دراساتصحيفة البعث

الرؤوس الحامية والمخطط الشيطاني

عبد الرحمن غنيم – كاتب وباحث من فلسطين

في عالمنا اليوم ثلاثة رؤوس حامية يشعر أصحابها بالاختناق تحت وطأة الإخفاق، ويسعون بأيّ شكل من الأشكال إلى تحقيق اختراق. وأصحابُ هذه الرؤوس هم: الصهيوني أولاً، والأمريكي ثانياً، والسعودي ثالثاً.

قد يستغرب البعض أن نضع الصهيوني أولاً، بينما يليه السيّد الأمريكي ثانياً. وقد يستغرب هذا البعض أكثر أن نحتسب رأس السعودي ضمن الرؤوس الثلاثة بينما هو يلعب دور الذيل. ولكن هذا هو الواقع الذي لا بدّ من رصده على نحو دقيق لفهم أبعاد ما حصل خلال السنوات الأخيرة، وما يمكن أن يحصل خلال الفترة القادمة.

إن الحقيقة الأساسية والجوهرية التي ينبغي ألا تغيب عن بالنا ولو للحظة واحدة هي أن المخطط الشيطاني الذي استهدف ما أسميت بمنطقة الشرق الأوسط، بهدف تصنيع ما أسموه بالشرق الأوسط الجديد إنما كانت غايتها الفعلية تمكين “إسرائيل” من التوسع بين الفرات والنيل. لكن هذه الغاية الأساسية لا تعني عدم وجود غايات أخرى فرعية مواكبة. وهذه الغايات الفرعية الأخرى المواكبة منها ما هو أساسي في المؤامرة ومنها ما هو مجرد مصيدة لاصطياد بعض الأطراف والزج بها في ساحة التآمر للوصول من خلالها إلى تحقيق الأهداف.

نعرف جيداً أنه منذ بدء تنفيذ المخطط الشيطاني وهناك من يحاولون إقناعنا بأن أهدافاً فرعية مثل السيطرة على خطوط نقل النفط والغاز في المنطقة، أو الأطماع الأمريكية في الهيمنة على احتياطيات الغاز الافتراضية في سورية، أو محاولة إقامة أنظمة سياسية موالية لأميركا ومسالمة لـ “إسرائيل” أو على النمط الرأسمالي هي الهدف والغاية، أو أن الغاية هي إعادة رسم خريطة المنطقة على نحو يخدم ما يدّعون أنه هدف تحقيق السلام، لكن هذا كله لا يمكن أن يطمس الحقيقة القائلة إن هدف المخطط الشيطاني كان أكبر وأوسع من ذلك، وهو الأمر الذي كشف عنه ثعلب السياسة الصهيوني كيسنجر النقاب في لحظة تملكه فيها الإحساس بأن المخطط الشيطاني لا بد واصل إلى غايته، حين قال بأن الحلقة الأخيرة من المخطط الشيطاني الذي يبدأ بتمكين العصابات الإرهابية التكفيرية من توزع خريطة المنطقة يتمثل في قيام الكيان الصهيوني بالانقضاض بكل ما لديه من قوة ومن أسلحة لقتل أكبر عدد ممكن من العرب ولاحتلال ثلثي منطقة الشرق الأوسط. أي أن الغاية كانت فعلاً هي تمكين “إسرائيل” من التوسع بين الفرات والنيل. فإذا كان هذا هو هدف المخطط، فهذا يعني أن المحبط الأول من فشل هذا المخطط هو الكيان الصهيوني، ويكون المحبط الثاني من وراء هذا الفشل هو الطاغوت الأميركي الذي تولى إدارة تنفيذ هذا المخطط، والذي كان يأمل من وراء تنفيذه للمخطط أن يحقق أهداف الاستراتيجية العالمية الأمريكية في كامل المنطقة وفي امتدادها الإسلامي أيضاً بالإضافة إلى تحقيق الهدف الصهيوني الذي اعتاد على تسويقه تحت عنوان “ضمان أمن إسرائيل” بحيث يأتي هذا الضمان مرتبطاً مع ما يسميها بالمصالح القومية الأمريكية.

