دراساتصحيفة البعث

ما بين الصمود اليمني والابتزاز الأمريكي.. هل ينتحر آل سعود في اليمن؟!

هشام الهبيشان
كاتب من اليمن
يبدو واضحاً لجميع المتابعين لتطورات الملف اليمني، ومسار الحرب العدوانية السعودية على اليمن، أن الأيام الأخيرة حملت المزيد من التطورات على الساحة العسكرية اليمنية، وخصوصاً مع محاولة السعودي جر الأمريكي، والغرب بمجموعه، للمساهمة أكثر بمسار الحرب على اليمن، وخصوصاً بعد تحذير النظام السعودي من خطورة تصدير شحنات النفط الخام عبر مضيق باب المندب، وهو حلقة وصل حيوية على طريق التجارة بين البحر المتوسط وآسيا، حيث تحمل الشحنات البضائع بين أوروبا وآسيا، وكذلك النفط من الشرق إلى أوروبا وأمريكا الشمالية، مروراً بقناة السويس، وتقدر وكالة الطاقة الأمريكية كميات النفط التي تمر عبر مضيق المندب بنحو 4.8 مليون برميل يومياً، وفقاً لتقديرات الوكالة في 2016، ومن هنا فالسعودي يراهن على هذا التطور، وخصوصاً مع حجم الرهانات العسكرية والسياسية التي يتوقع أن يحصل عليها السعودي من الغرب، والتي يتوقع أن تكون لها تداعيات عدة، وأن تكون أولى نتائجها بالحديدة عبر عملية دعم دولية لمسار أية معركة سعودية إماراتية جديدة في الحديدة على سواحل غرب اليمن، خاصة بعد الاعتراض الدولي، وضعف الدعم الغربي للعملية العسكرية السابقة، ولكن الواضح هنا أن هذا الرهان السعودي لم يحقق أهدافه إلى الآن، وخصوصاً بعد رهن الأمريكان مشاركتهم بأية عملية عسكرية وبشكل مباشر برياً وجوياً بسواحل اليمن الغربية “الحديدة” بأثمان مالية كبيرة لا يقدر لا السعودي ولا الإماراتي على تحمّلها، وهنا من الواضح أن هذه التطورات بمجموعها قد خلقت حالة تخبط بدوائر صنع القرار السياسي– العسكري السعودي، فهي بناحية تصعّد عملياتها العسكرية العبثية جواً في الحديدة، وتدعي إعلامياً أنها تحشد لمعركة ضخمة فيها، والسؤال هنا: هل يستطيع السعوديون تحمّل تداعيات ونتائج أية معركة جديدة في الحديدة، خصوصاً أن لهم تجارب عدة في مسار المعارك في الداخل اليمني، وخصوصاً بجبهة الساحل الغربي؟!.
وهنا عندما نتحدث عن مسار ونتائج وتداعيات المعارك السعودية وحربها على اليمن، فعلينا العودة إلى قبل ما يزيد عن ثلاثة أعوام وصولاً لليوم، فقبل ما يزيد عن ثلاثة أعوام، وتحديداً عندما حدّد النظام السعودي خلال عدوانه على اليمن والمسمّى حينها، بـ “عاصفة الحزم”، بنك أهداف تضمّن بنى تحتية، ومرافق حيوية، ومجموعة مطارات وقواعد عسكرية يمنية، تم تدمير بنك الأهداف هذا كاملاً، كما يتحدث السعوديون، وقد برّر النظام السعودي عدوانه هذا بحجة الدفاع عن شرعية الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، ومن جهة أخرى، وقف تقدم “أنصار الله” والجيش اليمني باتجاه مدينة عدن، مقرّ الرئيس اليمني هادي، حينها وصف بعض الساسة السعوديين هذه العملية، بـ “الصفعة القوية للتمدّد الإيراني في المنطقة العربية”، في المحصلة، وبغضّ النظر عن الأسباب المعلنة أو المخفية وراء الكواليس للعدوان السعودي على الدولة اليمنية، يمكن القول اليوم وبعد ما يزيد عن ثلاثة أعوام من الحرب على اليمن: إن النظام السعودي ذهب برجليه إلى مغامرة غير محسوبة النتائج ستكون لها تداعيات