تحقيقاتصحيفة البعث

تاريخها حاضر وأدلتها تنبض بالحياة الحركة التصحيحية.. صمود إنجازاتها في وجه الإرهاب أسقط الرهان على انهيار دولة المؤسسات

 

سنوات البناء والإعمار، ومراحل النضال الشعبي التي وحّدت الجهود والآمال تحت مظلة الحركة التصحيحية بكل صروحها ومنجزاتها مثّلت سورية الحضارة والتاريخ التي مازالت إلى الآن تمتلك الكثير من مقومات الصمود رغم الحصار الجائر، والحرب المجنونة الحاقدة التي استهدفت لقمة عيش المواطن السوري، وطبعاً هذا الاعتراف الذي يتفق عليه جميع السوريين، على اختلاف مواقفهم وانتماءاتهم، يدخلنا إلى سنوات الماضي القريب لنستعيد منها الكثير من الأدلة والشواهد التي تثبت عظمة ما حققه التصحيح للمواطن السوري، وبالرغم من مآسي الحرب التي يقف فيها السوريون في خندق المواجهة والدفاع عن حياتهم وماضيهم ومستقبلهم وثوابتهم الوطنية والقومية، إلا أن حناجر الأطفال مازالت تصدح كل صباح بالأمة العربية الواحدة والرسالة الخالدة، ومازال الإيمان بالعروبة حاضراً في حياة الشعب السوري الذي واجه أكبر مؤامرة كونية تستهدف وجوده وهويته العربية السورية واقتصاده وبنيته الاجتماعية، وكل ما يمثّل الحياة والصروح والإنجازات التي تحققت في عهد التصحيح بقيادة القائد المؤسس حافظ الأسد في السادس عشر من تشرين الثاني.
واليوم مع الاقتراب من الانتصار بعد فشل كل المحاولات لتدمير سورية وتخريبها وزرع الفوضى والضعف فيها، نحن بحاجة أكثر من أي وقت لتصحيح جديد يعيد إعمار بلدنا على أسس مؤسساتية تدعم الانتصارات المحققة، وتنهض بالواقع.
نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع
تحت هذا العنوان كانت الإنجازات والصروح، وسورية تشق طريقها ‏نحو ساحة التنفيذ في شتى المجالات، ففي قطاع الزراعة تكثفت خطط التنمية الزراعية، والنهوض بالأرياف، كلاً حسب خصوصيته، وتحّولت سورية خلال فترة قصيرة إلى دولة تثير الإعجاب بتحقيق الاكتفاء الزراعي، وتنتقل إلى تصدير الفائض من المحاصيل إلى جميع أنحاء العالم، مع حرصها على تحقيق شروط أمنها الغذائي، والحفاظ على سلتها الغذائية الأساسية من الحبوب، مجهزة ما يلزم للاستثمارات المستقبلية.‏
كما تم إحداث عدة صناديق لدعم القطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، ومنها المرسوم التشريعي رقم 29 لعام 2008 القاضي بإحداث صندوق لدعم الإنتاج الزراعي، حيث نص المرسوم على تقديم مبالغ مالية لتنفيذ السياسات الزراعية المقررة، ودعم مستلزمات الإنتاج الزراعي كالبذار، والغراس، والأعلاف، والأدوية البيطرية، والتلقيح الصناعي، ومكافحة الأمراض النباتية، والجائحات التي تهدد الإنتاج الزراعي، والثروة الحيوانية، ولزيادة الإنتاجية، والحفاظ على المياه المتاحة، تحققت خطوات مهمة في هذا القطاع الزراعي، حيث رصدت الحكومة الاعتمادات اللازمة لمشروع الري الحديث، كما زادت أسعار المحاصيل الأساسية كالأقماح، والأقطان، وغيرهما، وبذلت الجهود للحد من آثار حالة الجفاف، وتوفير أراض مروية من مصادر مائية مستقرة تضمن استقرار الإنتاج الزراعي، وضمان الأمن الغذائي الذي استطاعت سورية تحقيقه خلال العقود الأربعة الماضية، وخاصة بعد أن حقق الإنتاج الزراعي تطوراً ملحوظاً في مجال إنتاج السلع الاستراتيجية مثل القمح، والقطن، والزيتون، والحمضيات، والعمل على الانتقال من حالة الإنتاج الكافي لتغطية معدلات الاستهلاك المحلي، إلى تحقيق الوفر التصديري، وتأمين مخازين استراتيجية من هذه المحاصيل تساهم في تحقيق الأمن الغذائي، وتحقيق الكفاية من المواد والسلع المعتمدة على المحاصيل والمنتجات الزراعية.‏
وشهد الإنتاج تطوراً في باقي السلع الغذائية: القمح، العدس، الحمص، البطاطا، ليصبح أهم ما أنجزته سورية منذ قيام الحركة التصحيحية تحقيق أمنها الغذائي، والتوصل إلى الاكتفاء الذاتي في إنتاج الحبوب، وتصدير الفائض منه، بالإضافة إلى التوسع في الأراضي الزراعية، وتنوع المحاصيل، وتطور إنتاج الزيتون، والتفاح، والحمضيات نظراً لإدخال مساحات جديدة من خلال مشاريع الاستصلاح.‏ وحققت الثروة الحيوانية معدلات نمو إيجابية، ووصلت أعدادها إلى 14 مليون رأس من الغنم، و1.2 مليون رأس ماعز، و900 ألف رأس من البقر، وحوالي 20 مليون طير من الدواجن، محققة بذلك اكتفاء ذاتياً من اللحم، والبيض، والحليب ومشتقاته، وترافق كل ذلك بإنجازات مهمة على صعيد الخدمات الصحية، والبيطرية، واللقاحات من خلال تطوير مراكز الحجر الصحي والرعاية البيطرية، وتأمين مستلزماتها بهدف المحافظة على الثروة الحيوانية، وزيادة أعدادها، ومنتجاتها، وحمايتها من الأمراض المعدية والسارية.

