تحقيقاتصحيفة البعث

بين أخذ ورد محطة القليعة- الدلبة للصرف الصحي بالدريكيش.. اعتراضات على الموقع.. وجهات تناقض نفسها وتخلط الأوراق

يقولون: “إن كل الدروب توصل إلى الطاحون”، لكن درب محطة معالجة الدلبة على نهر قيس في منطقة الدريكيش خرج عن المألوف، لأن الأهالي وممثّليهم لم يتركوا درباً إلا وسلكوه، ولا باباً إلا وطرقوه لتغيير موقع المحطة من سرير النهر عرضة للانجراف بمياه نهر قيس “العظيم”، على حد وصف الأهالي، ولكن عبثاً “فالج لا تعالج”؟!.

وإذا كان من الصعب أن نكون حكماً في قضية متخمة بالوثائق والوثائق المعاكسة، فكيف إذا كانت صادرة عن الجهات ذاتها المعنية بالقرار والرأي والخبرة؟!.

لقد تحولت محطة معالجة الدلبة في منطقة الدريكيش لمعالجة مياه الصرف الصحي لقرابة /50/ قرية وتجمعاً سكانياً ومزرعة لقضية رأي عام بامتياز، لأنها تدفع مجتمعة لنقل وإزاحة المحطة لموقع آخر مملوك للدولة غربي سد الدريكيش، وينابيع الدلبة وبمحصر ذائعة الصيت التي ينهلون من مياهها العذبة مخافة تلوثها بالصرف الصحي الذي ستعالجه محطة المعالجة كما يقولون، بل أكثر من ذلك فقد ذهبت مخاوفهم إلى حد انهيار الجبل المحاذي للمحطة بفعل غزارة نهر قيس الذي يتشاطأ معها، لاسيما أن تاريخ النهر يشهد على غزارته “أيام الخير”، وتشكيله لموجات ارتدادية تتجاوز سرير النهر، لا تبقي ولا تذر، وتخريبه لخطوط مياه الشرب والصرف الصحي في سرير النهر.

كل ذلك أثار حفيظة أبناء القرى المجاورة، وفعاليات المجتمع الأهلي الذين شكّلوا- لنقل- محوراً رافضاً أو ممانعاً لإشادة محطة المعالجة في موقعها الحالي “قبل الينابيع وبحيرة السد” إلى مكان آخر يتجاوز الينابيع العذبة، ومخاطر الانهيارات والفيضانات المتوقعة، وغضب وامتعاض الأهالي.

ولم يوفر “هذا المحور” وسيلة مشروعة إلا وسلكها ابتداء من الإعلام، ولقاء المعنيين محلياً ومركزياً، ومجلس الشعب، وصولاً لرئيس الحكومة لوقف الأعمال الجارية على قدم وساق، بل تضاعفت نسب التنفيذ، وتقلّصت مدد التنفيذ، وتتوقع شركة الصرف الصحي بطرطوس انتهاء الأعمال بأقل من عام؟!.

وثائق متناقضة؟!

بالمقابل ناقضت وزارة الموارد المائية صاحبة المشروع، وشركة الصرف الصحي بطرطوس– بالوثائق- ما قدمه ممثّلو محور “الأهالي” بما صدر عن الجهات ذاتها، وهذا ما سنأتي عليه لاحقاً؟.

فيما آثرت السلطات المحلية السياسية والتنفيذية الاكتفاء بدور شرطة المؤازرة لوقف الاحتجاجات التي يبديها الأهالي والمعترضون لا أكثر ولا أقل مع الأسفو متخلية ومتنازلة عن دورها وموقفها، مع أنها المستفيد الأول من وضع حد نهائي لهذه المسرحية الهزلية كما يفترض، ولكن..؟!.

أصل المشكلة

بدأت مشكلة محطة معالجة القليعة– الدلبة بمنطقة الدريكيش لمعالجة الصرف الصحي من الموقع الذي أثار حفيظة الأهالي، معتمدين على ما تحفظه ذاكرتهم وذاكرة أسلافهم عن قوة جريان نهر قيس وفيضاناته المتكررة، وما لديهم من وثائق وتقارير المختصين والخبراء وأساتذة الجامعات، والمؤسسات المعنية الجيولوجية، والموارد المائية والبيئية، وغيرها، والبدء بمسلسل طويل من الاعتراضات والمتابعات التي تلخص جوهر وجعهم المدعم بتواقيع أبناء القرى المجاورة، والمخاتير، والبلدات، والبلديات، والجمعيات الفلاحية، والنقابية، والوحدات الإدارية بما فيها مجلس مدينة الدريكيش والمؤسسات الحزبية المختلفة من فرق وشعبة الحزب في الدريكيش، وصولاً لمحافظ طرطوس، ووزيري الإدارة المحلية، والموارد المائية، ورئيس مجلس الوزراء، ومجلس الشعب، وتتلخص الاعتراضات بالنقاط التالية:

– إن مدينة الدريكيش، وبلدات حمين وجنينة رسلان، وأكثر من 58 قرية يشربون من ينابيع الدلبة والعيدون والهني التي تهددها محطة معالجة القليعة– الدلبة لمياه الصرف الصحي التي باشرت وزارة الموارد المائية بإشادتها رغم كل الاعتراضات؟!.

