دراساتصحيفة البعث

الحرب التي حددت تاريخ روسيا للمئة عام المقبلة

ترجمة: سمر سامي السمارة

عن موقع سبوتنك 17/11/2018

إذا احتسبنا عدد الحروب النابليونية فإن الحرب العالمية الأولى كانت في الواقع  الحرب الثانية، إذ بعد مرور قرن على  حروب نابليون ، كان من المفترض أن تكون الحرب محدودة  وينبغي استئناف المفاوضات  بعد القتال. لم تكن الحرب  تهديداً وجودياً للدول، لكنها أصبحت تهديداً خلال الحرب العالمية الأولى، وفي الحروب النابليونية من قبل. كان نابليون ينشئ دولا جديدة، بإعادة تشكيل الحدود وتغيير السلالات كما لو أنه  كان يعيد رسم خريطة أوروبا بأكملها من جديد. كان الأمر ذاته يحدث في الحرب العالمية الأولى، وقد أدى التأكيد الواضح للطبيعة الكاملة لتلك الحرب إلى انهيار أربع إمبراطوريات أوروبية.

لهذا الغرض، استضاف نادي” فلداي” خبراء مختصين بالحرب العالمية الأولى والذكرى المائة لنهايتها. كان اختلاف هذه الحرب عن كل الحروب التي سبقتها، وكيف حولت النظرة المعيارية للدولة وما أهمية أن نتذكرها اليوم هي مواضيع المقابلة التي أجراها “نادي فلداي” مع أليكسي ميلر أستاذ الجامعة الأوروبية في سانت بطرسبورغ.

لقد كشفت نهاية الحرب العالمية الأولى عن وجود تباين كبير مع نهاية الحروب النابليونية. في مؤتمر فيينا قررت فرنسا إلى جانب خمسة من المنتصرين كيفية حل القضايا الرئيسية في إقامة النظام السياسي والأمني ​​الأوروبي، كانت هذه الطريقة فعالة في إنجاز الأمور وأدت إلى سلام دائم في أوروبا،  كما تم تجريب طريقة أخرى في معاهدة فرساي مع ألمانيا التي تم الضغط عليها لوضع شروط مذلة. وإلى حد كبير، حدد ذلك مسبقاً فترة ما بين الحربين لتكون مجرد فترة راحة قصيرة. في الواقع، كانت الحرب العالمية الثانية استمرارا للحرب العالمية الأولى.

وللمرة الأولى، تجلت في الحرب العالمية الأولى ظاهرة قد تُعتبر حاسمة بالنسبة للحرب العالمية الثانية: تتمثل في القدرة على التحمل. كان الهم الرئيسي هو كم من الوقت يستطيع الناس على كلا الجانبين التحمل. ولم يكن ذلك مألوفاً لأنه عندما اندلعت الحرب كانت موارد التعبئة في كل الدول المتحاربة تكفي ستة أشهر فقط، ولكن الحرب استمرت بشكل غير متوقع لمدة تزيد على ثلاث سنوات. الأمر الذي تطلب القدرة على تعبئة الموارد والتحمل للصمود. بمعنى أن روسيا قد تعلمت الدرس واستخدمت هذه القدرة خلال الحرب العالمية الثانية (حرب التحمل) ، تم كسبها بالصبر والتضحية، على الرغم من أنه كان لديها فرص أكثر لتكون من ضمن المنتصرين في الحرب العالمية الأولى.

في القرن التاسع عشر لم يكن هناك سوى عدد قليل من الدول، خاصة إذا فهمنا المصطلح بوصف الدولة كدولة قومية ، كما هو الحال عندما نتحدث عن الأمم المتحدة. كان لانهيار الامبراطوريات القارية آثاراً هائلة. ولم تظهر العديد من الدول الجديدة فحسب، لكنها أصبحت هذه الحالة حالة طبيعية. في القرنين العشرين والحادي والعشرين ، كان الاعتقاد بأن الدولة القومية هي القاعدة بالنسبة لشعوب القرن التاسع عشر، لكنه اعتقاد خاطئ بشكل كامل فقد كانت الامبراطورية هي القاعدة. وضعت الحرب العالمية الأولى حداً لهذا الاعتقاد، على الرغم من أن الامبراطورية البريطانية إلى جانب فرنسا وأمريكا التي نشأت حديثاً لاتزال تمثل أهم الجهات السياسية الفاعلة.

أما بالنسبة لذكرى الحرب العالمية الأولى، فقد تم إنجاز الكثير في هذا المجال في روسيا مؤخراً وقد ظهرت بعض الهيئات المكرسة في هذا المجال، لأن هذه الحرب حددت مستقبل روسيا للمئة عام القادمة. من الصعب الجزم  ما إذا كانت ستقوم ثورة بدون الحرب العالمية الأولى ، ولكن من المؤكد أنها كانت ستكون مختلفة ، مع عواقب ليست مدمرة.

من ناحية أخرى، ليس لدى موسكو مقبرة واحدة لمحاربي الحرب العالمية الأولى لأنهم جميعهم قد فُقدوا ​​. مات الكثير من الناس وهم يستحقون أن يبقوا في الذاكرة. في العديد من البلدان ، يعود تقليد إحياء ذكرى أولئك الذين سقطوا في ميدان القتال من أجل أرض الوطن إلى الحرب العالمية الأولى. وبالتالي ، فإن الجنود الذين لقوا حتفهم خلال الحرب العالمية الثانية انضموا إلى سجل الخالدين “البانثيون” وهذا ما لم نشهده من قبل.

يجب استعادة ذاكرة هذه الحرب، لأن تجاهلها غير منطقي كونها ساهمت في تأسيس دول وخلقت اصطفافات سياسية. ولعل الظاهرة الأكثر إثارة للاهتمام هي الشريط الذي وضعه القديس جورج باللونين الأسود والبرتقالي بدلاً من اللون الأحمر، رغم أنه لا يشير إلى الحرب العالمية الأولى إلا أنه خلق على الأقل مساحة رمزية لتجنب المزيد من الدماء.