الاعتماد على الذات‏
حصر إنجازات الحركة التصحيحية المجيدة في مجال الصناعة الوطنية ليس بالأمر السهل، حيث ارتفعت معدلات النمو الاقتصادي إلى مستويات عالية قياساً لما كانت عليه في بدايات سبعينيات القرن الماضي، وخاصة السنوات الأولى من عمر الحركة التي انتقلت بها سورية إلى مواقع متقدمة في جميع القطاعات، ومن بينها القطاع الصناعي.‏
وحسب البيانات والمؤشرات الصادرة عن المكتب المركزي للإحصاء من عام 1970 ولغاية 2011 حول تطوير الصناعة الوطنية بشقيها التحويلي والاستخراجي، نجد أن حجم النشاط الصناعي من حيث الإنتاج كانت قيمته الإجمالية لا تتجاوز بضعة مليارات من الليرات، وبعدد محدود من المنشآت والشركات الصناعية التي تم تأميمها، وحتى شركات صناعية قامت الدولة بإنجازها في ظل دعم الحركة التصحيحية لتوسيع هذا النشاط الصناعي وزيادة إنتاجيته، حيث بلغت قيمة الإنتاج الصناعي في عام 2007 نحو1420 مليار ليرة، وفي عام 2008 بلغت قيمته الإجمالية بمقدار 1735 مليار ليرة، وفي عام 2010 زادت قيمته بنحو 774 مليار ليرة، والفرق بين عامي 2007 و 2010 يقدر بنحو 165 مليار ليرة،‏ وبالتالي هذه الأرقام تؤكد اهتمام القيادة والحركة التصحيحية بتطوير الصناعة الوطنية باعتبارها قاطرة النمو للاقتصاد الوطني، والعمود الفقري له، وخاصة أن النشاط الصناعي متنوع ومتعدد الاتجاهات والإنتاجيات، في مقدمتها الصناعات الغذائية، والمشروبات، والتبغ، والغزل والنسيج، والجلود، والخ،شب والموبيليا، والورق، والصناعات الكيماوية، ومنتجات تكرير البترول، والمنتجات المعدنية وغير المعدنية، والمنتجات المعدنية المصنعة، إضافة للصناعات الاستخراجية، والماء، والكهرباء، وغيرها من الصناعات التابعة لقطاعات العام والخاص والمشترك.‏

النمو الاقتصادي
تؤكد الأرقام التنموية، ومؤشرات النمو الاقتصادي، وتطورات الأحداث في المنطقة على مدى العقود الماضية، الدور المهم للحركة التصحيحية المجيدة التي قادها القائد المؤسس حافظ الأسد في تطور سورية من دولة تتجاذبها القوى السياسية والاقتصادية إلى دولة مؤسسات تعرف كيف تصنع قرارها الوطني، وتبني نفسها اقتصادياً وتنموياً وسياسياً، منطلقة من مصالحها الوطنية وهويتها القومية بالاعتماد على مواردها الذاتية التي تضمن لها قراراً مستقلاً على جميع المستويات.‏
ووفر فكر التصحيح المعتمد على قوانين العصر مناخاً مناسباً لإطلاق ورشة عمل على مستوى الوطن، هدفها تأمين الأرضية المناسبة لبناء الدولة، مع الأخذ بعين الاعتبار جميع المتغيرات، وتنطلق في مسيرتها نحو المعاصرة من بناء الإنسان الذي تعتمد عليه جميع أشكال التنمية، فكان الاهتمام بالتعليم، حيث اتخذت قيادة الحركة قراراً بجعل المدرسة في متناول كل طفل سوري في الريف قبل المدينة، ليرتفع عدد طلاب المدارس من مليون و282 ألف طالب عام 1970 إلى أكثر من 5 ملايين حالياً.‏
وتجسّدت الخطوة التالية على هذا الصعيد بالتركيز على التعليم، ففي حين كان عدد جامعات سورية حتى بداية السبعينيات لا يتعدى الجامعتين، وعدد كلياتها مجتمعة لا يتجاوز 19 كلية، ومجموع طلبتهما حوالي 37 ألف طالب وطالبة، تضاعف اليوم عدد الجامعات، وأصبح يشمل جميع المحافظات، حيث تم إحداث جامعتي البعث في حمص، وتشرين في اللاذقية، ومن ثم جامعة الفرات في دير الزور، وفروعها في الرقة، والحسكة، بالإضافة لافتتاح فروع للجامعات الأخرى في كل المحافظات، ليبلغ عدد طلاب الجامعات السورية الرسمية في جميع السنوات والمراحل ما يزيد عن 700 ألف، عدا عن طلاب الجامعات الخاصة.‏
وتعكس هذه الخطوات الاهتمام الذي أولته سورية لقطاع التعليم العالي كونه العنصر الأهم في النمو الاقتصادي لتطوير منظومة التعليم والبحث العلمي، لتتمكن مخرجات هذه المنظومة من تلبية متطلبات التنمية الشاملة، وتلبية لتزايد الطلب على التعليم، وتعزيزاً للمشاركة المجتمعية، صدرت القرارات بمنح التراخيص للجامعات الخاصة، وظهرت أنواع جديدة للتعليم العالي والجامعي مثل التعليم المفتوح، والموازي، والافتراضي.‏
وأولت الحركة التصحيحية الثقافة والأدب والإبداع أهمية قصوى تتناسب مع مكانة سورية، وأطلق القائد المؤسس مقولة الثقافة هي الحاجة العليا للبشرية، وأصبح الاهتمام بالفنون والآداب بأنواعها عنواناً للحركة الثقافية في سورية، وأسست المراكز الثقافية في كل بلدة حتى وصل عددها إلى 441 مركزاً ثقافياً، وظهر الاهتمام بالشعراء والكتّاب والفنانين والمبدعين ورعايتهم من قبل الدولة إيماناً منها بدور الثقافة في تقدم الأمم.‏

مستويات نمو عالية
اليوم يمكن تلمس منجزات التصحيح في أمور عظيمة وكثيرة، وأهمها الاقتصاد الوطني المقاوم الصامد في وجه الحصار الذي استقر بشكل لافت بعد التصحيح، فأعطيت اليد الطولى لإعادة تصميمه وإصلاحه وتحديثه ليصب بمصلحة المواطن السوري، وقد وضعت الحركة التصحيحية المنتج الوطني على قائمة الأولويات، وحافظت على خصوصيته، وبالتالي رفع تنافسيته محلياً وعالمياً، وعملت على توسيع قاعدة التشاركية في تطوير الاقتصاد الوطني، والاندماج بالاقتصاديات الإقليمية والعالمية، وبدأت سورية تعزز شراكاتها الاقتصادية مع الدول الشقيقة والصديقة، وتسعى لشراكات جديدة تفتح بها أسواقاً واعدة في ظل قاعدة تشريعية وقانونية تحمي جميع أطراف المعادلة الاقتصادية، بدءاً من المستهلك، وصولاً إلى المنتج والمصدر والمستورد، وكذلك المستثمر، ما جعل التنمية تتصاعد، وأرقام الاستثمار تتضاعف بشكل ملحوظ.‏

نحو إعادة البناء والإعمار‏
لا شك في أن واقع الحال قد تبدل منذ عام 2011 بعد أن هاجمت قطعان الإرهاب بلدنا ودمرت وخربت وسرقت وقتلت كل ما يمثّل الحياة على الأرض السورية، وبالرغم من أن الواقع المعيشي والحياتي والاقتصادي قد تعرّض لانتكاسات ترتقي لمستوى الكوارث في جميع القطاعات والمجالات، إلا أن ذلك لم يمنع الشعب السوري من متابعة معركته ضد الإرهاب الذي تنهار عصاباته المسلحة أمام بطولات جيشنا العربي السوري المقاوم الذي يصنع النصر، ويمهد الطريق بإنجازاته أمام الحل السياسي للأزمة، وعودة الاستقرار إلى ربوعه، ومن ثم تعيد الأيدي السورية بناءه، كما فعلت منذ ثمانية وأربعين عاماً.
البعث