– وقوع المحطة في مجرى نهر قيس، وفوق ينابيع الدلبة والهني والعيدون، وقبل بحيرة سد الدريكيش الذي بدأت بحيرته/6/ ملايين م3 تقريباً بالتخزين بغرض تأمين مياه الشرب، إلى جانب جبل مجاور لموقع المحطة تتعرّّض أطرافه للانجراف والانهيار لدى كل موسم أمطار، وقد أدت سيول يومي 12و13/5/2018 إلى تدمير وجرف طرق وأبراج كهرباء لم تحصل منذ ثلاثين عاماً، ومخالفة الدراسات الهندسية الفنية، والتقنية، والبيئية، والجيولوجية.

– منع تلوث الينابيع السابقة، وبئر مؤسسة المياه الارتوازي، وحماية سد الدريكيش من التلوث، ومنع انبعاث روائح الصرف الصحي الكريهة غير المعالجة التي ستصب في بحيرة السد في حالات التوقف والأعطال.

– توفير كلف بناء جدار استنادي بطول 306م، وبارتفاع 1.5م لحماية المحطة من السيول، وتوفير كلفة بناء محطة معالجة جديدة لقريتي البريخية والمراج، ومزرعة الشهيد باسل الأسد من خلال خط الفائض الذي سيصل إلى ما بعد السد، وتوفير كلفة بناء محطة معالجة أخرى شمال مدينة الدريكيش بجمعها بمحطة واحدة للحفاظ على البيئة، والصحة العامة، والثروة السمكية للنهر والسد، ومنع تكرار ما حصل في محطة بيت عفوف التي لم تعمل منذ تدشينها فلوثت السد على مدى عام.

– غياب دراسة الأثر البيئي بموجب كتاب مديرية البيئة بطرطوس رقم 353/ص تاريخ 13/3/2018.

وفي لقاء الوفد الشعبي /ممثّلي الأهالي/ مع وزير الموارد المائية بتاريخ 7/5/2018 لعرض تلك المخاوف والهواجس، وعد الوزير بزيارة الموقع خلال أسبوع، لكن ذلك لم يحصل لتاريخه؟!.

ويقولون: إننا على ثقة بأن 120 ألف مواطن سيتضررون من التلوث هم أغلى من كميات الحديد والاسمنت التي استهلكت في الموقع، وثقتنا كبيرة بوقف أعمال التنفيذ، ونقل المحطة إلى المكان الأمثل فنياً وبيئياً واقتصادياً، ودمجها مع المحطتين المقترحتين، رغم أن شركة الصرف الصحي بطرطوس، بتوجيه من وزارة الموارد المائية، باشرت التنفيذ في 27/8/2018 بالقوة والتهديد بالسجن، وقد أظهرت عمليات الحفر السطحية ظهور المياه الجوفية على عمق متر إلى مترين رغم شهر القيظ؟!.

اجتماع المحافظة في الأدراج؟!

بتاريخ 12/10/2017 وفي مبنى محافظة طرطوس، ناقش محافظ طرطوس ووزير الموارد المائية واقع المشاريع المائية، وبيّن محافظ طرطوس أن ملف الصرف الصحي يعد من أكبر مشاكل المحافظة بسبب الجغرافيا الصعبة، وقد تم طلب نقل موقع محطة القليعة– الدلبة إلى ما بعد جسم السد بخط باي بص، خاصة أنه توجد مساحة مستملكة بعد جسم السد، ويعتبر النقل حلاً أمثل وجيداً، وأن موقع المحطة خاطىء ولابد من تغييره، وأوضح وزير الموارد أنه طالما أن المحطة والخط غير منفذين سيتم إرسال مدير الصرف الصحي بالوزارة للوصول إلى حل، لكن الحل كان بإبقاء المحطة في موقعها رغم كل المخاوف والمخاطر؟!.

غير مناسب!!

يقول تقرير كلية الهندسة المدنية بجامعة دمشق رقم 760/ ص.هـ .م تاريخ 25/4/2018: إن موقع محطة معالجة مياه الصرف الصحي غير مناسب للأسباب التالية:

إن الموقع محاط بعدد كبير من الينابيع، وبالقرب من سد /الدريكيش/، وهذا يعني أن منسوب المياه الجوفية مرتفع، وأن أي تسرب لمياه الصرف الصحي من المحطة سيؤدي إلى تلوث الينابيع والسد، وبالتالي خسارتها كمصدر لمياه الشرب.