وإذا كان من السهل بالنسبة لأي إنسان في هذا العالم أن يفهم الرباط القائم بين الصهاينة وبين الطبقة الحاكمة أو المتحكمة في الولايات المتحدة الأمريكية، بل وفي بلدان أخرى كثيرة وخاصة في الغرب، فإن السؤال الذي يطرح نفسه في هذه الحالة هو عن موقع الأسرة الحاكمة السعودية من اللعبة أو الخطة. وهل هي انخرطت في تنفيذ المخطط الشيطاني تلبية للأهواء الصهيونية والأمريكية أم أن أهواءها أيضاً كانت وراء هذا الانخراط؟

من المؤكد أن الأمريكي هو من قاد عملية تنفيذ المخطط الشيطاني الذي استهدف كامل الوطن العربي وليس سورية فقط، ومن المؤكد أن السعودي لعب في تنفيذ هذا المخطط دور المقود. لكن دور هذا المقود لم يكن شبيهاً بأدوار المقودين الآخرين في ائتلاف الثمانين وتحالف الستين. فالنظام السعودي بالدرجة الأولى هو من أدار دفة تصنيع الإرهاب الوهابي التكفيري الذي اعتمد كأداة أساسية من أدوات تنفيذ الخطة الشيطانية، وهو الذي لعب دور الممول الأكبر لهذا الإرهاب ولكل عناصر التآمر، وكان عليه رغم كونه مقوداً ومنقاداً للأمريكي والصهيوني أن يقود “زبالة” العالم العربي والإسلامي في أداء الدور المناط به في المؤامرة. ومن المؤكد أنه لم ينهض بمثل هذا الدور دون أن يكون موعوداً بأن يكون مستفيداً من وراء إنجازه للدور المنوط به. فما هي الفائدة التي كان موعوداً بها؟ وهل هي تقتصر كما يرى البعض على أن يحافظ النظام السعودي على نفسه وهو يرى تهاوي الأنظمة في المنطقة وفي مقدمتها تلك الموالية لواشنطن فكأنّ ولاءها لواشنطن لم يغنِ عنها شيئاً.

كلنا نتذكر تلك الفترة التي راح فيها النظام السعودي يتحدث عن “الدور السعودي” في العالم العربي والإسلامي لتبرير سلوكه التآمري وانخراطه في تنفيذ المخطط الشيطاني. فمن الواضح أن النظام السعودي اعتقد بأن انخراطه في تنفيذ المخطط  سيمكنه من أن يثبت فاعلية هذا الدور، وأن يصير الطرف المعتمد أمريكياً لقيادة العالم العربي والإسلامي. أي أن هذا النظام تصوّر منذ البداية أنه سيكون شريكاً لأميركا و”إسرائيل” في قيادة عالم ما بعد تنفيذ المخطط الشيطاني. ولكن هل يعقل أن تكون هذه الغاية فقط هي التي شكلت إطار طموح النظام السعودي والتي دفعته إلى الغرق في تنفيذ المخطط حتى أذنيه، والإنفاق عليه دون تحسب، والعبث باقتصاد العالم لحساب المؤامرة حتى إن انعكست آثار ذلك سلباً على الاقتصاد السعودي؟

للتعرف على حقيقة الأمر تعالوا بنا نعود إلى الوراء، وإلى ما قبل بدء تنفيذ المخطط الشيطاني.

لقد حملت الوثيقة التنفيذية لذلك الجزء من المخطط الشيطاني الذي استهدف سورية، وهي الحلقة الأهم والأصعب في الاستهداف كله، اسمي الثنائي “بندر – فيلتمان” كما هو معروف من خلال ما جرى تسريبه عن تلك الخطة في ذلك الزمن الذي بدا فيه المتآمرون واثقين من نجاح مخططهم حتى إن لديهم الاستعداد للتفاخر بأفعالهم قبل أن يحصدوا بالفعل ثمار التآمر الذي وضعوا خطته. وهذا يعني أن الرأسين السعودي والأمريكي قد اجتمعا معاً وأجمعا معاً على تمكين الرأس الصهيوني من غايته في المنطقة. ولكنه من غير المنطقي ولا المعقول أن يكون الطرفان قد فعلا هذا دون أن تكون لهما حصصٌ من وراء تنفيذ المخطط مثلما للصهاينة حصة حتى وإن كانت الحصة الصهيونية هي الأكبر وهي الأكثر خطورة وأهمية. وعندئذٍ فإن بوسع أي إنسان في هذا العالم أن يحدّد كلاً من الحصة الصهيونية المنتظرة وكذلك الحصة الأمريكية المرافقة والتي تتكامل عملياً مع الحصة الصهيونية. ولكن ماذا عن الحصة السعودية؟. وعندما نتحدث عن الحصة السعودية فإننا نتحدث عن حصة آل سعود حصراً وليس عن حصة للمملكة؟.

