ثقافةصحيفة البعث

“عاشق الضوء”.. الشاعر المنتصر على الشر

 

“يمضي في مسارات الأدب ليتلمس بؤرة الضوء في آخر النفق، وفي شعاعاتها يتبين جمال الحرف وانسيابية الكلمة لفارس من فرسان الشعر، لم ولن يترجل إلا مرتحلاً بين أثلام القصيدة، أراد الشعر سلاحاً واتخذه موقفاً وامتشقه سيفاً يشق عتمة ليل طويل خيم على وطن الشمس، فما دام اغترابه ولا يتزعزع إيمانه بأن الحياة وقفة عز عاشت عشقاً استوطن وجدانه وخبأ بين سطورها قصائد ستشكل مفترقاً في تاريخ الشعر الحديث”. بهذه الكلمات قدمت الإعلامية هدباء العلي الاحتفالية التكريمية للشاعر فايز خضور التي أقيمت في مكتبة الأسد الوطنية والتي امتلأت بلفيف من أهل الثقافة والأدب للاحتفاء بالشاعر الكبير بعد مسيرة شعرية إبداعية، بخطوة مميزة قدمها ملتقى سلمية الثقافي بالتعاون مع جمعية “نحنا” الثقافية في دمشق ودار دلمون للطباعة والنشر والتوزيع.

“آدون”
قارب صاحب “توت شامي” و”دار حلب” الوجع شعراً بلغة تفيض شفافية وعمقاً، وعن التكريم قال رئيس اتحاد الكتاب العرب في سورية د.نضال الصالح:
بالكتابة كان فايز خضور يواجه القبح والظلم والقيم السالبة للإنسانيّ في الإنسان، ولم يحن رأسه يوماً، على الرغم من الخسارات والانكسارات والهزائم التي عصفت بأحلامه، لعاصفة يأس، بل ظلّ مؤمناً بقيامة الحياة إلى الحياة، شأن “آدون” الذي استعصى على الفناء، بالكتابة، فقد قدّم خضور غير رهان على انتصار الضوء على الظلمة، والخير على الشرّ، والجمال على القبح، مهما يكن من أمر أولئك الذين يشبهون “الخنزير البرّي” الذي هاجم “آدون” وأصابه بجرح بليغ، وامتزج دمه بالعطر الذي سكبته “أفروديت”، ثمّ كانت من دمه شقائق النعمان، وشأن ما قاله في النصّ الذي غنّته السيدة فيروز له، “لا يدوم اغترابي”، مهما يكن من أمر “منازل الشتاء”.
أجل، فايز خضور يشبه “آدون”، دمُه شعره، وعاصفاتُ أحلامه الخنزيرُ البري، وشقائقُه الدراساتُ الكثيرة التي كُتبت عن تجربته، فأنصفت هذه التجربة كما يليق بها أحياناً، واكتفت بسطوحها الخارجية أحياناً أخرى. “آدون” الإبداع الذي يتأبّى على الموت لأنّ هذا الإبداع ولدَ من رحم الحياة ويتأبّد في الحياة، والذي كلّما نهل المرء من نهره الذي لم يتوقّف عن الهدير بمعنى المعنى من الحياة، أحسّ بالظمأ إلى الحياة، ولكن ليس أيّ حياة، بل تلك التي تعني الكرامة في كلّ شيء، والتي يصحّ فيها قول المتنبي:
“فاطلبِ العِزَّ في لظىً
ودعِ الذلّ ولو كان في جنان الخلود”.

عاشق الضوء
وعن الميزات في سلوك وتجربة الشاعر فايز خضور قال الشاعر اللبناني غسان مطر:
أقفلت دون قوافي العمر والطوق
من ساحر مس قلبي عندما طرق
وكان جمري جماداً والصقع دمي
فمن أعاد إليه النبض والرمق
ياعاشق الضوء أشكو غربتي فلقد
سقى الزمان سواي الصبر حين سقى

