ثقافةصحيفة البعث

“طعام، صلاة، حب” وموجة “الأدب” السياحي!

 

هل نستطيع اعتبار رواية “طعام، صلاة، حب” إضافة أدبية للأدب العالمي، وذلك بغض النظر عن مستواها؟ فالرواية التي خطتها الكاتبة الأمريكية “إليزابيث جيلبيرت”-1969- عام 2006، أكملت حتى شهر آذارِ لعام 2009،ما يقارب العامين على قائمة “النيويورك تايمزِ” للكتب الأكثر رواجاً في العالم، وهذا يعني وحسب مصداقية الصحيفة الشهيرة، أن الملايين من سكان العالم قرأوا الرواية، وراقت لهم، بل واعجبتهم، حتى أنها صارت بمناسبة هدية جميلة يتبادلها الأصدقاء في المناسبات، ولا ريب انها حققت حضورا مهما في حياة نساء كُثر، مررن بأوقات مماثلة لتلك الأوقات التي مرت فيها شخصية البطلة في الرواية، وهذا يحقق معادلة الجماهيرية قولا واحدا في أحد مجالات الفن، بل والفن الأصعب أي الرواية، ولكن وبالعودة إلى السؤال المطروح آنفا: هل هذا يعني أنها رواية تستحق الوقوف جنبا إلى جنب مع كل من روايات “ماركيز، همنغواي، توني موريسون، ديستويفسكي، شارلز ديكنز، حنا مينه”، وغيرهم من الأسماء التي أبدعت في هذا الفن العظيم، وتركت أثرها المستمر، على العالم بأثره؟ هل تستحق “طعام صلاة حب” هذا فعلا؟
الجواب عن سؤال كهذا ليس مقترنا بالمقارنة بين هذا العمل الروائي، وغيره من الروايات التي تم ذكر أسماء بعض مبدعيها العالميين، فالمقارنة ليست في صالح الرواية الأكثر رواجا بين القراء حول العالم، لا في المضمون، ولا في المعالجة، لا في التقنية، ولا في الأسلوب ولا في الفكرة بحد ذاتها، وهي مما يمكن وصفه من باب اللياقة الأدبية بـ “الأدب السياحي”، أكثر من كونها إنجاز إبداعي روائي جديد، وهذا النوع ينتشر عادة في محطات القطارات أو في المطار ريثما يحين موعد الإقلاع أو الهبوط، كما يمكن أن يوجد ببساطة في الصيدليات.
هذا النوع لاقى إقبالا جماهيريا، ربما لإقبال الناس على كل ما هو قريب مما يحب، خصوصا وأن الرواية نفسها، ليست إلا حكاية رحلة سياحية ترفيهية، قامت بها سيدة ما، لتحاول كسر روتين حياتها.
يسير الخط العام للرواية على الشكل التالي: امرأة تمشي بسني عمرها نحو الأربعين، بدأت تصاب بالإحباط من حياتها البيتية الرتيبة، الحياة المكتملة تقريبا، بوجود أسرة تحبها، وزوج يدعمها، لكن الحب وأفعاله باردة بينهما، إضافة إلى عمل محترم، يجعلها وعمل زوجها، تحيا وأسرتها حياة مريحة ماديا، لكن ذلك لا يخفف غلواء روحها المحترقة رغبة بحياة أخرى،ولا من نوبات البكاء الطويلة التي تصيبها وهي في الحمام، لذا تأخذ قرارا سيغير حياتها وحياة عائلتها إلى الأبد، إذ قررت الانفصال عن زوجها وترك أولادها، وبعد حكاية طلاق طويلة، تعذبت وتنازلت للحصول عليه بأي طريقة، نجحت في ذلك، وقررت أنها تريد أن تبدأ حياتها من مكان جديد ومختلف تماما عن عالمها وبلدها، لذا تقرر أن تترك بلدها أمريكا، لتبدأ رحلة تمتد لعام من الزمن، عساها تغير حالتها النفسية المكتئبة في واحدة من أجمل دول الأرض، إيطاليا، وهناك تحيا حياتها بالطول والعرض كما يقال، تتعرف على أًناس آخرين، وتتعلق بالطعام الإيطالي الذي تصبح مهووسة به، حتى أن وزنها يزيد، ويعود لها حب الطعام مرة أخرى، بعد أن كانت فقدت مذاقاته في فترة اكتئابها وربما إصابتها بانفصام الشخصية، وهنا تتحقق الكلمة الأولى من عنوان الرواية “طعام”.