للإجابة على هذا السؤال الذي قد يبدو غريباً عند الكثيرين، تعالوا نفكر في مسألتين في غاية الأهمية فيما يتعلق بالدور السعودي:

المسألة الأولى تتمثل في ذهاب السعودية إلى الشروع في غزو اليمن تحت عنوان “عاصفة الحزم”، وهو الغزو الذي طال أمده، ولا زال مستمراً حتى الآن. فما هي غاية النظام السعودي من هذا الغزو؟ وما الذي كان يأمل تحقيقه من ورائه؟ وهل هو صحيح أن غايته كانت تنحصر في تمكين عبد ربه منصور هادي من الانفراد بالإمساك بالسلطة تحت دعوى أنه يمثل الشرعية أم أن هذه كانت مجرد ذريعة وحجة للتغطية على الأهداف الحقيقية؟

والمسألة الثانية هي تلك التحولات العجيبة والغريبة التي حدثت داخل السلطة السعودية نفسها، حيث أبعد العديد من الأمراء المتنفذين من أمثال أبناء سلطان إلى  محمد بن نايف إلى متعب بن عبد الله، وكانت في أيديهم كل مفاتيح القوة السعودية، وهذا كله تمّ لحساب تصعيد محمد بن سلمان ليكون ولياً للعهد ومشروع ملك المستقبل، فهل نفهم من هذه التحولات العجيبة والغريبة أن أمراء آل سعود الذين كانوا المتنفذين قبل محمد بن سلمان باتوا غير عابئين بالتمسك بما لهم من سلطان متنازلين له عن سلطانهم دون أدنى اكتراث أم أن هناك شيئاً ما كان يجري ترتيبه على مستوى المنطقة وفي جميع الاتجاهات، وأن هناك أدواراً مرسومة كانت مهيأة لهم ليلعبوها في المنطقة، ولعله يقضي بأن يتحول الأمراء المتقاعدون إلى ملوك فعليين لممالك جديدة؟

إن أبسط ما يمكن افتراضه، وفي ضوء الدور الذي لعبه بندر بن سلطان بالذات في وضع الخطة أو الخطط التنفيذية للمخطط الشيطاني قبل أن يبدأ تنفيذ هذا المخطط بسنوات، أن يستمر هو شخصياً في إدارة هذا المخطط حتى النهاية لا أن يركن جانباً حتى ولو في اللحظات التي ساد فيها الشعور لدى المتآمرين بأن المخطط سائر نحو النجاح لا محالة. وذهاب النظام السعودي إلى غزو اليمن هو دليل آخر على إحساس هذا النظام بقرب نجاح المخطط الشيطاني الذي يستهدف سورية في الوصول إلى غاياته، إذ إن أبسط تفكير منطقي أنه ما كان هذا النظام ليذهب إلى غزو اليمن لو راوده الشعور بأن هذا المخطط على وشك أن يهزم في سورية. فالسعودي أراد أن يضيف إلى الإنجاز في الشمال إنجازاً في الجنوب لا أن يضيف إلى ورطة أدواته في الشمال ورطة لهذه الأدوات في الجنوب. والسؤال عندئذٍ: ما هو الشيء الذي أراد السعودي إنجازه في الشمال وفي الجنوب غير تقديم الخدمة المدفوعة الكلفة من قبل النظام السعودي نفسه للكيان الصهيوني في تحقيق أطماعه في التوسع على حساب الوطن العربي؟. لا بدّ من شيء ما خطط السعودي للوصول إليه من خلال انغماسه في تنفيذ المؤامرة على النحو الذي حصل، ومن غير المعقول أن يكون السعودي قد قدّم للصهيوني كل شيء بما في ذلك دم إرهابيين سعوديين بالآلاف قتلوا وأحياناً كانوا من السجناء الذين فرض عليهم أن يصيروا إرهابيين وآخرين استقطبهم باسم الإسلام والجهاد وخدعهم ومن جنسيات مختلفة وكان سبباً في مقتلهم أو تحويلهم إلى مطاردين من بلدانهم،  فما هو هذا الشيء الذي سعى وراءه الحاكم السعودي وبذل من أجله ما بذل من جهد ومال؟.

