ثقافةصحيفة البعث

“سايكو”.. الشخصيات الخمس موهبة وثقة أم مغامرة؟

 

في مسلسل”سايكو” الذي عرض مؤخرا على قناة لنا السورية، بعد غيابه عن الموسم الرمضاني الفائت، تضعنا الفنانة أمل عرفة أمام سبق درامي لم تألفه الدراما العربية من قبل، وهو أداء خمس شخصيات في عمل واحد بنفس وروح مختلفين، تحضر وتجتمع في كل حلقة تقريبا، عمل تستحق عليه الدخول ضمن لائحة غينيس للأرقام القياسية، نظرا للمجهود الكبير الذي بذلته في رسم “كركترات” لشخصيات متفاوتة الأعمار والمهن والأمزجة، حملت باقي مستلزمات العمل. بغض النظر عن سوية النص الذي شارك عرفة في تأليفه زهير قنوع، وهي هنا تسعى لشق طريقها باحترافية عالية بين صناع الدراما تأليفا وأداء، لاسيما بعد نجاح عملها السابق بجزئيه “دنيا”  راسمة لنفسها نهجا كوميديا هجائيا تتطلع من خلاله لترك بصمة يشار إليها بالبنان، والمساهمة أيضا في تعرية حالات اجتماعية بطريقة ذكية مثيرة فيها الظرافة والتهكم والابتكار.

في هذا العمل هناك عائلة سايكو: الجدة نجدت وابنتيها المدرسة حكمت والمغنية ناجية، وبنات الأخ وصال ودلال، خمس شخصيات تؤديها أمل عرفة، فإلى أي حد نجحت في التوفيق بين تلك الشخصيات وإقناع المشاهد بها.

إذا تحدثنا بالعموم نستطيع القول إنها نجحت في الوصول إلى حالة كسر الإيهام مع المشاهد الذي تجاوز في الحلقات المتقدمة مسألة أداء ممثلة واحدة لخمسة ادوار،وأصبح يتعاطى مع كل شخصية أو”كركتر”على حدا بشكل مستقل عن الآخر، وهذا بحد ذاته ابتكار ناجح ومقنع، لكن عندما نتوقف عند كل شخصية على حدا لا نستطيع الحكم عليها بسوية واحدة رغم تقمص ذات الممثلة لها، ووجودها،أيضا في ذات السياق الدرامي، وهذا يعود ربما إلى تركيز الممثلة والمؤلفة على”كركتر” بعينه تفرد له مساحة زمانية أكثر من الأخرى وهو ما لمسناه في شخصية المدرسة”حكمت” الحاضرة دائما إلى جانب شخصية وصال “سايكو” الشخصية المحورية التي تدور في فلكها باقي الشخصيات ضمن رحلة البحث عن الCD.

شخصية حكمت يمكن تقييمها بأنها الأكثر نضجا وإقناعا وطرافة بذلت فيها جهدا استثنائيا عندما منحتها جل طاقتها على حساب الأخريات لتكون حاملة للعمل إلى جانب المبدع أيمن رضا “أبو النور” كثنائي كوميدي متناغم الأداء، رسمت من خلالها شخصية ظريفة للمدرسة المتوسطة العمر بمفرداتها وتصرفاتها بأسلوب كوميدي راق يعتمد على المواقف العبثية، إلى جانب متغيرات جسدية فيها تشويه شكلي وصوتي إلى حد ما يخدم الشخصية كوميديا.

وبعد حكمت يمكن أن نتوقف عند شخصية الجدة نجدت كرسم كاريكاتوري لعجوز متقدمة بالعمر وبوضع ذهني غير مستقر وفيها برعت أمل عرفة في تقمص ملامحها الأساسية وجعلها فاعلة في البناء الدرامي رغم استقلالية محورها مع الفنان حسام تحسين بك عن رحلة البحث عن الCD وهو محور يمكن الاستغناء عنه دون أن يختل السياق النصي ، لكن براعة الأداء جعله ضروريا لاستكمال وظيفة الإمتاع جماهيريا.