الثقافة الصامدة
ومن بيروت إلى دمشق وبالعكس، جاء المبدعون وفي طليعتهن د.وجيه فانوس رئيس اتحاد الكتاب اللبنانيين الذي قال:
في أربع دقائق ماذا سأقول في رحلة حج إلى دمشق للسعي في رحاب فايز خضور، شاعر مجدد قوي، محتال، جبار اللغة، ملتزم بالعقيدة، تعرفت عليه من خلال ماقرأت وماكتب عنه، هذا الشاعر الرائد لابد من أن يأخذ مطرحاً واسعاً له في التاريخ الحديث للشعر العربي المعاصر، تجربته رائدة وتستحق الدراسة، هذا الرجل أدخل الشعر والرؤيا الشعرية على الرؤية السياسية حاول الجمع بين الاثنين وطور كثيراً في الشعر واحترم أكثر الرؤى السياسية.
أحترم لفايز خضور – يضيف فانوس – هذه الصفة، لكنني إذا ما نظرت إلى واقعنا الذي نعيشه اليوم وإلى مانحن عليه في لبنان وسورية أحب أن أقول أمراً: السياسة مهما كانت تبقى وجوداً آنياً والثقافة هي الوجود على الدوام الأكثر والرؤية القادمة على البناء، السياسة تحتاج فقط إلى ورقة وقلم وصاحب قرار، أما الثقافة فتحتاج إلى جهاد طويل المدى وعميق الأبعاد وواسع الرؤى ولكنها خلافاً للسياسة، كل القرار الذي اتخذ في السياسة بإمكان قرار آخر أن يلغيه، أما قرار الثقافة فيحتاج إلى أجيال وأجيال فهي قادرة على الصمود.

الشعر المقاتل
وتبنت المقاومة في لبنان وفلسطين وهي لجمعية “حق وخير وجمال” عنوان، وفي التكريم قالت د.فاتنة المر: تستمد النهضة روحها من مواهب الأمة وتاريخها الثقافي السياسي القومي، فإما أن نكون أبناء أولئك المبدعين نهتدي بأنوار نتاجهم لنعيد بناء مجتمعنا على قيم الحق والخير والجمال أو لا نكون.. إما أن نعيد الوصل الذي انقطع بين أجيالنا الجديدة وبيننا أو لا نكون… إما أن نربي أبناءنا على وقع كلماتهم أو أن نطلق أسماءهم على مدارسنا وشوارعنا ومراكزنا الثقافية وأن نزين بنتاجهم كل مكتباتنا.. إما أن نعمل على تعزيز نفسية الأمة بالتمثل بالكبار أمثال فايز خضور مستعيدين ما زرع من فكر وجمال راصدين شغفه بالإنسان، حين نسترجع ما كتب تتمثل أمامنا صور من هذا الليل الذي يشارف على الانقضاء فنقف مشدوهين أمام وضوح الرؤية لديه.
طرح في إحدى قصائده سؤالاً مؤرقاً: إلى أين يتجه العائدون من الحرب والحرب تستعمر النفس؟ هكذا المبدع الحقيقي ينظر ويتأمل وينضج التجربة ومن ثم يسمح للفكرة بالتجلي، كلمة حية تترجم مصير الشعب وترشده إلى حياة أجمل، هكذا يتحول الشعر المقاتل كما يسميه الشاعر إلى منارة ترفع الظلمات عن مسار القارئ المؤمن وتربط الماضي المجيد بحاضر يصبح فيه الوطن ورشة كبيرة.
وانتقد الشاعر محمد ميشيل عيد ممثل جمعية “نحنا الثقافية” سلوكيات الأنظمة العربية وتواطؤها مع الغرب حيال الحرب الإرهابية على سورية من خلال قصيدة شعرية بأسلوب فني لافت.
وعلى هامش الاحتفالية وقّع الشاعر فايز خضور الطبعة الشعرية الثانية من أعماله النثرية والشعرية الكاملة الصادرة عن دار دلمون الجديدة للنشر. سورية تحيا في قلب فايز خضور ويعيش في وجعها صوتاً للمبحوحين الطالعين إلى حصادهم والعابرين إلى غدهم متكئين بنور الحق والخير والجمال، واختتم الشاعر خضور الاحتفالية بإلقاء عدد من نصوصه الشعرية أكد من خلالها على أهمية احترام الثقافة والتمسك بالمثل والتربية الاجتماعية التي تؤدي إلى وطن متماسك.
جمان بركات