أخبارصحيفة البعث

“لا.. لن أستقيل”

 

وكأن استقالات الوزراء، هذه الأيام، في أوروبا وأمريكا باتت موضة الاستعراضات السياسية، ففي كل يوم يعلن أحدهم استقالته، إما استياءً أو تكتيكاً، ومن جميع هذه الاستقالات وحدها بريطانيا شهدت زلزالاً قد يهدّد بقاء حكومة تيريزا ماي، فقد شهدت حكومة رئيسة الوزراء 20 حالة استقالة منذ تشرين الثاني الماضي، تسعة منها تتعلق باتفاق “بريكست”، لأنها حسب المستقيلين ومؤيديهم تهدد سلامة ووحدة أراضي المملكة المتحدة، وتعطي الاتحاد الأوروبي حق النقض على بريطانيا.
الكل يجمع على أن ماي أقحمت نفسها في معركة محفوفة بالمخاطر بشأن الخروج الذي ربما يعيد تشكيل مستقبل عدة أجيال مقبلة في بريطانيا، وهي الآن تحتاج إلى موافقة فريقها الحكومي على الاتفاق لكي يتمّ إرساله إلى قادة الاتحاد الأوروبي بعد التصويت عليه في البرلمان الذي سيشهد معارضة شديدة، ومن المحتمل أن يؤدي الأمر إلى انقسام المملكة المتحدة، ما من شأنه أن يقوّض مصداقية المملكة المتحدة، ويقلص نفوذها.
منذ الانتخابات المبكرة التي دعت إليها، رهنت تيريزا ماي الأغلبية المطلقة لحزبها المحافظين. كانت حينها تهدف إلى تعزيز سيطرة حزبها على مجلس العموم البريطاني قبيل الدخول في مفاوضات مباشرة مع القادة الأوروبيين حول انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لكن ماي خسرت الرهان، وفقدت الأغلبية المطلقة التي كان يتمتع بها حزبها، واستدعى الأمر دخولها في تحالف مع الحزب الديمقراطي الوحدوي في ايرلندا الشمالية، لكي تتمكن من تشكيل الحكومة الجديدة. رهان ماي الخاسر وقتها فجّر قنبلة التصدّع داخل حكومتها وحزبها الحاكم، ومنذ ذلك الحين، توالت استقالات الوزراء من حكومتها.
بريطانيا الآن تقف على شفا أكبر أزمة منذ الحرب العالمية الثانية، إذ بدأت الأصوات تتعالى أن مفاوضات الخروج من الاتحاد الأوروبي “مليئة بالأوهام”، لكن الواقع أنه في التاسع والعشرين من آذار المقبل ستكون بريطانيا خارج الاتحاد الأوروبي، حتى ولو لم يتمّ التوصل لاتفاق بين لندن وبروكسل حول مستقبل القضايا العالقة بين الجانبين، وفقاً لما تم الاتفاق عليه في مفاوضات “بريكست” في التاريخ ذاته عام 2017.
لهذا تحرّك العديد من المناوئين لخطة الانسحاب بهدف إعداد مشروع لإزاحة تيريزا ماي عن رئاسة الحكومة، ولعل تتالي الاستقالات هو ما تسبب في واقع الأمر بإضعاف موقفها، واحتمال دفعها للاستقالة من منصبها قريباً، لكن المرأة الرمادية رفضت الدعوات التي وجهت إليها للاستقالة، وقالت: “لا، لن أستقيل”.
الأيام القادمة ستكشف مدى استطاعة تحمّل ماي لكل هذا الضغط الحكومي والشعبي معاً، وهي حالياً تتصدّى لمحاولة سحب الثقة منها داخل حزب المحافظين، حيث إن هناك 48 نائباً محافظاً يتحرّكون للإطاحة بها من المنصب. وفي حال طلب الـ  48 نائباً من حزب ماي المحافظ – أي 15% من المحافظين في البرلمان – زعيماً جديداً، يتمّ إطلاق مذكرة حجب الثقة عن رئيسة الوزراء. وإذا فشل ذلك، لا يمكن إجراء تصويت جديد قبل سنة، وسيعزز انتصارها موقفها، وإذا أطيح بها، سيتم اختيار رئيس وزراء جديد من بين مرشحين اثنين يختارهما نواب الحزب، وستستغرق هذه العملية أسابيع أو حتى أشهراً، وبالتالي سيغيّر هذا السيناريو جدول “بريكست” الزمني.
فهل تنجو ماي من تصويت حجب الثقة، وتحصل على موافقة البرلمان، أم يتم اللجوء إلى إجراء استفتاء جديد حول “بريكست”؟.
علي اليوسف