تحقيقاتصحيفة البعث

  مؤشـــرات ووقائع غير تقليدية في مضمار قطاع “الأمن الغذائي” السوري .. الإنتــاج الزراعــي.. مواءمــة بيــن الزيـادة الإنتـاجية والمعالجــة التسويقيــة

 

لا تلقى تكاليف الإنتاج الزراعي الأهمية والاهتمام من المؤسسات المعنية افتراضياً بتحديد الكلفة الإنتاجية للمحاصيل الخاسرة تسويقياً واقتصادياً، ويعتبر المزارعون غياب مثل هذه الحسابات وتعميمها وترويجها ثغرة كبيرة يستغلها تجار سوق الهال وغيرهم ممن يستجرون المحاصيل بحسابات ربحهم المضاعف الذي يقتنصونه من المزارع المنتج، المستحق الفعلي لهذا المردود المفقود الذي من الممكن استعادته واستدراكه فيما لو أخذت المؤسسات المعنية دورها المفترض والطبيعي في حساب التكاليف الإنتاجية من المحصول الزراعي وفق المؤشرات الطارئة على ارتفاع تكاليف مستلزمات الإنتاج الزراعي التي تتضاعف من موسم لآخر، رغم التوسع في الزراعات الناتج عن إدخال أصناف زراعية جديدة فيها، وتحقيق انتشار أوسع لها، ليضع الإنتاج الزراعي أمام تحديات حقيقية عدة، أولها ضمان تحقيق الجدوى الاقتصادية  المنشودة، لأن عملية  تسويق المنتجات الزراعية لاتزال تنوء بالصعوبات كون العملية التسويقية هي الحلقة الأضعف، رغم ما يتطلبه التأسيس لانطلاقة ناجحة لهذه الزراعات من احتياجات وإجراءات، وما تواجهه من صعاب وعقبات ليس سهلاً وعابراً بالمطلق، لأنه أدى تدريجياً إلى تدني مردودها، ناهيك عن منعكسات تكاليف الإنتاج، وأضرار الأحوال الجوية التي تتعرّض لها   المحاصيل الزراعية.

إدارة مستدامة للموارد الطبيعية

يرى مدير زراعة اللاذقية المهندس منذر خيربك أن النظر إلى قطاع الزراعة كقطاع متجدد عوضاً عن كونه قطاعاً استخراجياً هو السبيل الوحيد لتحقيق إدارة مستدامة للموارد الطبيعية، وتحقيق الأمن الغذائي الحالي، وعلى المدى الطويل، فلا يوجد أي تعارض ما بين رفع الإنتاج وتحقيق الاستدامة، وإنما في الواقع الصحيح هو العكس تماماً، ودون تحقيق مبدأ الاستدامة سيعاني الإنتاج الزراعي حالياً ومستقبلاً، وتعمل مديرية الزراعة من خلال دورها الفني والإرشادي الداعم للقطاع الزراعي لزيادة الإنتاج كماً ونوعاً وصولاً إلى تحقيق احتياجات المجتمع من جهة، وإمكانية توجيه الفائض الزراعي إلى الاستثمار في مجال التسويق للمنتجات الفائضة بصورتها الخام لتلبية حاجة السوق أولاً، والعمل على تصنيع المنتجات الفائضة من حاجة السوق وفق معايير جودة تضمن الحصول على قيمة مضافة تنعكس إيجاباً على الركيزة الأساسية للمنتجات الزراعية.

الواقع الزراعي بالمؤشرات الإنتاجية

يقول المهندس خيربك: تبلغ المساحة الإنتاجية لمحافظة اللاذقية 229689 هكتاراً موزعة على مساحات قابلة للزراعة 108563 هكتاراً، وتشكّل 47,27% من مساحة المحافظة، ومساحات حراجية، وغابات قدرها 85257 هكتاراً، نسبتها 37% من مساحة المحافظة، أما الأراضي غير القابلة للزراعة فتبلغ مساحتها 34447 هكتاراً، ونسبتها 15% من مساحة المحافظة، وهناك المروج والمراعي 1422 هكتاراً، نسبتها 0,6% من مساحة المحافظة، وتمتد الأراضي المستثمرة زراعياً في المحافظة على مساحة إجمالية 103 آلاف هكتار، وتشكّل نسبتها 94,8% من مساحة الأراضي القابلة للزراعة، وحول مؤشرات الإنتاج الزراعي فإن الإنتاج الأولي لمحصول الحمضيات خلال الموسم 2018-2019 يبلغ 815,8 ألف طن، ويبلغ عدد الأسر العاملة في زراعة الحمضيات 44767 أسرة، وتصل المساحة المزروعة بالحمضيات إلى 33826 هكتاراً، وعدد الأشجار الكلي 10305736 شجرة تشغل نسبة 32% من المساحة الزراعية المستثمرة، ويبلغ الإنتاج الأولي لمحصول الزيتون للموسم 2018-2019 نحو 44544 طناً، ويبلغ عدد الأسر العاملة بزراعة الزيتون 57323 أسرة، بمساحة إجمالية 45948 هكتاراً وعدد الأشجار الكلي 10238469 شجرة تشغل نسبة 47% من الأراضي الزراعية المستثمرة، ومن المتوقع أن يصل إنتاج المحافظة من التفاح خلال الموسم الزراعي الحالي إلى 32849 طناً، ويبلغ عدد الأسر العاملة في زراعته 4044 أسرة، وتصل المساحة الإجمالية المزروعة إلى 2825 هكتاراً، بعدد أشجار كلي قدره 762262 شجرة تشغل نسبة 2% من مساحة الأراضي الزراعية المستثمرة، أما الزراعات المحمية فيبلغ عدد بيوتها 13545 بيتاً، والمزروع منها 12550 بيتاً يقدر إنتاجها بـ 52347 طناً.

مصدر دخل وحيد لـ 106 آلاف أسرة

ويبيّن المهندس خيربك أنه من خلال هذه المؤشرات يعمل في الزراعة في محافظة اللاذقية 106494 أسرة، يشكّل الإنتاج الزراعي مصدر دخل وحيداً لهم، كما تعكس المؤشرات والأرقام الواردة سابقاً خصوصية محافظة اللاذقية بوصفها محافظة زراعية بامتياز، كما أن غناها بالغطاء الحراجي، وموقعها على ساحل البحر، وتعدد وتنوع أنظمتها البيئية، وغناها بالمعالم التاريخية، يعطيها امتيازات للاستثمار السياحي في مجال السياحة البيئية، وعليه فإن توجيه جزء من قطاع الصناعة نحو التصنيع الزراعي سيكون له الأثر الكبير والجيد في تطوير هذين القطاعين المتكاملين، بما ينعكس إيجاباً على زيادة دخل المنتجين الفلاحين، ويحقق استدامة دائمة، وتطوير قطاع الزراعة، واستقرار الصناعات الزراعية، كما أن المناخ الاستثماري في محافظة اللاذقية، من وجهة نظر مديرية الزراعة بوصفها الجهة المسؤولة والمشرفة على قطاع الإنتاج الزراعي، متاح من خلال المادة الأولية الرئيسية للإنتاج والتصنيع والتسويق في سورية، وفي محافظة اللاذقية خصوصاً وذلك تبعاً للقطاعات الرئيسية.

 

انخفاض الاستهلاك المحلي من الحمضيات

تشكّل الحمضيات ما يقارب 60% من مجموع إنتاج الفاكهة في سورية، وتتركز زراعتها في الساحل، وخاصة في محافظة اللاذقية التي تستقطب 77% من زراعة الحمضيات، أي أن محافظة اللاذقية تنتج ما يقارب نصف الفاكهة السورية (الحمضيات)، وقد انخفض الاستهلاك المحلي من الحمضيات من 25 إلى 15% خلال السنوات الأخيرة، وحيث إن إنتاج الساحل من الحمضيات يبلغ ما يقارب مليون طن سنوياً، فإن فائض الاستهلاك المحلي ارتفع إلى حوالي 850 ألف طن، وتتوزع الأصناف المزروعة من الحمضيات على أصناف مائدة بنسبة 80% من الإنتاج: (أبو صرة– ماوردي– يافاوي)، وأصناف عصيرية بنسبة تصل إلى 20%، وهي بشكل رئيسي: (البلدي– الفالنسيا– أصناف اليوسفي الهجين).