وبحسب الوثائق– كما يقول التقرير- الصادر عن الجهات المعنية بحماية المصادر المائية فإن المحطة تقع حالياً بجانب مجرى نهر قيس، ولكن تقع ضمن مجراه القديم، والموجة الفيضانية للنهر، لأنه من غير المقبول علمياً التسليم بأن الموجة الفيضانية لا تتكرر، فمن المعروف أن الموجة الفيضانية أو “الغزارة الفيضانية لأي مجرى مائي” تتولد نتيجة عاصفة مطرية ذات تواتر، وبالتالي وضع محطة معالجة ضمن حدود المنطقة التي تغمرها هذه الموجة يعرّضها لتدمير منشآتها وانجرافها مع الموجة، ما يتطلب تغيير موقعها إلى مكان آخر، وإضافة لذلك فإن تدمير منشآت المحطة يعني وصول المياه الملوثة (دون معالجة) إلى المنطقة الغنية بالينابيع وتلوثها، وهذه مشكلة أكبر من وجهة نظرنا، كما أن تجاوز هذه المشكلة عن طريق بناء جدار استنادي لدرء الموجة الفيضانية والسيول الناتجة عنها مكلف جداً، واحتمال انهياره هو ومنشآت المحطة غير مستبعد.

ويتابع التقرير: إن خط الفائض الذي ينقل مياه الصرف الخام، ونقل المياه المعالجة إلى ما بعد السد يمكن الاستفادة منه كمجمع مائي رئيسي للمحطة في مكانها المقترح بعد السد، على أن ينفذ بكتامة مطلقة لتجنب خطورة تلوث الينابيع المجاورة، وتلوث جسم السد، ويجب اتخاذ كافة التدابير الهندسية الضرورية في الموقع المقترح للمحطة بعد السد لتجنب تلوث نبعي العيدون والهني المستخدمين كمصدر مياه شرب نظراً لاحتواء مياه الصرف الصحي المعالجة على عوامل ممرضة، وخاصة بيوض الديدان.

ووفقاً لما ورد فإن تلوث الينابيع العذبة نتيجة موقع محطة المعالجة في المكان المعترض عليه إن نفذت، ليس فقط غير مستبعد بل هو مؤكد، وبالتالي لابد من نقل محطة المعالجة من هذا المكان.. إلخ.

ويختم التقرير بالقول: لا يمكن البت في اختيار مكان بديل لعدم توفر معطيات تساعد على ذلك، ويرجى اختيار مكان مناسب لموقع المحطة تختلف ظروفه عن ظروف الموقع الحالي.

التقرير المعاكس؟!

الغريب أن معد التقرير تنصل من تقريره السابق بحجة أنه بني على معطيات توفرت له من ممثّل المعترضين؟!.. يقول: نوّه تقريري إلى ضرورة الانتباه للحظ الموجة الفيضانية التي قد تؤدي لغمر المحطة، وهذا منطقي عندما يقع موقع المحطة بالقرب من مجرى مائي.

بيّنت الوثائق التي تم تسليمها من قبل مدير الصرف الصحي بأن موقع المحطة لا يتأثر بالموجة الفيضانية الناتجة عن العاصفة المطرية التي تواترها (1/1000)، وخاصة بعد اتخاذ الإجراءات الواردة في محضر الاجتماع، وهي تصوينة المحطة، والقناة الجانبية، والعبّارة القسطلية، وتهذيب مجرى النهر.

الأمر الآخر الذي بيّنته الوثائق الجديدة أن موقع المحطة أخفض طبوغرافياً من الينابيع (المجاورة)، ولا يؤثر على جبهة تغذية هذه الينابيع، وبالتالي لا يوجد تأثير سلبي للمحطة في الموقع المختار على الينابيع، ولا يسبب تلوث هذه الينابيع؟!.

وللجيولوجيا النقيضان أيضاً

فرع المؤسسة العامة للجيولوجيا بطرطوس قدم تقريراً عن المشاهدات الحقلية في وادي نهر قيس في منطقة الدريكيش، وآخر للوصف الهيدرولوجي والجيوهندسي للموقع، أكد فيه أن إقامة منشأة في سرير النهر من الناحية العلمية الجيولوجية غير مبرر إلا في حال كانت هناك ضرورة تقدرها الجهات المعنية.

لكن الغريب أن الإدارة العامة راحت باتجاه معاكس ومناقض لما ذهب إليه فرعها بطرطوس بالقول: إنه نظراً لأهمية رفع التلوث عن نبع الدلبة، وسد الدريكيش، والينابيع المجاورة، وفي ضوء ما تم لحظه من كافة الاحتياطات التي قامت بها وزارة الموارد المائية لإقامة المنشأة، فإننا نعتبر أن كافة ملاحظاتنا مسددة، أي محققة؟!.

