تحقيقاتصحيفة البعث

لتعزيز الثقة.. التواصل الدائم مع المراهقين والمصارحة معهم.. بوابة آمنة للعبور إلى مرحلة عمرية جديدة

تتميز مرحلة المراهقة بالنمو المتسارع، حيث يظهر النمو والنضج في كافة الجوانب والأبعاد الشخصية لتقييم الذات من خلال إدراك القدرات والاستعدادات والإمكانات الذاتية التي تصقلها الخبرات، وتجارب النجاح والفشل، وتطوير مهارات التفكير والتخطيط للمستقبل، واتخاذ القرارات بما يتعلق بالأمور المصيرية التي تمس حياة الفرد الخاصة، لذلك يواجه المراهق مشاكل متعددة قد يكون منشؤها داخلياً أو خارجياً تحول دون استقراره النفسي، وتسبب له خللاً في عملية التوافق الذاتي الاجتماعي، لكن بعض المشاكل تكون متعلقة بالذات، والمظهر الخارجي، وبعض مشاعر الخوف من الفشل الأكاديمي والإخفاق، والنظرة غير السوية للمجتمع والأصدقاء، وتأنيب الضمير إزاء بعض الأخطاء والمشاعر السلبية كحالات البكاء، الحزن، القلق، الضيق المستمر، وغياب الاستقرار والأمان، ترافقها شدة الاستجابات الانفعالية المبالغ بها، بالإضافة إلى عدم استقرار العلاقات مع الآخرين وتذبذبها، ولابد في هذه المرحلة من تحقيق حالة من الاتزان الذاتي، والنفسي، والاجتماعي، والانفعالي عن طريق التنشئة الاجتماعية والأسرية.

تداعيات الاضطراب

لا تقتصر المشاكل التي يتعرّض لها المراهق على تلك التي تظهر عليه مباشرة، بل ثمة مشاكل عدة تظهر على المدى البعيد، وتساهم في خلق مجتمع يشوبه الكثير من الخلل من النواحي التربوية، والنفسية، والأخلاقية، والصحية، دكتورة علم الاجتماع سميرة الحمصي ترى أن المشاكل التي يواجهها المراهقون متنوعة، منها الاضطرابات النفسية التي تعانيها نسبة 40 في المئة منهم، في حين تعاني نسبة 15 في المئة من المراهقين خطر الوزن الزائد، كما تتعرّض نسبة 30 في المئة منهم للتعنيف الكلامي، تضاف إلى ذلك مشكلة إدمان المخدرات المنتشرة في أماكن مختلفة، وهي كلها مشاكل خطرة لا يمكن الاستهانة بها نظراً  لتداعياتها الكثيرة، تضاف إليها المشكلة المتفاقمة دائماً وبشكل سريع وهي الإدمان على الأنترنت وألعاب الفيديو، إضافة إلى حوادث يمكن التعرّض لها أيضاً، كما تبرز مشكلة التدخين التي تعتبر سائدة بين المراهقين، وهي مشكلة كبيرة تتم مواجهتها مع الأهل والعائلة، وتعتبر السمنة إحدى المشكلات الخطرة التي تدل على وجود الاضطراب النفسي للمراهق.

ترابط المشكلات

يشكّل المراهقون فئة مميزة في المجتمع لها احتياجات خاصة لابد من مراعاتها وتلبيتها، لكنها غير معالجة في معظم الأحيان لأسباب مختلفة، وبحسب الحمصي يبدو من الضروري أن يعرف الأهل أن المراهق يعيش في بحث مستمر عن هويته، ويجد في نفسه حاجة كبيرة للقيام بالعديد من الاختيارات المهمة التي يمكن أن تؤثر في حياته وصحته في المستقبل، وهذا ما لا يدركه الكثير من الأهل رغم أهميته، لذلك تبقى مشاكل المراهقين بلا علاج، ما يؤثر سلباً بهم وبمستقبلهم وبالمجتمع ككل، لذا يبدو وعي الأهل في هذه المرحلة العمرية لأبنائهم أمراً أساسياً لابد من التشديد على أهميته ليحسنوا التعامل معهم، وليشجعوهم على الاهتمام بصحتهم نظراً لكثرة المشاكل التي يتعرّضون لها ، ومما لا شك فيه أن المواضيع التي تعني المراهق كثيرة، وتتراوح ما بين تلك الجسدية، والنفسية، والصحية، والعاطفية، وكل هذه الجوانب قد تترابط أحياناً، وتتطلب معالجة شاملة تحيط بالمراهق من نواح عدة، إذ لا يمكن معالجة جانب من دون باقي المشاكل التي يواجهها، ولابد من الإشارة إلى أنه غالباً ما يكون وضع المراهق أكثر حساسية، حتى إنه قد يواجه مشكلة الإهمال أحياناً.

مراحل عمرية

تكمن مشكلة المراهق في أنه يكون ضائعاً ما بين فترة الطفولة ومرحلة الرشد، وفي هذه الفترة نلحظ انقطاعاً في المتابعة، والإحاطة بالشكل الذي يحتاج إليه من الاهتمام والرعاية، ولابد من التأكيد على دقة المرحلة التي يمر بها، والتي تعتبر في غاية الحساسية والتعقيد والأهمية، يبيّن دكتور الاجتماع محمود الصفدي بأننا يجب ألا ننسى أن هذه المرحلة طويلة، وهي تمتد من سن 11 سنة إلى 21 سنة، وبالتالي هي مرحلة 10 سنوات من حياة الإنسان، حيث تقسم المراهقة إلى ثلاث مراحل تبدأ بالمراهقة المبكرة بين 11 و13 سنة، وفيها يهتم المراهق بالتغيير الكبير في جسمه ونموه، وبالنواحي العاطفية، أما المرحلة الوسطى بين 14 و16 سنة ففيها تزداد المشاكل حول نموه، وضغوط المجتمع، والمشاكل النفسية، وفي المرحلة الأخيرة يبدأ المراهق بإيجاد وتكوين هويته وأفكاره وتطلعاته، يتابع الصفدي: هناك العديد من العمليات التي يمكن أن تساعد المراهق في التصدي للكثير من المشاكل التي يمكن أن يواجهها في هذه المرحلة العمرية الدقيقة كممارسة الرياضة التي تعتبر نصيحة أساسية لابد من التركيز عليها، فهي كفيلة بتجنيب المراهق الكثير من المشاكل التي يمكن أن يتعرّض لها.

 

دور العائلة

من المهم أن يقوم المراهق بالعديد من الأنشطة التي تحافظ على صحته، وتخفف من استهلاكه للأنترنت، وتساعده على النوم بشكل أفضل، ومن المهم التركيز على الاجتماعات العائلية، والأوقات التي يمضيها أفراد العائلة معاً، ويعتبر الصفدي أن لقاء العائلة مهم جداً للعائلة لجميع الأسر، وللمراهق بشكل خاص، وثمة نصيحة أساسية للأهل تقضي بضرورة اطلاعهم على التكنولوجيا بوسائلها الحديثة وتقنياتها ليتمكنوا من متابعة المراهق بشكل أفضل ومناقشته، ولابد من حضور الأهل إلى جانب المراهق فيما يشاهده ليفسروا له كيفية التعامل معه، ويجب ألا ننسى أيضاً أهمية النظام الغذائي الصحيح للمراهق، والذي يمشي جنباً إلى جنب مع اللياقة البدنية، وممارسة الرياضة في نمط حياة صحي، ما يبعد عنه شبح الاكتئاب، ويزيده ثقة بالنفس، ويؤكد الصفدي أن الأهل هم دائماً قدوة لأولادهم، لذلك يجب أن يكونوا مثالاً جيداً لأن الأولاد يتبعونهم ويحذون حذوهم في كل خطوة يقومون بها، من دون أن ننسى أهمية التواصل الدائم مع المراهق ومصارحته لتبقى الثقة قائمة في كل الأوقات، ولتجنب الوقوع في الأخطاء، كما يحتاج المراهق إلى التعلّم بشكل مستمر، والأهل الذين يقودونه في كل خطوة يقوم بها ليمشي في الطريق الصحيح، مع ضرورة الإصغاء له جيداً، وأن يكونوا مثالاً جيداً له.

ميادة حسن