ثقافةصحيفة البعث

هويدا بو حمدان: أجمع كل النساء الحالمات في داخلي

 

تمتلك التشكيلية هويدا بو حمدان طاقة فنية كبيرة ينتج عنها أعمال فنية مميزة بلمستها الأنثوية في التصوير والنحت والاتصالات البصرية بزخم جارف لتمجيد الجمال والفن، إلى جانب كتابتها لقصص الأطفال وعملها التدريسي المهم لطلاب الفن في كلية الفنون الجميلة بالسويداء، ومعهد التربية الفنية التشكيلية والتطبيقية مما يجعل منها فنانة حاضرة على أكثر من صعيد فني في محيطها الاجتماعي.
ولمعرفة المزيد عن تجربتها كان هذا الحوار معها.
< ما هي علاقتك باللوحة والفن عموما? وكيف أثرت الحرب على عملك الفني?
< < حين رأيت النور وبدأت أفهم ما يحيط بي بدأت أحلل وأركب، وبدأت أرسم الأشياء في مخيلتي، أرسمها صورا عبر مخزون قليل لذاكرتي البصرية، وأسقطها على الورق برموز بسيطة تشبه الحكاية، أخفي قطعة الحوَار وأخرج خلسة مع رفيقتي لنملأ الشارع المعبَّد حديثا بالرسومات المرمزة، طيور وفتيات جميلات وشموس، ومازالت رائحة هذا المشهد تعبق في ذاكرتي.
منذ طفولتي كنت محظوظة بأسرة أدركت أناملي الصغيرة، واستمر هذا العشق، حتى أصبح يد ثالثة وعين ثالثة وقلب احتواه، وفكر مد جذوره حتى التحم بجسدي، هكذا تجسدت علاقتي باللوحة والفن.
أما هذه الحرب، فقد استأصلت من الروح أجزاء كأي سوري أحب أرضه، وغرست أنيابها عميقا، لكنني منعت رمادها أن يغطي لوني بالسخام، لم أستطع أن أوثق بشاعتها في لوحاتي أو أصور نزيفها الدموي، حرب أوجعتني واستنزفت روحي، لم أرغب مكوثها في ذاكرتي الفنية، هي تدمر وأنا أرفع السماء وأراقص الشمس، هي تغرق كل شيء بالسواد وأنا ألون بإشراق، هي تقتل وأنا أنشر الحياة.

