أخبارصحيفة البعث

“قتلُ امرئٍ في غابة..”

 

من الأمور المثيرة للسخرية في هذا العالم المتحضّر، أن نرى جريمة مثل جريمة اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي تستحوذ على الرأي العام العالمي والصحافة العالمية والمنظمات الدولية فترة تجاوزت الشهر، باسم حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، وتم التركيز عليها بصورة هستيرية، هذا مع الاستنكار الشديد لفكرة الاغتيال، سواء استهدفت شخصاً أم مجموعة أشخاص، بينما نشاهد عمليات إبادة جماعية يقوم بها المجرم ذاته، ثم لا نرى هذه المنظمات الدولية، وهؤلاء المتنطّعين باسم حقوق الإنسان يتحرّكون للسبب ذاته، وكأن القتل الجماعي مباحٌ، والقتل الفردي محرّم، بمعنى أنه إذا أتيح لك أن تقتل، فعليك أن تقتل شعباً كاملاً، وألا تكتفي بقتل فرد حتى تكون جريمة القتل مبرّرة في هذا القانون.

والحديث هنا يتناول قضية خاشقجي، لأنها القضية القريبة إلى الأذهان التي جاءت متزامنة مع جريمة القتل الممنهج للشعب اليمني المظلوم المستمرة منذ نحو أربع سنوات دون أن يرفّ لمن يتنطّع باسم المجتمع الدولي جفنٌ، وهو العم سام الذي لا يزال يعمل على تدمير المجتمعات والشعوب تحت عنوان نشر الديمقراطية، والحفاظ على القانون الدولي، الذي وُجد أصلاً لحماية الإنسان، لا لقتله.

فالمراقب لردّة فعل كثير من الدول حول قضية خاشقجي، ولاسيما الولايات المتحدة الأمريكية، يلاحظ أنها تعمّدت أن تتبنى هذه القضية، وجعلتها شغلها الشاغل، ربما لمحاولة إلهاء الرأي العام العالمي بهذه القضية ليتم لهم تمرير قضية أكبر خلف الأضواء، وإلا فبماذا نفسّر الاهتمام الأمريكي بهذا الأمر والتركيز عليه، لولا أنه يعمل على التغطية على شيء آخر أكبر منه، كموضوع إبادة الشعب اليمني مثلاً، أو مسألة تمرير تطبيع هادئ مع “إسرائيل” ضمن ما يسمّى “صفقة القرن” بالتزامن مع الانشغال العالمي بهذه القضية.

والمفارقة الكبرى في كل ما يحدث أنه، أي الأمريكي عندما تم لفت انتباهه إلى أنه يهتم بقضية خاشقجي في الوقت الذي يتغاضى فيه عن الجرائم المرتكبة في اليمن بالسلاح الأمريكي ذاته، اضطرّ تحت الضغط لامتصاص الغضب والتعبير الخافت عن عدم رضاه عما يحدث في اليمن، مع أن شركات السلاح الأمريكية هي المستفيد الأول من استمرار المجازر هناك، الأمر الذي أكده ترامب بنفسه عندما تحدّث عن صفقات السلاح الأمريكي مع النظام السعودي والمليارات التي تمنعه من محاسبته.

وبغض النظر عمّا إذا كانت القضية هنا تأخذ بعداً آخر هو ابتزاز النظام السعودي مالياً، حيث لم يخفِ ترامب أن النظام السعودي خاصة وأنظمة أخرى في المنطقة والعالم تدفع لواشنطن مئات المليارات مقابل حمايتها، فإن الموقف الأمريكي المحابي للنظام السعودي فيما يرتكبه من مجازر يومية بحق الشعب اليمني يفضح واشنطن ويعرّيها، ويجعل من مطالباتها للرياض بكشف حقيقة مقتل خاشقجي مجرّد حقنٍ مهدّئة للرأي العام العالمي.

على كل الأحوال لا يستطيع النظام الأمريكي الذي قام على جماجم الهنود الحمر، وهم أصحاب البلاد الأصليون، أن يتستّر في حديثه عن “خاشقجي” خلف الذرائع الإنسانية، لأن ما يقوم به النظام السعودي تحت مرأى العالم من إبادة جماعية للشعب اليمني عبر الحصار والتجويع ونشر الأوبئة كالكوليرا والتيفوئيد وغيرها، لا يختلف كثيراً عمّا قام به الأنجلوساكسون ضد الهنود الحمر من حرب إبادة استمرت أكثر من 150 عاماً، وحصدت أرواح أكثر من 100 مليون هندي موزعين على نحو 400 أمة وشعب بالسلاح ذاته، وليس بعيداً أن تكون “الجراثيم والبكتيريا” التي تنتجها الولايات المتحدة في مختبراتها البيولوجية حول العالم ضمن قنابل عنقودية هي ذاتها التي تستخدم الآن في إبادة الشعب اليمني، وهذا يقودنا حتماً إلى أن هذا النوع من الحروب سيفضي في حال استمراره إلى إبادة شعب كامل، وإحلال شعب آخر مكانه، كما حدث في أمريكا وأستراليا، حيث تمت إبادة مجموعات عرقية كاملة.

طلال الزعبي