“صلاة”:بعد التسكع لفترة في إيطاليا مع العديد من الرفقة، من بينهم العديد من الرجال الإيطاليين الوسيمين، تقرر أنه يجب عليها أن تذهب إلى الهند، لتتعلم “السلام الروحي” في معابد سياحية، توفر هذه المتعة للغربي الأبيض المصاب بالملل والكآبة، وفعلا تسافر إلى الهند وتدخل في واحدة من تلك التجمعات الروحانية، التي تدعي أنها بطقوسها وصلواتها وإرشاداتها، تستطيع أن تجعل الحياة الروحانية، أكثر كثافة وحضورا في اليومي المادي، فيتحرر الإنسان رويدا رويدا مما يثقل كواهله، فالصلاة كما تُخبر العلوم النفسية، تقوم على تهدئة المزاج الحاد للإنسان، وبعد أن تعلمت ذلك وأتقنته، كان لا بد لها أن تكتشف ذاتها في إندونيسيا، وفي مدينة بالي، تلتقي بحب حياتها وهو مطلق برازيلي، تكمل معه حياتها “حب”.
عدد صفحات الرواية البالغة 352 صفحة، هو رقم مبالغ فيه جدا، لحكاية بطلتها لديها حس فلسفي سياحي في الحياة، فالمشكلة التي تواجه البطلة في الرواية، يلزمها رحلة سياحية، في دول جميلة مع طعام شهي، ثم صلاة للتطهير الروحي، وبعدها حب جديد، مع حبيب برازيلي، للخروج من حالتها النفسية الجنائزية حقيقة، التي كانت تقضي بسببها الكثير من الأوقات في الحمام تبكي، وهي لا تعلم لماذا، وهنا يأتي أول أسباب وصف شخصية البطلة بالفصام، فمنطقيا وحسب علم النفس أيضا في الزمن الجاري، تحقيق الحياة التي قامت بها إليزابيث قبل أن تقرر أنها ستتطلق وتهجر أسرتها، هو من الأشياء الباعثة على الرضى عن النفس، مالم نقل الاعتداد بها، لكن القصة الحقيقية خلف ذلك الشعور الذي كانت تحياه في بيتها، خصوصا مع زوجها، يدل وحسب علم النفس أيضا، على كمية الرغبة الجسدية المكبوتة في داخلها، والتي تظهر فيها الرواية بمقولة متوارية، أن الحياة الزوجية، حتى لو كانت مؤمنة من كل ما يلزم، فهي ليست بالحياة السعيدة، فهذه المؤسسة فاشلة حسب الكاتبة في إرضاء الرغبات، لأنها متبدلة ومتغيرة، تصيب بالملل.
إن النظر إلى عنوان الكتاب وحده، يُظهر مضمونه دون مزيد عناء في تقليب الصفحات، فالمشكلة النفسية التي فيها من الفصام، تلك التي تصيب البطلة، رغم وجودها في المجتمع، إلا أنها ليست من المعاناة البطولية في شيء، إنها أيضا معاناة سياحية خمس نجوم لامرأة غربية أفاقت من النوم، فوجدت نفسها تنهار نفسيا، ملل ورتابة وزوج بارد، ليكن الحل إذا سياحيا كما السبب، بالطعام، والصلاة، والحب، الكلام الذي يُكتب كوصفة طبية معروفة سلفا ومنذ أقدم الأقدمين فهكذا تقوم حياة الناس جميعا ربما، تتوصل له البطلة بعد عام من سياحتها التي أطاحت فيها بمستقبل عائلتها، أنها تُعيد كتابة المكتوب أساسا، ولكنها تغلفه بغلاف أنيق من العلاقات الإنسانية المختلفة التي تحياها في رحلتها السياحية، التي صارت كتابا، من ورق وحبر، لكنه حتما ليس ليوضع على رفوف المكتبات العامة والشخصية.

تمّام علي بركات