المرأة واللوحة
< تختارين الأسلوب التعبيري بزخم لوني كبير لحالات إنسانية تعبر عنها لوحاتك ومنحوتاتك، إلى أي المواضيع تميلين أكثر ولماذا تنحازين للمرأة في أعمالك?.
< < الحكاية بدأت حين كنت أجمع كل النساء الحالمات في داخلي، دقائق الصباح عندي تبدأ بسيمفونية حالمة وتنتهي في المساء بسيمفونية أخرى. كل النساء في داخلي يتحولن لطيور بجع تتقن التألق ورفع أعناقها، وأجساد تحلق وتطفو دون أن تغوص.. هذه الرقيقة الدافئة تدخل لوحتي دون استئذان، بعيدة عن الفجور، تشتعل بالتمرد، تكره التأطير، وترفض قص جناحيها، تدخل لوحاتي حالمة دون دعوة معلنة مني، تنثر وشوشاتها كعبق من ياسمين، تستفز بياض اللوحة وتبعثر اللون لتغير فيه كل ما هو مألوف.. هي ليست بمارد أسطوري، ولا جنية ساحرة، ولا بعارضة أزياء، هي المحلقة دائماً، وهي اللاَ حين يجب أن تقول لا، وهي التي تشطر العتمة بانبلاج النور منها.. هي الحضور اللافت في كل الحالات، والروح التي تطفو على الأشياء فتحيلها إلى حياة، لذلك كل النساء في لوحاتي هن أنا.
في البدايات دخلت الواقعية التعبيرية في أسلوبي باللوحة، تعاون الحس والتشكيل والعناصر مع اللون، أخذت هذه الحالة معظم مرحلتي الفنية في الأعمال الزيتية والأكرليك، لكن الألوان المائية التي احتلت جزءا من عشقي كانت من نصيب الطبيعة التي أيضا لم أقدمها بواقعيه مفرطة، الآن أعمالي تأخذ الطابع التعبيري الذي ألجأ فيه لاختزال العناصر وتجريدها من تفاصيلها، هذا الأسلوب استحوذ على اهتمامي وأخذني إلى سحره بشغف، وطغى اللون الرمادي والمحلى بالبنفسجي والبرتقالي، وأشير هنا أيضا إلى عالم النحت، هي جديدة وليست بجديدة، في طفولتي كنت أمضي فترات طويلة من النهار بعيداً عن أعين الأهل وصحبة الرفيقات، على شجرة التوت التي كانت تتوسط باحة المنزل أرقب الغيوم كيف كانت تتشكل كتلاً نحتية، أقضي الساعات في حديقة المنزل أتلصص بحذر على مجموعات النمل كيف تحفر وتبني بيوتها، أرفع الحجر الذي تقبع تحته ممالك النمل وأرقب انزعاجها وغيظها من تدخلي ووجودي حول عالمها، وأعود لأشكل من التراب والماء تلالاً وأشكالاً مختلفة، أمارس هذا اللعب باستمتاع ، ألتقط الحجارة التي اتخذت أشكالاً متنوعة وأتأملها، هذا المخزون بقي في داخلي حتى أصبحت في المدرسة، وفي المرحلة الثانوية انتسبت لمركز الفنون التشكيلية وتخصصت في فن النحت، ثم تابعت دراستي للنحت بمادة الصلصال في كلية الفنون الجميلة لكنني تخصصت في قسم الإعلان، ثم مارست النحت بعد التخرج مع طلابي على الجبصين .
كنت دائما أستمتع بأي عمل نحتي أراه وأناقشه من مختلف جوانبه الفنية دائمة السؤال كيف تتم مراحل العمل فيه وخاصة بالمواد الصلبة كالبازلت والرخام، فالنحت على البازلت عالم من السحر فريد من نوعه، اخترته بدون تخطيط متعمَد، فجأة استيقظت من ذهولي فوجدته قد تقمصني واستحوذ علي حتى الأعماق، شدني إليه بقوة، ازددت إلهاماً وإبداعاً بحضوره، حلمت به، لكني لم أتوقع أن أمارسه.

خصوصية الفن الأنثوي
< هل هناك فرق بين عمل الفنان الرجل وعمل الفنانة المرأة برأيك?
< < رغم الحس العاطفي الظاهر عند المرأة بالعموم ورقة اللون المقترن بأنوثتها وليونة خطوطها، لكنني لا أجد فرقاً بين لوحتها ولوحة الفنان الرجل أو منحوتتها ومنحوتته، ونحن في كثير من الأحيان لانستطيع التمييز بين الحالتين، العمل الفني يختلف باختلاف الأسلوب والمحيط المؤثر به.
< هل أنت متفائلة بمستقبل الفن التشكيلي السوري?
< < لطالما كان للفن السوري الصدارة يبن الفنون في أماكن أخرى من حيث النوعية والتنوع والحضور، لكن لا أراهن على هذا الفن في المستقبل، فالفن يتغير بتغير المعطيات القادمة والتقنيات المختلفة وتأثير التقنيات المبرمجة، عدا عن ذلك الحرب غيرت نمط التفكير وأسلوب الحياة، وأعطت نتاجاً مختلفاً من الفن التشكيلي وخاصة عند جيل الشباب.
الفنانة التشكيلية هويدا بوحمدان من مواليد السويداء عام 1962- تحمل إجازة في الفنون الجميلة – قسم الاتصالات البصرية- جامعة دمشق- ودبلوم تأهيل تربوي، وهي مدرّسة في معهد التربية الفنية التشكيلية والتطبيقية، وفي كلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق –فرع السويداء، وعضو اتحاد الفنانين التشكيليين السوريين، وتعمل في مجال الاتصالات البصرية والتصوير والنحت، ولها مجموعة من قصص الأطفال تأليف ورسوم، وشاركت في العديد من المعارض الجماعية داخل سورية، وأعمالها مقتناة في عدة مجموعات عامة وخاصة.
محمد سمير طحان