التصنيع أولوية مطروحة

يؤكد مدير زراعة اللاذقية أنه يمكن توجيه التصنيع باتجاه محاور عدة تتمحور كلها حول معامل متعددة الأغراض لاستثمار كامل خصائص الثمار، وذلك من خلال اعتماد التقنيات الحديثة في مجال التخزين والفرز والتوضيب، خاصة فيما يتعلق بأصناف المائدة، حيث هناك إمكانية للتخزين، وإطالة مدة التسويق، وإمكانية تسويقها خارج موسم الإنتاج، خاصة في فصل الصيف، وهناك محور يتصل بإنشاء معامل العصائر كون معظم الأصناف المنتجة لدينا قابلة للعصر، وتقدر كمية الحمضيات القابلة للعصر من الإنتاج الكلي بحوالي 423 ألف طن، تنتج ما يقارب نحو 200 ألف طن من العصائر، وبالمقابل فإنه يكون لدينا 200 ألف طن من بقايا العصر التي يمكن أن توجه إلى تصنيع الكومبوست، وهناك محور تصنيعي يكمن في الاستفادة من القشرة الداخلية البيضاء الغنية بمادة البكتين، وهي مادة مستخدمة عالمياً، وتدخل في صناعة المواد الغذائية كالجلاتين، والحلويات، والاستفادة أيضاً من الزيوت العطرية الموجودة في قشور ثمار الحمضيات في إنتاج منكهات غذائية عالية الجودة، كما تدخل في صناعة العطور، ومواد التنظيف والشامبو، ويمكن أيضاً تصنيع الكومبوست من بقايا تصنيع الحمضيات: (عصائر– مربيات– زيوت عطرية من القشور)، حيث يستخدم الكومبوست (السماد العضوي الصناعي) كبديل كلي عن الأسمدة العضوية، وجزئي عن الأسمدة المعدنية، ويصنع بتخمير البقايا العضوية لنباتات المزرعة: (مخلفات تقليم– بقايا تصنيع الحمضيات)، مع إضافة بادئ حيوي: (روث الحيوانات– زرق الدواجن)، كما يمكن إقامة  منشآت تصنيع لوازم شبكات الري بالتنقيط، وخطوط الفرز والتوضيب، والعبوات البلاستيكية، والكرتون بمواصفات عالمية.

 

محصول الزيتون أولاً

وأوضح خيربك أن قطاع  زراعة الزيتون يأتي في المرتبة الأولى من حيث المساحة المزروعة في محافظة اللاذقية، والثانية من حيث الإنتاج، وتصل كمية الإنتاج في بعض سنوات الإنتاج إلى أكثر من 200 ألف طن من الثمار، ينتج عنها ما يقارب 50 ألف طن من الزيت، بينما يبلغ متوسط الإنتاج السنوي للقطر /826809/ أطنان من الثمار، ومتوسط الزيت الناتج /151405 /أطنان، وبلغ متوسط كمية الزيتون المستعمل للأكل (مخلل) /176251/ طناً، وتقسم منتجات الزيتون إلى منتجات رئيسية: (زيتون + زيت)، ومنتجات ثانوية مثل مخلفات المعاصر السائلة والصلبة، وهناك منتجات التقليم (تصنيع الكومبوست)، أما المنتجات الرئيسية فتقدر نسبة الاستهلاك المحلي على مستوى المحافظة من ثمار الزيتون بـ 30 ألف طن.

الاستثمار الممكن

يشير المهندس خيربك إلى أنه يمكن توجيه الاستثمار في زراعة الزيتون  إلى التخليل، والزيتون المحشو، والمطعم بالنباتات المنكهة والطيبة، ما يعطي قيمة مضافة كبيرة لثمار الزيتون تقدر بـ 3-4 أضعاف تبعاً لجودة التحضير والتعليب (مثال شركة الدرة)، أما الأصناف الزيتية فيمكن توجيه الاستثمارات لتصنيع عبوات بلاستيكية مفرغة مناسبة لحفظ الثمار لضمان عدم ارتفاع درجة الحرارة، ما يسيء لنوعية الزيت،  بالإضافة لتحسين واقع معاصر الزيتون، وإنشاء معاصر محققة للمواصفات العالمية بكل مراحل العصر، كما يمكن إنشاء معامل لإنتاج عبوات لحفظ زيت الزيتون: (زجاجية– معدنية) بمقاسات وأشكال متنوعة وقابلة للتصدير، حيث بلغت الكمية المصدرة من زيت الزيتون منذ بداية عام 2018 حتى تاريخه من خلال معبر الحجر في المرفأ /23966/ طناً صدرت إلى 31 دولة، ويتميز الزيت السوري عن الزيت الأوروبي بالطعم الغني بالزيوت العطرية، واللون المميز يعود إلى وجود 250 يوماً مشمساً غير متوفرة في أوروبا في مرحلة تشكّل الزيت، وارتفاع الحرارة بالصيف، بما يحد من الآفات، وبالتالي قلة استخدام المبيدات، كما أن الزراعة بعلية، وتحتاج إلى تسميد بسيط، وبالتالي هي أقرب للزراعة العضوية.

