل الحرب الباردة إلى نسب أكبر على الرغم من حقيقة أنه تمرد خطير جزئياً بسبب مخاطر التصعيد، ولكن بشكل أكبر لأن الولايات المتحدة سرعان ما علمت أن الاتحاد السوفييتي في عهد ستالين كان مصراً بقوة على مكافحة التمرد.

وحالما حصل الاتحاد السوفييتي على أسلحة نووية، انعكست هيمنة مخاطر التصعيد على القرار الأمريكي، وأضعفت البرنامج الأمريكي في التدخل، ويترتب على ذلك أنه من غير المحتمل أن يحد من التدخل من خلال القانون الدولي، أو السياسات الواضحة، أو الاتفاقيات الرسمية، ومن المرجح أن تظهر ذاتياً من خلال التفاعلات عبر الزمن، ومحاولات إنشاء عتبات بارزة، وخطوط حمراء عن طريق إشارات الردع.