الشخصية التي كان وجودها ثانويا وملحقا وباعتقادي، كان يجب أن يكون ضروريا لما لها من أهمية في إتاحة المجال للولوج إلى أعماق المجتمع والخروج بطروحات جد هامة عن خفايا كثيرة قد تكون مجهولة للكثيرين بدلا من رحلة العبث المملة خلف CD، هي  شخصية دلال نزيلة مصح الأمراض العقلية والنفسية التي تنجح في استقطاب بعض النزيلات المريضات والاستماع إلى قصصهن ومشاكلهن الاجتماعية التي أوصلت بعضهن إلى الجنون، وإثارة إعجاب عاملات المصح اللواتي أصبحن يلجأن إليها لحل مشاكلهن.هي شخصية عادية لاتميز ولاتكلف فيها شكلا وأداء.

أما شخصية ناجية المغنية المقيمة في لبنان فقد كانت فكرتها مثيرة للدهشة لو تم توظيفها كمحور درامي غني بالأحداث والمواقف الكوميدية الخلاقة وخاصة مع وجود فنانين كوميديين لبنانين لهما مكانتهما جماهيريا هما ماريو باسيل وطارق تميم اللذين يشكل وجودهما في أي عمل إضافة غنية جدا لو منحا المساحة المطلوبة، مع هذا كان لوجودهما كشخصيتين ملحقتين بناجية إلى جانب أداء أمل عرفة،التي بدأت مسيرتها الفنية كمطربة قبل أن تتحول إلى التمثيل، دورا في تكوين الشخصية بسيكولوجيتها المقنعة.

الشخصية الخامسة هي وصال أو “سايكو” كما تلقب، شخصية محورية ولأنّها كذلك فقد تحملت سلبيات النص وضعفه، فهي الشخصية التي بنيت عليها الفكرة المحورية البحث عن CD يحتوي على ملفات تثبت تورط عصابة في عملية فساد فُّقِدَ من منزل وصال بعد أن خبأته في كتاب نزار قباني الذي أخذته العمة ناجية معها إلى بيروت وهناك يأخذه جارها ثم تأخذه ابنة أخ الجار وهكذا دواليك بما يشبه المحكية التراثية العربية اللانهائية (واللي رايح ع مكة، يجبلي معو كعكة، والكعكة بالصندوق والصندوق بدو مفتاح، والمفتاح عند الحداد، والحداد بدو بيضة، والبيضة عند الجاجة…إلى مالا نهاية) وهكذا هي قصة CD سايكو يمكن أن نصنع منها مئات الحلقات الدرامية من خلال تنقل المفقود من مكان إلى آخر دون أن نستفيد من هذه الرحلة الطويلة في اكتشاف خفايا وممارسات اجتماعية أعمق وأبعد من قرص حاسوب مفقود وعليه صور ملفات لايأخذ بها القانون كقرائن جرمية كما الوثيقة الورقية التي أحرقتها سايكو بعد أن نسختها على قرص الحاسوب.

انشغال وصال الدائم بالبحث جعلها تؤدي دورا حركيا جديا لامكان للثبات فيه فالنص رسم شخصية مقيدة بتزاحم حركي لايتيح مجالا للتجديد والابتكار ولا يدع مجالا لالتقاط الأنفاس والارتجال وإبراز المواهب، شخصية عادية انعكس أداءها سلبا على العمل عموما وعلى أداء الشخصيات المرتبطة بها خاصة شخصية فادي صبيح الذي اعتدنا رؤيته في “كركترات” تفرض وجودها في أذهان المشاهدين.

وبالنهاية يبقى “سايكو” عملا ناجحا يحسب للفنانة أمل عرفة أنّها بذلت فيه مجهودا كبيرا من التأليف إلى غناء الشارة والإشراف العام إلى جانب أداء الشخصيات الخمس رغم أنها كثّفت وأجلت كل ما أرادت قوله إلى النهاية بدلا من قوله، أداء،على مدى حلقات المسلسل.

آصف ابراهيم