الصفحة الاولىصحيفة البعث

التصحيح والتجديد في الحزب والثورة

د. صابر فلحوط

أكثر من نصف المواطنين في سورية العربية ولدوا بعد ميلاد الحركة التصحيحية التي قادها مؤسس سورية الحديثة الرئيس الخالد حافظ الأسد في 16/11/1970 .
وكي تتوهج عظمة “التصحيح” أمام عيون الأجيال المتوجة بكبريائه، وثراء إنجازاته، لا بد من إطلالة عجلى على الحياة السياسية التي كانت سائدة في مجتمع ثورة آذار8-3-1963 التي قادها حزب البعث العربي الاشتراكي، وكان القائد المؤسس كلمة السر فيها، والعقل العبقري الفاعل في مسيرتها..
فقد قامت ثورة آذار ثأراً للعروبة الحضارية من أعدائها الذين صرعوا الوحدة ممثلة بالجمهورية العربية المتحدة، بالضربة الانفصالية القاضية، حيث تحالفت الرجعية النفطية مع الصهيونية العنصرية، والغرب الاستعماري للإجهاز على حلم الجماهير القومية في وحدة الأمة من (محيطها الذي كان هادراً إلى خليجها الذي كان ثائراً)!!. وقد كان دور النفط، في السعودية بخاصة، الأشنع والأفظع في تدمير الوحدة بين سورية ومصر بقيادة الزعيم القومي جمال عبد الناصر. وقد تواصل الدور الرجعي واستشرى ضد ثورة آذار التي جعلت مطلع دستورها قضية الأمة فلسطين وبناء المجتمع العربي الاشتراكي الموحد، وبعث الرسالة الخالدة.
وقد أكد توالي الأحداث تآمر “نواطير النفط” على قضايا الأمة، ولا سيما في التحريض، والإسهام في نكسة حزيران، ودعم الفكر الظلامي الإخواني، في ثمانينيات القرن الماضي، وفي مشاريع تفخيخ وتفجير مسيرة الأمة، مثل الشرق الأوسط الجديد، والفوضى الخلاقة، والربيع العربي، وثالثة الأثافي (صفقة القرن). وإذا ما أضفنا إلى ذلك الصراعات والتدخلات التي اعتبرت “البيت الداخلي” للحزب، والتي وصلت إلى حد “نكسة حزيران (1967)” ومؤتمر اللاءات الثلاثة في الخرطوم، كل ذلك كان حافزاً (جامعاً مانعاً ودافعاً) للتصحيح الذي قام به القائد الخالد وخلفه طلائع شبابية وجماهير شعبية، ومؤمنون أن “البعث” قدر هذه الأمة، ولا تزيده الآلام العظيمة إلا اقتداراً، وإصراراً على خلق الآمال العظيمة.. وقد تجلت إبداعات التصحيح في التوجه إلى الأمة العربية، فطرح مشروعه في التضامن العربي “بديلاً أولياً وممكناً” عن الوحدة المنشودة، كما أولى عناية فائقة بالقوات المسلحة عقيدة قومية وإعداداً في أرفع المستويات لتكون لائقة في الدفاع عن الأهداف الجليلة للأمة العربية في التحرير، واستعادة حقوقها في فلسطينها وكل شبر محتل من أرضها.. وقد رمم “التصحيح” كل التصدعات في الجبهة الداخلية على الصعيد السياسي حيث كانت الجبهة الوطنية التقدمية الائتلاف الوطني والقومي الذي ألغى الصراعات الحزبية بين أبناء الهدف الواحد، وأفسح في المجال أمام أحزاب “الجبهة” للتنافس في خدمة الناس بما يعزز مسيرة المجتمع نحو المنعة والكفاية والعدل، وترسيخ قيم المواطنة وهويتها الجامعة.
وقد أولى “القائد الخالد” اهتماماً مميزاً بالجيش الثاني في الوطن وهو المنظمات الشعبية، والنقابات المهنية وجمهرة الشباب والمثقفون الثوريون، والذي يعد العقل السامي، والصخرة الأصلب في البناء الشامخ والحداثي للوطن.
وقد أرسى “التصحيح” قواعد رواسخ للديمقراطية المركزية بعد استكمال أهداف الديمقراطية الشعبية في ثورة آذار، فكان مجلس الشعب، منذ مطلع التصحيح حتى اللحظة، يختار ممثليه كل أربعة أعوام في تتابع يعتبر مثالاً يحتذى في العالم الذي ننتمي إليه.. كما أولى “التصحيح” اهتماماً بارزاً لتحقيق الاستقرار غير المسبوق في تاريخ سورية العربية خلال أربعين عاماً (1971-2011). كما حقق “التصحيح” مجانية التعليم، والطبابة، وكذلك ألغي حجب المناصب السياسية والإدارية في المجتمع عن أبناء الفقراء في الريف والمدينة على حد سواء إضافة إلى وضع “عقد اجتماعي جديد” مع الكادحين، وصغار الكسبة، في توازن مسؤول مع نخب المدينة وقطاعاتها الصناعية والتجارية المختلفة وتحقيق الوئام بين الخاص والعام في عملية البناء الداخلي للمجتمع.
ولعل الأهم في هذا الصدد، هو تعزيز الكرامة الوطنية الجمعية للسوريين المعروفين بالتمسك بالقيم الموروثة والرفيعة وذلك بنقل البلد من كسرة في ملاعب الكبار والقوى الاقليمية إلى دولة مهابة يعتد بها في موازين المنطقة، ويحسب حسابها في صراعاتها واجتراح الحلول لمشاكلها الراهنة والمستقبلية.
وبصرف النظر عن النكسات التي اعترت مسيرة شعبنا سواء كانت مغادرة مصر السادات ساحة المواجهة في صراع الوجود مع العدو الصهيوني، أو احتلال “عراق صدام” للكويت والذي أصاب التضامن العربي بمقتل، أو هجوم سرطان العصر المتمثل بالغزو التكفيري الوهابي الرجعي للوطن طوال السنوات الثمان، فقد ظل التصحيح ناصعاً وحصيناً بفضل الدم الطهور الذي تجلى في تشرين التحرير أعظم أمجاد الأمة في القرن العشرين، وفي مواجهة الربيع العربي الذي فضح ممالك الرمل، ونواطير النفط الزاحفين على ذقونهم والبطون أمام السيد الأمريكي الصهيوني!!
تحية الإجلال والإكرام، لسيد التصحيح وفارسه وحارسه القائد المؤسس حافظ الأسد الذي جعل من سورية العربية ذروة للكرامة والمهابة والشموخ، وقلعة للعروبة الحضارية ومنطلقاً نحو الأمة العربية بطموحاتها الخلاقة، ورسالتها الخالدة.
وتحية لجيشنا العقائدي الذي كتب بدمه الطهور روائع الصفحات في التاريخ العسكري دفاعاً عن الوطن الغالي، والقيم العربية والإنسانية، وتحية للحرس القديم من رفاقنا في البعث والتصحيح الذين مازالوا على قيد الحزب وقيمه، وشيمه، ومنطلقاته، ومازلزلتهم وساوس المغريات، ولا فلت عزائمهم عواصف الأحداث..
وكل التحية في الختام، كما على على الدوام، لشعبنا الرائع في صموده وعطائه، ولقائد شعبنا وجيشنا، ورمزنا الوطني والقومي الرفيق الأمين العام للحزب السيد الرئيس بشار الأسد المدهش في جسارته، وحكمته، وإبداعه في إدارة معركتي السياسة والسلاح وانتصاره في أخطر حرب كونية شهدها العالم..