ونتائج خطيرة، بل خطيرة جداً على النظام السعودي نفسه، ومن يتابع إطلاق الصواريخ اليمنية على أهداف محددة بدقة في الأراضي السعودية، سيدرك جيداً حقيقة فشل النظام السعودي ومن معه بحربه على اليمن، وهنا، للتاريخ، نكتب ونقول: إن اليمنيين فاجؤوا الجميع، ونجحوا في استيعاب واستقراء طبيعة العدوان السعودي، ونجحوا ببناء وتجهيز إطار عام للردّ على هذا العدوان، ونحن هنا نتوقع مزيداً من الردود “النوعية” اليمنية على العدوان السعودي بحال قرر من جديد فتح معركة جديدة بالحديدة، لكن طبيعة هذه الردود وشكلها لا يزالان طيّ الكتمان، ولم يفصح عنهما ساسة وعسكر اليمن، وتُترك للتطورات الميدانية، لكن الواضح أن السعوديين بدؤوا، بدورهم، التحضير لاستيعاب واستقراء طبيعة هذه الردود، وخصوصاً أن أي رد عسكري نوعي يمني ستكون له تداعيات عدة على السعودية وعلى مكانتها الإقليمية والعسكرية في المنطقة التي بدأت بالتراجع مع اتضاح حقيقة حجم ضعف القوة والردع العسكري للنظام السعودي، ومن هنا يدرك بعض السعوديين “العقلاء” حجم الضرر والخطر اللذين قد يلحقان بالسعودية نتيجة الاستمرار بهذا الخطأ الفادح المتمثّل باستمرار الحرب على اليمن بعد أن أثبتت الأعوام الثلاثة الماضية أن هذه الحرب العدوانية مصيرها الفشل، ومع أن معظم السعوديين يدركون هذه الحقيقة، ومع ذلك مازال البعض منهم يراهن على الحسم العسكري وتصفية المناهضين لهم بالداخل اليمني؟!.
من هنا، ومع استمرار مراهنة بعض السعوديين على الحسم العسكري في اليمن، رغم حجم الخسائر الهائلة مادياً وعسكرياً التي تعرّض لها السعودي في اليمن، فإن هذا يؤكد أن بعض السعوديين يقودون الدولة السعودية بمجموعها للانتحار في المستنقع اليمني، فلا جدوى من استنجاد دعم دولي لدعم الحرب على اليمن، فرغم الموقف السعودي المتمثّل بالتهويل من الخطر على صادرات النفط من مضيق باب المندب بحجة حجم الخوف على سلامة ناقلات النفط السعودية العملاقة التي تنقل يومياً أكثر من 4 ملايين برميل من النفط عبر المضيق نحو أوروبا، لكن كل هذه الزوبعة الإعلامية السعودية لم يكن لها، كما يبدو واضحاً، أي تأثير على الموقف العالمي من الحرب السعودية على اليمن، فلم نر أية ضجة عالمية، وأسعار النفط العالمية كما هي، والموقف الدولي كما هو، ولم يتغير من مسار العدوان السعودي على اليمن، لا بل على العكس فقد كانت نتائج ارتدادها أكثر سلبية على مسار العدوان السعودي على اليمن، وبالمحصلة تم الكشف عن حجم التخبط في دوائر صنع قرار، واستمرار الحرب على اليمن أظهر بالمحصلة حجم ضعف النظام السعودي عسكرياً، ما دفع الأمريكي مجدداً لابتزازه مالياً مقابل توفير الحماية له.
ختاماً، من المتوقع أن يستمر ويستميت السعوديون في معركتهم العدوانية على اليمن، وهذا دليل على حجم التخبط لديهم، مرتكزين على حروب وانتصارات “إعلامية”، لعلهم يستطيعون أن يحققوا انتصاراً، حتى وإن كان إعلامياً، أو على حساب تجويع وجثث ومعاناة رجال ونساء وأطفال مخيمات النزوح اليمنية، وقاعات وبيوت الأفراح والعزاء والسكان الآمنين والمستشفيات، وو.. إلخ، لعل هذه الانتصارات “الإعلامية” تعطيهم جرعة أمل بعد سلسلة الهزائم المدوية التي تلقوها في أكثر من ساحة صراع إقليمي.