اقتصادصحيفة البعث

المخاطر الاقتصادية للمخططات التنظيمية

 

 

لقد قضت التشريعات والأنظمة والقوانين المرعية، بانضواء جميع التجمعات السكنية /مدن وأحياء وقرى ومزارع/ ضمن وحدات إدارة محلية، تحمل اسم مدينة لكل مركز منطقة، واسم بلدة لكل مركز ناحية واسم بلدية لكل قرية كبيرة أو مجموعة قرى، وأيضاً قضت التشريعات بحكم إعداد مخططات تنظيمية لكل وحدة إدارية، بحيث تظهر هذه المخططات أماكن توزع الأبنية والعقارات السكنية /سكن قديم– سكن توسع– سكن حديث- سكن سياحي/ وتظهر أماكن توزع باقي المرافق العامة الخدمية /مدارس– مراكز صحية– منشآت إدارية– مقابر– حدائق– ساحات/ ومنطقة صناعية لكل مدينة، كما تظهر هذه المخططات الشبكة الطرقية التي تخدم الوحدة داخلياً، والطرق التي تربطها مع الوحدات المجاورة، وسبق أن شهدت جميع المدن السورية الكثير من المخاطر الاقتصادية الكبرى، نجمت عن المخططات التنظيمية، التي قزمت مساحات الأرض الزراعية، التي كانت تغل ذهباً أخضر، وخاصة في غوطة دمشق الفيحاء وبساتين حلب الشهباء وحمص وحماة، وحقول الزيتون والليمون في اللاذقية وطرطوس، وذلك نتيجة إعداد (والتوسع الذي شهدته) المخططات التنظيمية لهذه المدن، ولا زالت الأراضي الزراعية الموجودة بين أحياء المدن السكنية ومحيطها في حالة انحسار متتابع، والمعنيون في غفلة ساهون، أكانوا يدرون أم لا يدرون، وهذه الحالة الخطيرة مستمرة، أكانت نتيجة توسيع المخطط التنظيمي للمدن والبلدات، أو نتيجة المخططات التنظيمية للوحدات الريفية الجديدة، ما سيضعف من مساحات الأراضي الزراعية بما في ذلك الزراعات المنزلية.
يبدو أن وزارة الإدارة المحلية هي التي تعدّ المخططات التنظيمية مركزياً في دمشق لكل وحدة إدارية، حيث تكلف فريقاً هندسياً فنياً مهنياً مركزياً، بإنجاز المخطط التنظيمي على ضوء مخطط المسح الطبوغرافي الذي أعدّه فريق متخصّص بذلك، على ضوء مشاهداته العامة على طبيعة الوحدة الإدارية، دون لحظ تفاصيل المسح العقاري الذي يُظهر الحدود العقارية للعقارات، والتحسين العقاري الذي لحظه عليها فريق التحديد والتحرير، ولاسيما ما يخصّ إحداث أو توسيع بعض الطرقات، بالتراضي بين الأهالي والتي تمّ تثبيتها عقارياً وأصبحت بحكم القائمة، ولكنها قد تكون غير موجودة على الطبيعة أثناء المسح الطبوعرافي.
المستغرب والملفت للانتباه أن معدّي المخططات التنظيمية لا يزورون المنطقة التي سيغطيها المخطط التنظيمي، وليس لديهم تفصيلات عن الحدود العقارية للعقارات، ولا يستأنسون برأي مجلس الوحدة الإدارية التي يعود لها المخطط، ومن المفترض أن تكون هي الأحرص على تحقيق أفضل مخطط تنظيمي بأقل خسارة عقارات، وبأقل كلفة تنفيذ مستقبلية، كما أن معدّي المخطط لم يستأنسوا برأي مديرية زراعة المنطقة، التي من المفترض أن تكون معنية بالحدّ من تقزيم الأراضي الزراعية، وخاصة الأكثر خصوبة وإنتاجاً، ولا برأي مديرية المصالح العقارية المعنية، باحترام المسح والتحسين العقاري الذي جهد فريقها في إنجازه أثناء التحديد والتحرير، وقد ترتب عن كل ذلك أن جاءت أغلب طرق المخطط التنظيمي للوحدة الإدارية عابرة لعقاراتها الزراعية بشكل اعتباطي، فقد تمرّ بعض الطرق في مسار منحدر أو مرتفع أو منخفض تكون تكلفة تنفيذه عالية، وقد تمرّ بعض الطرق بشكل قطري أو طولي عبر مئات العقارات الزراعية الصغيرة، ما يؤدي إلى تفتيتها لأجزاء لم تعد صالحة لا زراعياً ولا سكنياً، والمؤسف أنني لحظت مجدداً مخططاً تنظيمياً حديثاً يفتّت مئات العقارات الصغيرة لمزارعين، ويتجاهل بعض الطرق العقارية، بما في ذلك القائم منها فعلاً، ويُحدث طرقاً جديدة غيرها، ويحدث طرق بعرض /16م– 14م– 12م/ ضمن بلدية صغيرة سكاناً ومساحة، ما سيرتب تقديم اعتراضات من مئات المواطنين التي قد تستغرق دراستها سنوات، وقد تكون الاستجابة لها أمرَّ من رفضها.
أرى ضرورة اجتناب التأخير المعهود في إعداد المخططات التنظيمية، وإعادة النظر في طريقة إعدادها، باعتماد التنسيق التام بين الجهة المعدّة للمخطط، والجهات المعنية به، فالوحدة الإدارية صاحبة المخطط هي الأدرى بشعابها، ومديرية الزراعة المهتمة بزراعة كل شبر من الأرض معنية بالتخفيف من هدر مئات الدونمات الخصبة وآلاف الأشجار المثمرة، ومديرية المصالح العقارية التي نفذت المسح والتحسين معنية بتحقيق الاستفادة منه، والمواطنون معنيون بالموازنة بين استفادتهم من المخطط ومن تبعاته عليهم، فالتنظيم مطلوب بكافة جوانبه.

عبد اللطيف عباس شعبان
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية