تحقيقاتصحيفة البعث

مع تتالي الانتكاسات الإنتاجية الإرشاد الزراعي.. دور غائب.. وابتعاد عن الحقول.. وقلة في الاختصاصات

من البديهي أن التكنولوجيا ونظم الإنتاج الزراعي الجديدة المولدة نتيجة للنشاط البحثي لا تنقل نفسها بنفسها أو اتوماتيكياً إلى حيث يكون تطبيقها لدى المنتجين الزراعيين في الحديث هنا عن البحث العلمي الزراعي ودور الإرشاد الزراعي في إيصاله، ومن ثم فلابد من بذل جهود لنقلها إلى من سيستخدمها، وإلى حيث يكون تطبيقها على الأرض شريطة أن يكون هذا النقل مبكراً قدر الإمكان بعد التأكد من فائدتها وجدواها، ففي البحث العلمي توضح عملية نقل التكنولوجيا ممن ينتجها إلى من يقوم بتطبيقها، لكن المسمى الدارج والأكثر شيوعاً هو ما يعرف بالإرشاد الزراعي.
لكن بالمقابل هناك من يقول: ما الفائدة من بحث علمي تكنولوجي لا يمكن اعتباره والأخذ بناصيته ما لم يتبنه المزارع، وأن يثمر هذا التبني في شكل زيادة ملموسة في الإنتاجية الزراعية كماً ونوعاً، وبالتالي تحسين واقع الدخل للعاملين في هذا القطاع وزيادة غلته؟!.
من هنا بدأنا بالبحث والتقصي عن دور الإرشاد الزراعي، وهل يؤدي دوره المطلوب، أم هو مجرد قسم في وزارة الزراعة تمثّله وحدات إرشادية منتشرة في ريفنا الزراعي؟!.. بل قد يكون السؤال الأكثر جوهرية: هل هناك من يقلص دور هذا الإرشاد؟!.
قبل فترة قرأت عبر مواقع التواصل الاجتماعي خبراً كتبه مهندس زراعي يوصي فيه بعدم تقليم أشجار الزيتون بمثل هذه الأيام أي أثناء قطاف ثمار الزيتون، مشيراً إلى قطع البراعم التي ستحمل الثمار العام القادم ليرد عليه العشرات من المغردين بأن تجربة المزارعين لا تقل أهمية عن دور المهندسين الزراعيين، وهم دائماً يقلّمون أشجارهم بعد جني محاصيلهم، وبين أخذ ورد سنتعرف على أهمية دور الإرشاد الزراعي، وهل هو استعراضي في وحداته الريفية، أم حقيقة موجودة على الأرض؟!.
أين دور المؤسسات الإرشادية؟
مدير الإرشاد الزراعي في الهيئة العامة لإدارة تطوير سهل الغاب المهندس أديب بنوت قال: عندما يؤدي الإرشاد الزراعي الدور المنوط به على أكمل وجه في إيصال ونقل المعلومة العلمية، أي التكنولوجيا إلى المزارعين، ستكون النتائج جيدة جداً، وساق مثالاً على ما يقول: قبل سنوات الأزمة زارنا وفد من بحوث حلب الزراعية، ونقلوا لنا كيفية إنتاج بذار الفطر، وقاموا بتدريب بعض عناصر الهيئة الذين بدؤوا بإنتاج الفطر، واستمر الوضع على هذا المنوال، وراح المزارعون يزرعون الفطر بشكل كبير وبمساحات جيدة، لكن ما شهده البلد من ويلات الأزمة أوقف المشروع، بمعنى أوضح يلعب الإرشاد الزراعي دوراً مهماً شريطة أن يتفاعل معه المزارع، وأن يلبي هذا الإرشاد ما هو مطلوب منه على أكمل وجه، مشيراً إلى أن أي بلد لديه حجم معقول من النشاط الزراعي بحاجة إلى خدمة إرشادية لنقل منجزات البحث العلمي، أي التكنولوجيا، إلى المزارعين المنتجين.
ولكن بالمقابل يرى البعض أن دور الوحدات الإرشادية مازال قاصراً، وهو عبارة عن مجموعة موظفين في هذه الوحدات لا يبتغون سوى تمضية الوقت على مبدأ “غيب شموس وخذ فلوس”، وبخاصة أن جل العاملين في هذه الوحدات ليست لهم علاقة بالهندسة الزراعية.
ويضيف عدد من المزارعين بأن الوحدات الإرشادية يقتصر دورها في كثير من الأحيان على توزيع المحروقات، أو عينات البذار التي توزع من قبل منظمة الفاو، أو حصر بئر هنا وبقرة هناك، لاسيما أن عدداً كبيراً منهم ليست لهم علاقة بالعلوم الزراعية، حيث ينبغي أن تتوافر لدى المرشد الزراعي المعلومات الأساسية في مجالات العلوم، ونوعية التربة التي تصلح لزراعة هذا المحصول أو ذاك، ومواعيد الزراعة، وتربية وتقليم الأشجار، وإيصال المعلومة بأيسر الطرق للمزارعين، أما أن يدرك المزارعون كل ذلك، والعاملون في الوحدات الإرشادية لا يدركون، فما جدوى مثل هذه الكوادر البشرية؟!.

وهم يسمونه إرشاداً
في إحدى الوحدات الإرشادية بريف مصياف يوجد مهندسان اثنان، في الوقت الذي يوجد 27 موظفاً لا يحملون سوى الإعدادية والابتدائية، وتتبع لهذه الوحدة الإرشادية خمس قرى تتعامل بالإنتاج الزراعي، فهل يستطيع هذا الكم من الموظفين أن نطلق عليهم اسم مرشدين زراعيين، وهم بأمس الحاجة للإرشاد بشتى أنواعه؟!.
في المقلب الآخر أسمعنا العشرات من المزارعين، وهم يحملون عينات من إنتاجهم من زيت الزيتون في طريقهم لمخبر شعبة حماية مستهلك مصياف لتحليلها، الشكاوى حول تقصير الإرشاد الزراعي الذي لم يوجههم لاتخاذ الإجراءات الواجب اتباعها كي يتجنبوا ما لحق بزيت الزيتون من ارتفاع نسبة البروكسيد السام.
وأضاف أحدهم في غرفة رئيس حماية المستهلك بأنه يحمّل المسؤولية بما لحق بموسم الزيتون للإرشاد الزراعي، فلم يخبره أحد بأن الثمار اليابسة مؤذية، وترفع نسبة البروكسيد في زيت الزيتون، ولا إجراءات الوقاية ومكافحة ذبابة الزيتون.
رئيس إحدى الوحدات الإرشادية قال بأنه لا يستطيع تغطية كامل نطاق القرى الواقعة في مجال الوحدة الإرشادية، فجل كادره من حملة الشهادة الإعدادية والابتدائية، إلى ذلك ذكر المزارع أبو وائل بأنه قام برش ومكافحة حقله من الرمان أربع مرات، ومع ذلك أصيب بالمرض، ما يشي بأن المبيدات غير فعالة، ولا رقابة صارمة عليها؟!.

المؤسسة البحثية والتنمية
عندما تنجح المؤسسة البحثية في توليد تكنولوجيات جديدة ونظم زراعية متطورة، واستنباط كل ما من شأنه أن يعطي مردوداً زراعياً كبيراً، يمكن أن تحقق مكاسب للمنتجين، سواء من خلال زيادة الإنتاجية أو الجودة، أو خفض تكاليف الإنتاج، شريطة أن تستطيع الوحدات الإرشادية نقل هذه الاستنباطات والنظم الجديدة إلى المزارع على أكمل وجه.

حلقة وصل معطلة
من المعروف أن الجهات البحثية العلمية الزراعية /تقانة/ أو التكنولوجيا، هي من يقوم باستنباط هذا الصنف الزراعي أو ذاك، وتجري عليه العديد من التجارب، وعندما يتم إقراره من المفترض أن يأتي هنا دور الإرشاد الزراعي في تعميم هذه التقنية، أو بمعنى آخر هذا الصنف باعتبار أن البحث العلمي يعمل مشتركاً مع الإرشاد الزراعي من خلال الندوات المشتركة، والدورات التدريبية للكوادر البشرية الموجودة في قسم الإرشاد الزراعي، لكن ما نلاحظه أن هذا التواصل شبه معطل في كثير من الأحيان، وبخاصة عندما تكون الكوادر البشرية غير ملمّة بالشأن الزراعي، وبالتقنية والتكنولوجيا.
في هذا الصدد تقول مصادر بحوث الغاب الزراعية التي هي من أنشط المراكز البحثية، وفقاً لما تؤكده هيئة تطوير سهل الغاب، بأنهم دائماً يطلبون من الوحدات الإرشادية الزراعية عناصر لتدريبهم واطلاعهم على أسس العمل التكنولوجي وتقنياته وفقاً للخطط والبرامج التي يقوم بها مركزهم البحثي.
وأضاف مصدر بحوث الغاب الزراعية بأن دور الإرشاد الزراعي هو الأقرب لإيصال الفكرة العلمية البحثية الزراعية للمزارعين كونه الأقرب من المنتجين، ومن يومياتهم الزراعية، وحتى من حقولهم الإنتاجية، وأي تقصير في هذا يعني غياب حلقة الوصل، فالمرشدون الزراعيون هم من دون جدال عصب المؤسسة الإرشادية، إلا أنه معطل؟!.
ديمومة إنتاجية
من الضروري تفعيل دور الإرشاد الزراعي، ودعم المزارعين لديمومة الإنتاجية، وزيادة غلتها، مع الأخذ بعين الاعتبار الاحتياجات المستقبلية للأجيال القادمة من خلال صيانة وتنمية الموارد الطبيعية لتكوين أكبر قدرة على العطاء المتواصل، وهنا يجب أن يكون للإرشاد دور مهم في إيصال التقنية والتكنولوجيا الزراعية للمزارعين، ليبقى على الحكومة تأمين كل مستلزمات تطوير هذا القطاع الهام، أي الزراعي، فلو كان حاضراً فعلياً لما شهد موسم الزيتون ما شهده من ترد، وارتفاع البروكسيد في الزيت الناتج، وفقاً لما أكده المنتجون؟!.

محمد فرحة