فرع الموارد بطرطوس يؤكد

الموارد المائية بطرطوس بكتابها لمحافظ طرطوس برقم 437/ص تاريخ 8/2/2017 بيّنت أن المحطة تقع إلى الشمال الشرقي من بحيرة سد الدريكيش، ونبع الدلبة المخصصين لمياه الشرب، بمسافة لا تزيد عن 2000م على الضفة اليمنى لمجرى نهر قيس المؤدي إلى البحيرة والنبع، والضفة اليسرى عبارة عن جرف شديد الانحدار، وأية موجة فيضانية ستتوجه باتجاه موقع المحطة، ما يستدعي أخذ هذا الواقع بالحسبان حفاظاً على منشأة المحطة، وما ينتج عن ذلك من تأثير سلبي على نوعية مياه بحيرة السد والينابيع المجاورة، وأهمها نبع الدلبة المغذي لأكثر من مئة ألف نسمة بمياه الشرب، كما أن المجمعات المنتهية إلى المحطة الواقعة في سرير النهر والمتقاطعة معه مخربة في هذه المواقع بسبب حركة المياه، ما يستدعي إعادة إنشائها بطريقة تضمن سلامتها وحمايتها من فيضان النهر، ويقع ما سبق على عاتق الشركة العامة للصرف الصحي وفق الدراسات التصميمية للمحطة، ومجمعات الصرف الصحي المنتهية إليها.

“عنزة ولو طارت!!”

الغريب أن وزير الموارد المائية بكتابه لمحافظ طرطوس رقم 68 ص.م.و تاريخ 26/6/2018 يؤكد أن مناسيب الينابيع أعلى من موقع المحطة، وجبهات التغذية لا تتأثر بموقع المحطة بعكس كتاب رئيس وحدة مياه الدريكيش لمدير الوحدات في المؤسسة العامة لمياه الشرب بطرطوس برقم 7812/ و.م تاريخ 18/9/2018 الذي يؤكد فيه أن محطة معالجة الصرف الصحي (محطة القليعة– الدلبة) تقع إلى الشرق من نبع الدلبة بحوالي 2 كم وضمن سرير النهر، وبمنسوب أعلى من نبع الدلبة والينابيع المجاورة، وأن نبع الدلبة على الجانب الأيسر من سرير النهر، وبئر محطة الدلبة الأولى يقع على الجانب الأيمن لسرير النهر، ويقع نبع الهني وبئر الهني (جورة الجواميس) على الجانب الأيسر لسرير نهر قيس، ويبعدان عن سد الدريكيش حوالي 2.5 كم، ونبع العيدون يقع في الجهة المقابلة لنبع الهني، أي في الجهة اليمنى لنهر قيس، ويبعد عن نبع الهني حوالي 300م، وبمستوى أعلى قليلاً من سرير نهر قيس.. إلخ.

أين دراسة الأثر البيئي؟!

في كتابه لوزير الموارد المائية رقم 1750/خ/و/أ تاريخ 3/10/2018 يطلب وزير الإدارة المحلية بيان إمكانية دراسة البدائل المتمثّلة بالموقع الأقل ضرراً، خصوصاً في ظل وجود أراض مستملكة لوزارتكم، وموافاتنا بدراسات الأثر البيئي المتوفر لديكم بهذا الموضوع.

مدينة الدريكيش

في كتاب موجه من مجلس مدينة الدريكيش رقم 716/ص لعام 2017 لمحافظ طرطوس تأكيد بأن مياه نبع الدلبة الذي تشرب منه الدريكيش وجنينة رسلان و47 قرية أخرى، ويغذي بحيرة سد الدريكيش، بحالة تلوث عالية بموجب كتاب الموارد المائية، وتقوم مؤسسة المياه بمعالجة مياه النبع المستخدمة للشرب بتركيز عال من مادة الكلور، وأن الواقع الحالي يخرج السد كلياً من الغاية التي أنشىء لأجلها.. إلخ؟!.

الصرف الصحي بطرطوس

ماضية في تنفيذ المشروع شاء من شاء وأبى من أبى، مستندة إلى وثائق النفي، وتوجيه وزارة الموارد، وأنها قامت بكل ما يجب القيام به من احتياطات لضمان نجاح إشادة المحطة، معتبرة أن ما يقوم به المعترضون عرقلة في غير محلها، وأنهم ليسوا أحرص من الدولة ممثّلة بالجهات المعنية على المال العام، ودقة دراسة المشاريع التي تنفذ.

وبعد؟!

إن الوقت يمر، والعناد مضطرد، وقرار الحسم لم ينضج بعد، ومازال بين أخذ وجذب، والخاسر الأكبر معروف، ولكن..؟!.

وائل علي