اقتصادصحيفة البعث

إنفــــــاق شــــــكلي..!

أموال كثيرة جداً يتم إنفاقها لغايات إكساء الأبنية السكنية والمنشآتية والخدمية من الداخل والخارج، باعتماد تلبيس الجدران الخارجية بالحجر الطبيعي أو الصناعي أو الألواح المعدنية، واعتماد واجهات كبيرة – أرضية وطابقية – من الألواح البلورية، بحيث يغلب الطابع الجمالي الباهر على كثير من أنواع وأشكال هذا الإكساء، بعيداً عما ينجم عنه من تحقيق نفعية ذات أهمية تستوجب هذا الإنفاق الكبير، وهذا الإنفاق الإكسائي الباهظ الثمن يتنامى بشكل متوازٍ عند شريحة، مع تنامي الفقر والحرمان عند بعض شرائح أخرى، وأصبح يشكل حالة قائمة في جميع القطاعات /العام والتعاوني والمشترك والخاص والأهلي/، وكثيراً ما يتبين أن كلفة هذا الإكساء تزيد عن كلفة الهيكل، ما يجعل من الجائز أن يصنف هذا الإنفاق في خانة الترف التبذيري، أكثر مما هو تلبية لحاجة ماسة.

ويبقى التساؤل المشروع، أليس من المتوجب صدور بعض التشريعات واتخاذ بعض الإجراءات التي تحد من هذا الإنفاق الاستهلاكي التبذيري في القطاع الخاص، بغية الحض والتشجيع على تحقيق وتوجيه ادخاراته لصالح الميدان الاستثماري، عبر اعتماد تشريعات تفرض رسوماً زائدة على كل إنفاق استهلاكي ترفي، على غرار رسوم الإنفاق الاستهلاكي المعتمدة في مجالات أخرى، شريطة أن يجاري ذلك تخفيض أو إلغاء الكثير من الرسوم على كل إنفاق استثماري إنتاجي، أما فيما يخص القطاع العام، أليس من الضروري الحد المتتابع من هذا الإنفاق، خاصة أن بعضه قد يكون بأقل كمية ونوعية مما هو مدون في العقود، والغريب في الأمر أن هذا التلبيس لا يقتصر على الجدران الخارجية للأبنية بل يتم تنفيذه على الأسوار الخارجية لكثير من المباني العامة والخاصة، السكنية والمنشآتية، وعلى كثير من المنشآت والتشييدات على تنوعها وتعددها.

وإن يكن من غير الجائز أو المقبول التعرض لكثير من نفقات الإكساء الداخلي الباهظة، وخاصة في مساكن ومنشآت القطاع الخاص، ومثيله -بل الأكثر أحياناً- في كثير من منشآت القطاع العام، وبعض المنشآت العبادية، أليس من المتوجب اعتماد المصممين والبنائين طرقاً هندسية وإنشائية تؤمن وجود أشكال جمالية من الخارج لكل بناء، بحيث يتم تشكيلها من المواد البيتونية، وفق قوالب معدة مسبقاً، وبما ينسجم والحاجة الإنتاجية أو الخدمية أو السكنية لكل مبنى، ومدعاة للسرور أن بعض مظاهر هذه الأشكال بدأت تظهر على كثير من الأبنية وخاصة فيما يخص الشرفات، ولعقود مضت كانت الرشة التيرولية الإسمنتية على الجدران الخارجية للأبنية، تعطي لمسة جمالية، وكثيرون من الذين يزورون بعض المدن السورية وخاصة دمشق، يلاحظون استمرارية جمالية هذه الرشة وتماسكها على مئات الأبنية، رغم مضي عشرات السنين على تنفيذها، في حين نجد أن بعض حجارة التلبيس الحديثة – الطبيعية أو الصناعية – المنفذة على جدران مئات الأبنية تتساقط بالتتابع في الظروف الطبيعية العادية، رغم مضي سنوات قليلة على تركيبها. واللافت للانتباه قد تم وما زال يتم تبليط الأرصفة وكثير من المداخل ببلاط حجري ضعيف المتانة أو رقيق السماكة، أو سيراميكي ناعم، كثيراً ما يتآكل أو يتكسر بعضه بعد سنوات قليلة من تركيبه، وربما بعد أشهر، عدا عن خطورة السير على السيرامك الناعم الملمس.

إن التوقف عند التكاليف المادية الكبيرة لهذا الإكساء، لا يغني عن التوقف أيضاً عند بعض مخاطره المستقبلية، وخاصة تلك التي ستنجم عن سقوط ما هو مركب منه على ارتفاعات كبيرة في الأبنية الطابقية، ولن تقتصر المخاطر على التكاليف الكبيرة اللاحقة للترميم بل يتعدى ذلك إلى ما قد يلحق من أذى ومضار وخسائر بالمارة والجوار عقب سقوط بعض قطع التلبيس، نتيجة ضعف نوعية المواد، أو ضعف في طريقة تركيبها، وسيترتب على ذلك مخاطر على المارة وعلى الجوار، وإن كنا نعاني من سقوط بعضها ضمن الظروف الطبيعية، فالطامة الكبرى ستظهر عند حدوث هزة خفيفة، حال سقوط كم كبير من هذه المواد، وفي هذه الحالة هل من تشريع ما يضمن حصول المتضررين على تعويض ما من جهة ما نتيجة ذلك.

عبد اللطيف عباس شعبان

عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية