الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

السّورنة من جديد

عبد الكريم النّاعم
مرّة أخرى، وربّما تكرّر ذلك مرّات، عاد البعض عبر صفحات التواصل الاجتماعي لطرح مسألة: “سوريّة أولا”، وهو طرح في مضمونه وإيحاءاته لا يعني حبّ هذا البلد والانتماء إليه فقط، بل ينطوي على روح قطريّة، انعزاليّة، بل وثمّة لدى البعض ما يوحي بأنّه ضدّ ما يسمّى (العروبة)، وأنّه يريد أن يقطع هذه الصّلة، بعضهم بدوافع أيديولوجيّة، وبعضهم أوصلتْه مجريات الأحداث، وما أصاب هذا البلد من خراب ودمار ماديّ ومعنويّ، أوصلتْه إلى هذه المحطّة، ولعلّ اللآّفت أن ثمّة أصواتا تهمس، أو تجهر بذلك، وهي لأناس ما كنّا نظنّ أنّهم سيصلون إلى حيث وصلوا، ممّن هم محسوبون على أهل الثقافة، وهنا أتوقّف عند النّقاط التالية:
1-لاشكّ أنّ ما أشاعه معظم حكّام العرب، عبر الفضائيات، وعبر الضخّ الإعلامي المحشوّ بالسموم القاتلة، كان له أثره الكبير، وفي مثل هذه الحالة يتبيّن الراسخ في انتمائه، وفي وعيه، من الذي زعزعت المجريات ركائز قناعاته، فبدتْ وكأنّها لم تكن قناعات عميقة، بل يمكن القول أنّها تفتقد الجذور الضاربة بعيدا في العمق، وهذا بعض ما هدف إليه الذين أشعلوا تلك الحرائق،لأنهم يريدون استئصال تلك البذرة التي قاومت على مدى مئة عام وتزيد.
إنّ التوعية وحدها لا تكفي على أهميّتها، بل لابدّ من الإسراع في الإنجازات البنائية، على الصعد كافة، في التنمية، والثقافة، والتعليم، والمكافحة النّاجعة للفساد، والنّقلات النوعيّة التي تقول إنّنا ما نكاد نعبر الأزمة فقط، بل نجتثّ أساساتها، وهذا عمل جبّار، ونوعيّ، وشاق، ولا يقدر عليه إلاّ الذين ينتمون إلى الإخلاص لهذا البلد، من القادرين، غير الملوَّثين.
2-أصحاب السّوْرنة المشبوهة يطرحون وقائع لا يمكن نفيها، كالقول ماذا حصدنا من العرب والعروبة،؟ مَن الذي مدّ المسلّحين بالمال والسلاح، والإعلام؟! ومَن.. ومَن..؟! هم يبدون محقّين في ذلك، بيد أنّهم يدسّون السمّ في العسل، ولا أدري ما إذا كانوا يجهلون أنّ هؤلاء الحكّام، في معظمهم، منذ بداية تنفيذ المشروع الصهيوني الاستيطاني هم الذين ساهموا في ولادة الكيان، كان الأمر في البداية تعاونا سريّا، وخرج، أو أُخرج، إلى العلن الآن لتكون الصّدمة بحجم الحريق المشتعل، وفي هذا المُجرى نقلة خطيرة بدأت مظاهرها في التعامل مع قادة الكيان الصهيوني، وفي الذهاب لزيارة الأرض المحتلّة من قِبل البعض، وفي استقبال رسميّين، ورياضيّين من أهل ذلك الكيان، والطّامة هنا في اعتبار هؤلاء (الأدوات) ممثّلين لروح العروبة، والأمّة!! وهذا يوجب إعادة التصويب في المرحلة القادمة، فذلك المشروع المعبّر عنه بصفقة القرن لا يُواجه حلفه إلاّ بحلف مقاوم رافض، فتصبح القضيّة من كان مع تحرير الأرض العربيّة، ومناوئا للمشروع المتصهين فهو أخي وابن أبي، ومَن أزاح الأقنعة مُتَصهينا، ومرتميا في أحضان الغرب صاحب الرأسماليّة المتوحّشة، هو عدوّي ولو كنتُ معه من أمّ واحدة، وأب واحد.
أنا أُدرك أنّ المسألة ليست بهذه البساطة، بل هي معقّدة، وصعبة، وقاسية، وليس ثمّة خيار آخر، وإلاّ فستكون النتيجة مزيدا من التشرذم، والسقوط إلى مواقع ما قبل الدولة الوطنيّة.
ثمّة مَن سيهزأ من هذا القول، ويتوقّف عند مصاعبه، وهنا أذكّر بأنّ مشروع التحرّر من النير العثماني كان يبدو خيالا، وكذلك النضال ضد الانتداب، ولكنّه تحقّق بفضل الوعي، وصدق الانتماء، وما ثمّة خيار آخر لأحرار هذه البلاد.

aaalnaem@gmail.com