دراساتصحيفة البعث

الصين وروسيا تتحدان

ترجمة: علاء العطار
عن موقع “فالداي” 4/11/2018
حضر رئيس الوزراء الروسي ديميتري ميدفيديف افتتاح معرض الصين الدولي الأول للاستيراد الذي عُقد في 5 تشرين الثاني الجاري. تهدف هذه الزيارة، من جهة، إلى تعزيز الإصلاحات والانفتاح في الصين في خضم صعود الحمائية الدولية والتوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، ومن جهة أخرى، ستتاح لروسيا فرصة لتملأ الفجوة التي تركتها الولايات المتحدة في السوق الصينية. وقال ديميتري ميدفيديف إن المحادثات ستركز على التجارة والتعاون في مجال الطاقة وتطوير البنية التحتية وتنسيق المواقف بشأن القضايا العالمية، بما في ذلك التجارة الدولية والحمائية الدولية.
وكرّر الزعيمان، الروسي والصيني، أكثر من مرة أن العلاقات بين بلديهما هي الأفضل على الإطلاق في تاريخهما، فخلال العشرين سنة الماضية، كان التعاون التجاري والاقتصادي الثنائي ينمو بسرعة، وتبعاً لإحصاءات الجمارك الروسية، بلغت التجارة الثنائية 87 مليار دولار في عام 2017، بزيادة قدرها 31.5 بالمائة عن عام 2016. وتفيد الإدارة العامة للجمارك في الصين بأن التجارة الثنائية بلغت 77.2 مليار دولار في الفترة من كانون الثاني إلى أيلول 2018، بزيادة قدرها 25.7 بالمائة سنوياً، ومن المتوقع أن تزداد التجارة نهاية هذا العام بين روسيا والصين إلى مستوى قياسي لتصل إلى 100 مليار دولار في عام 2018.
ومع ذلك، لا تزال الصين الشريك التجاري الأكبر لروسيا منذ ثماني سنوات، بينما تحتل روسيا المرتبة 14 فقط بين شركاء الصين التجاريين، والتجارة الثنائية صغيرة للغاية في ضوء التجارة الخارجية بين البلدين وتعاونهما السياسي، ويعود ذلك إلى أن التجارة بين روسيا والصين تعتمد بشدة على السوق الدولية وهيكل التجارة الخارجية الروسية. والصادرات الروسية الرئيسية إلى الصين هي النفط الخام والمواد الخام والأخشاب (ما يقارب 80 في المائة من الإجمالي). في حين تقدّم الصين في الغالب الأقمشة ومعدات بناء الآلات إلى روسيا (60 في المائة)، يشرح هذا الهيكل القيمة النقدية المنخفضة للتجارة الثنائية.
أما عن الاستثمار، ففي حين انخفض الاستثمار الكلي للصين في الخارج عام 2017، نما استثمارها المباشر في روسيا بنسبة 72 في المائة وبلغ 2.2 مليار دولار، بما في ذلك الاستثمار المباشر غير المالي، الذي ارتفع بنسبة 36.8 في المائة، وتبعاً للبنك المركزي الروسي، بلغ الاستثمار الصيني المباشر في روسيا في 1 كانون الثاني 2018 (4.2) مليارات دولار. وأفاد مكتب الصين الوطني للإحصاء بأنه في أواخر عام 2016، وصل الاستثمار الأجنبي المباشر المتراكم في روسيا إلى 13 مليار دولار، وبلغت القيمة الإجمالية لعقود الإنشاء الموقعة بين الشركات الروسية والصينية 7.8 مليارات دولار في عام 2017، وهذا التدفق الاستثماري بين روسيا والصين غير وافٍ على الإطلاق نظراً لعلاقات الشراكة الشاملة والتعاون الاستراتيجي.
لم يتمكّن البلدان من زيادة الاستثمار المباشر في اقتصاد أحدهما الآخر بسبب الافتقار إلى التفاهم المتبادل، فروسيا كدولة قومية متأصلةٌ في أوروبا، وعندما تقاطعت استراتيجية روسيا لأوروبا الكبرى التي تهدف إلى اندماجها في أوروبا مع تحول “أوروبا الكبرى” الغربية باتجاه الشرق، كان على روسيا أن تتجه نحو الشرق أيضاً بحثاً عن تعاون أوثق مع الصين، مع ذلك، فإن روسيا لا تعرف كيف تغيّرت الصين على مدى الأعوام الخمسين الماضية، وعلى مدار 40 عاماً من الإصلاحات والانفتاح، تعلمت الشركات الصينية العمل مع الشركاء الغربيين، وبصورة مماثلة، لا تعرف الشركات  الصينية روسيا، كما أن الفوضى التي اجتاحت روسيا في التسعينات منعتهم من الاستثمار فيها، بعبارة أخرى، إن العلاقة الحالية بين الشركات الروسية والصينية ليست سلسة، الأمر الذي يخلق العديد من العقبات التي لا تؤدي إلا إلى زيادة مخاوف المستثمرين الصينيين من روسيا.
وعليه، فإن مواءمة مبادرة الحزام والطريق مع الاتحاد الاقتصادي الأوروبي ستساعد على تبسيط وتحرير التجارة والاستثمارات المتبادلة، ويمكن تعزيز تنمية التعاون الاستثماري من خلال توقيع اتفاقية استثمار بين الصين وروسيا، والاتفاقية التي وقّعاها منذ فترة طويلة أصبحت رثة، ومع أن هيكل التجارة الثنائية تحسّن إلى حدّ كبير خلال السنوات الماضية، إلا أنه ليس مرضياً تماماً حتى الآن، ويجب على الشريكين زيادة حجم السلع ذات القيمة المضافة وتطبيق أساليب تجارية جديدة، على سبيل المثال، تسهيل تنويع التجارة الإلكترونية والصادرات الروسية، وعليهما أن يفتحا الباب أمام الاستثمار المباشر لبعضهما البعض في مجموعة أكبر من الصناعات، مع التركيز على قطاع الطاقة والبنية التحتية والزراعة والتكنولوجيا العالية.
لدى روسيا برنامج للتنمية الصناعية حتى عام 2020، في حين أن الصين تنفذ برنامج “صنع في الصين” إلى عام 2025. وبالنظر إلى أن كلا الشريكين لديهما مزايا فريدة في مجال التنمية الصناعية، فعليهما البحث عن نقاط اتصال وعن نماذج جديدة لتعزيز تعاونهما الصناعي، كما يجب عليهما تعميق تفاعلهما المالي، وزيادة حجم صفقات التبادل بين بنكيهما المركزيين لتمكين التسوية المشتركة بالعملات الوطنية للمعاملات عبر الحدود، وتسهيل القروض بين البنوك التجارية، وإتاحة الوصول إلى أسواق التأمين وأسواق رأس المال الأخرى للأغراض التمويلية، وكذلك التعاون في إنشاء وتنفيذ نظام للمعاملات المالية والتسويات والمدفوعات من أجل تجنّب سيطرة الأمريكيين على تدفقاتهما المالية.
وفي حال تعاونت الصين وروسيا في تحقيق الأهداف المذكورة أعلاه، فمن المضمون أن تكسبا الحرب التجارية التي شنّتها الولايات المتحدة.