دعونا نلاحظ أن الشيء الذي قلّ أن يفكر فيه الناس عند الحديث عن الأطماع التوسعية الصهيونية يتمثل في المشكلة السكانية. بل إن البعض يرى في هذه المشكلة السكانية سبباً للتقليل من مخاطر التوسع الصهيوني باعتبار أن هذا التوسع سيخلق للصهاينة مشكلة سكانية لا حل لها. ولكن المخطط الشيطاني الذي نفذ في المنطقة قبل بدء ما أسمي بـ”الربيع العربي” وبعده يعني أن محاولة الصهاينة الفعلية للتوسع قد وضعت موضع التنفيذ. وهنا دعونا نلاحظ أن أول الأهداف التي سعى إليها المخطط في سورية على الأقل هو تهجير أكبر عدد ممكن من المواطنين السوريين من خلال العنف والإرهاب الذي مارسه المتآمرون منذ اللحظات الأولى، كما أن هذا المخطط سعى إلى قتل أكبر عدد ممكن من المواطنين السوريين، فمن لم يستهدفه الإرهابيون مباشرة استهدفه التحالف الأمريكي تحت ذريعة محاربة الإرهاب، وما زال مثل هذا اللون من الاستهداف قائماً في شرق البلاد حتى الآن. وفوق هذا النمط من الاستهداف وذاك، رأينا كيف أن كيسنجر تنبّأ باللحظة التي يقوم فيها الكيان الصهيوني بالاستيلاء على معظم منطقة الشرق الأوسط، مستخدماً كل أسلحة القتل والدمار المتاحة، ليقتل أكبر عدد ممكن من الناس، وبالطبع ليشرد أيضاً أكبر عدد ممكن. ومع ذلك سيبقى السؤال قائماً: ماذا عن أولئك العرب الذين سيبقون أحياء في أرضهم بعد كل هذا الاستهداف؟. وهل يستطيع الكيان الصهيوني أن يجلب يهوداً من العالم يحلون محلهم أو يسيطرون عليهم؟. ولنا أن نقدّر حجم هذه المشكلة السكانية بالنسبة للعدو حين نضع في اعتبارنا أطماعه في التوسع على حساب مصر في الجنوب وبلاد الشام في الشمال بالإضافة إلى نيته للتوسع شرقاً وفق ما توضحه خرائط العدو لهذا التوسع.

لقد فشل العدو حتى الآن في معالجة مشكلة نمو عرب فلسطين الديموغرافي رغم كل الأساليب التي اتبعها في مواجهتهم, والتي لم يوفر فيها أي فرصة تتاح له لزيادة أعداد المستوطنين اليهود، فإذا ما نفذ مخططه التوسعي فإنه ومهما بلغ عدد من يقتلهم أو يهجرهم سيجد نفسه أمام مشكلة سكانية تحتاج إلى العلاج. فما هو العلاج؟

من الأرجح أن العلاج يتمثل في أن يلجأ اليهود الصهاينة إلى ما يعتبرونه رصيداً احتياطياً لهم متمثلاً في آل سعود ومن على شاكلتهم، ليجعلوا من تجربة المملكة العربية السعودية تجربة معممّة، بمعنى أن يتدخل أمراء آل سعود من خلال إيجاد المرتكزات العميلة المحلية التي يسلحونها أولاً، وشراء العقارات والأراضي الزراعية ثانياً، فيوجدوا في مناطق التوسع الصهيوني دويلات على شكل ممالك أو إمارات أو إقطاعيات يتولون إدارتها. وعلى هذا النحو فإن الاحتلال سيصنع ركائزه المحلية من خلال هؤلاء الأمراء أو الشيوخ الذين يكرّسون هيمنتهم معتمدين على سلطة الاحتلال من جهة وعلى العناصر المحلية التي يوظفونها في خدمتهم من جهة ثانية. وبالطبع فإن مثل هذا التدبير الذي قد يبدو غرائبياً الآن وسيكون أمراً ممكناً حين يجد الناس أنفسهم أمام واقع انهيار الدول القائمة، وكونهم عرضة للمخاطر إن لم يكن على أيدي بقايا العصابات الإرهابية التي تقف وراءها السعودية وتتحكم بها أساساً، فعلى أيدي سلطات الاحتلال الصهيوني التي تزعم محاربة الإرهابيين لتبرير احتلالها للأرض أمام العالم الخارجي، وهكذا يجد الناس أنفسهم أمام نارين ومستهدفين من الطرفين. ومثل هذا التفكير وهذا التخطيط الصهيوني قد يفسّر الصلات التي جرى تعزيزها بين الصهاينة وبين الحكام من آل سعود وأنظمة خليجية أخرى، مثلما يفسر الربط الجاري بين الكيان الصهيوني وبين معظم دول مجلس التعاون الخليجي، والذي بات يتم بشكل علني, بهدف تطبيع العلاقات بينهم وبين الصهاينة في نظر الناس. فهذا الربط وهذا التعاون، وإن جرى تفسيره بأنه يتم في مواجهة ما يدّعون أنه خطر إيران، إلا أنه في الحقيقة يؤسس لمرحلة جديدة من مراحل التآمر بعد أن فشلت المحاولة التي نفذت خلال السنوات القليلة الماضية.