ماء الجفت

وبما يخص المنتجات الثانوية، ومنها ماء الجفت، تتراوح الكمية الناتجة منه (640 – 1100) ليتر لكل 1 طن ثمار، وتقدر الكمية الناتجة سنوياً من عصر (170) ألف طن ما بين (108– 187) ألف متر مكعب، وتحتوي مياه الجفت على 14,8% مواد عضوية، و 1,8% من المعادن، لذا فهو إضافة سمادية تغني عن استخدام الأسمدة الكيميائية المصنعة، وهناك المخلفات الصلبة (البيرين)، ينتج ما يقارب 50% من وزن الثمار المعصورة مادة صلبة، وتقدر الكمية سنوياً الناتجة عن عصر 170 ألف طن بـ 85 ألف طن، وتحتوي هذه البقايا على 6% من وزنها من الزيت، وعليه يمكن إنتاج 5100 طن من الزيت سنوياً ككمية إضافية من الزيت من البيرين، (يطلق على الزيت الناتج عن البيرين زيت المطراف)، حيث يتم استخلاص الزيت المتبقي باستخدام المذيبات العضوية (الهكسان)، ويدعى الزيت الناتج بزيت تفل الزيتون الذي قد يكون هدفاً للتكرير لجعله صالحاً للأكل بعد مزجه بزيت بكر، أو يستخدم بحالته الخام في صناعة الصابون.

واقع زراعة الخضار

أما واقع زراعة الخضار فإن زراعتها تقسم إلى خضار مكشوفة شتوية وصيفية ومحمية، ويبلغ عدد البيوت المحمية المستثمرة في محافظتي اللاذقية وطرطوس 146412 بيتاً (562302 طن إنتاج طرطوس + 52347 طناً إنتاج اللاذقية)، ويعاني قطاع الخضار من مشكلة ملحة وهي الكساد في ذروة المواسم، ما يخفض السعر، والحل الأفضل هو توجيه الاستثمار باتجاه  معامل الكونسروة (ورشات متعددة في مناطق متعددة) لاستيعاب تعليب الكميات الفائضة، والخضروات، وهناك التصنيع الغذائي لإنتاج مواد جديدة، منها معجون البندورة والفليفلة، أما قطاع الغابات فيشكّل الثلث من مساحة المحافظة، وتأتي أهمية الغابات الاقتصادية من الجانب الإنتاجي للموارد الإنتاجية، وعلى وجه التحديد إنتاج الأخشاب، ولكن تزداد حالياً أهمية الاعتماد على المنتجات غير الخشبية والوظائف الوقائية، والخدمات البيئية التي تمد بها الغابات، وضرورة الإدارة الحراجية المستدامة، ويبلغ إنتاج أعمال التربية والتنمية من الأخشاب لهذا العام 1319,9 طناً من الأخشاب الصناعية،  و134,2 طناً من أخشاب الوقيد، إضافة لكمية الأخشاب الناتجة عن حرائق الغابات في السنوات الأخيرة التي قدرت بـ 40 ألف طن، ومن أهم المنتجات غير الخشبية النباتات الطبية، والعطرية الموجودة بشكل طبيعي في غاباتنا، والتي يمكن العمل على نشر زراعتها ضمن المشاريع الأسرية في مناطق الهضاب ذات الحيازات الصغيرة، ومحدودية موارد التربة والمياه كونها أنواعاً محلية برية متأقلمة ومرنة بعد زيادة الطلب المحلي والعالمي على النباتات الطبية الخام والمستخلصات، حيث تم حصر أكثر من 600 نوع من النباتات الطبية والعطرية من خلال لجنة مشتركة من مديرية الزراعة، والبحوث العلمية الزراعية، وجامعة تشرين.

مروان حويجة