وإن أحد الأسباب الإضافية التي تجعلنا نميل إلى التفكير بفرضية التواطؤ بين العدو الصهيوني وآل سعود ومن على شاكلتهم في إعادة رسم خريطة المنطقة أن هدف التوسع الصهيوني في الأساس يتضمن احتلال جزء واسع من شمال مملكة آل سعود وضمه للكيان الصهيوني، أي أن التوسع الصهيوني شرقاً سيكون في جزء منه  على حساب مملكة آل سعود وكذلك الكويت عدا عن الأردن والعراق. ولعل استهداف التحالف السعودي لليمن والسعي لتمزيق وحدة اليمن ولضم أجزاء منه إلى الدول المعتدية يمثل جزءاً من ترتيب لاحتلال أرض مقابل التنازل عن أرض, أو لتقسيم المملكة السعودية نفسها إلى أكثر من مملكة, وجعل جزء منها تحت الهيمنة الصهيونية المباشرة. وعندئذ نستطيع أن نتصور تحول العديد من الأمراء السعوديين إلى ملوك لممالك جديدة تنتج عن تقسيم المنطقة واحتلال أراضيها.

بالطبع، هناك حقيقة تقول بأن المخطط الشيطاني وبفضل صمود سورية وحلفائها قد فشل في الوصول إلى غاياته, وأن العدو الصهيوني يشعر الآن بأن الحلقة قد ضاقت حوله أكثر من أي وقت مضى, وأن النظام السعودي يواجه أقسى الظروف سواء بسبب الحروب الفاشلة التي شنها, أو بسبب التبديد المالي, أو بسبب الصراع داخل العائلة الحاكمة نفسها, أو حتى بسبب جرائم هذا النظام الذي باتت تتسلط عليه الأضواء مثل جريمة اغتيال الخاشقجي. ولكن علينا بالمقابل أن نلاحظ بأن السلوك الأمريكي تجاه إيران من جهة وتجاه روسيا من جهة ثانية وتجاه الصين من جهة ثالثة يعكس محاولة أمريكية لتجاوز الفشل الذي مني به المخطط الشيطاني الصهيوني الذي قاد الطاغوت الأمريكي محاولة تنفيذه ولعب فيه النظام السعودي دور المقود، وأن هذا المخطط يريد بلورة ناتو عربي – إسرائيلي يكون مكرّساً لمحاربة إيران، وبالطبع يكون ضد سورية المنتصرة على مخططه الشيطاني، وضد كل القوى الوطنية والقومية الحية في الوطن العربي. وهكذا نجد أن الرؤوس الحامية الثلاث: الصهيوني والأميركي والسعودي ترتصف من جديد لتفتح باب معركة جديدة على مصراعيه من خلال استهداف إيران مع محاولات لإعادة نسغ الحياة لإرهابيي “داعش” من جهة ولبقية العصابات الإرهابية من جهة ثانية، لعلها تستطيع في غضون ذلك أن تحقق اختراقاً ما في مكان ما أو على الأقل أن ترجئ الإقرار بهزيمة المخطط الشيطاني وسقوطه إلى الأبد. وفي هذه المحاولة يظل الدور السعودي مطلوباً طالما أن هذا الدور هو الأقدر على التعامل مع العناصر الإرهابية الوهابية التي هي حتى الآن الوقود الأساسي الذي يعتمده أصحاب المخطط الشيطاني في تنفيذ هذا المخطط, وطالما أن الاستهداف الصهيوني – الأميركي المشترك لسورية ما زال مستمراً، وهو بعد الإخفاق الذي مني به في سورية يتجه الآن للتركيز على استهداف إيران مع محاولة الاستمرار في استهداف سورية. وهنا فإن الطرف السعودي في ثالوث الرؤوس الحامية تظل الحاجة إليه باقية، سواء عبّرت هذه الحاجة عن نفسها من خلال مواصلة تجنيد الإرهابيين التكفيريين أو من خلال الناتو الجديد الذي يؤطر العلاقة بين الرؤوس الحامية الثلاث الصهيوني والأميركي والسعودي.