تحقيقاتصحيفة البعث

المعادلة الوظيفية خاضعة لظروف الواقع استحواذ نسائي على الفرص وتغييب للمعايير

لم تثمر جهود محمود في البحث عن فرصة عمل تؤمن له مصدر دخل يقتات منه هو وعائلته بالنفع بعد أن أنهى خدمته الإلزامية، وبات من الضروري أن يعمل، وبالرغم من إجازته الجامعية التي يحملها فإن أبواب الشركات والمؤسسات أغلقت بوجهه تحت ذريعة الاكتفاء بالعمال لديهم، ليتجه إلى العمل في ورشة تصليح للسيارات، فقد طغى عنصر الإناث على جميع المؤسسات والشركات وحتى المعامل، لدرجة بات من الصعب أن يجد الشباب عملاً لهم في هذه المنشآت!.

تفوّق الإناث

ليس من الصعب على من يراقب الباصات التي تُقل الموظفين إلى عملهم أن يدرك تفوّق عدد الإناث الموظفات على الذكور، لنجد في كل باص رجلاً أو اثنين، ولا يختلف الوضع في الشركات الخاصة، أو حتى المعامل والمنشآت، فقد أثرت الأزمة بشكل كبير على هجرة أعداد كبيرة من الشباب، والتحاق قسم آخر بصفوف خدمة الوطن، ولكن يبقى عدم وجود فرص عمل لمن بقي من الشباب، إذ تعاني فئة الذكور من ندرة فرص العمل الخاصة بهم بعد أن أصبحت جميع المؤسسات تطالب بالإناث للعمل لديها، سواء من حملة الشهادات المتدنية، أو حتى من حملة الشهادات أو الخبرة في العمل المطلوب.

دوافع للعمل

كثيرة هي الأسباب التي تدفع المرأة للبحث عن عمل خارج المنزل، حسب رأي الكثيرات، من العاملات وغير العاملات، فالأنثى المتعلّمة يكون العمل بالنسبة لها مكافأة لتحصيلها وتعبها العلمي، الأمر الذي يجعلها تبحث في كافة الشركات والمؤسسات عن فرصة عمل تسد حاجتها العلمية أولاً، والاقتصادية ثانياً، وهذا حق لا يمكن نكرانه، إذ إن أعباء المعيشة وغلاءها من جهة، والتطلع إلى مستوى أفضل من جهة أخرى، دفعت المرأة إلى الخروج للبحث عن عمل، لكن الأنثى غير المتعلّمة، والتي تجد لنفسها فرص عمل في القطاعات الخاصة تحت مسمى “ذات مظهر لائق، والخبرة ليست ضرورية”، هي التي ينافس وجودها في سوق العمل وجود الكثير من الشباب العاطلين عن العمل الذين هم الأحق في العمل منها.

بين الرفض والقبول

في المقابل كان لمعظم الرجال والشباب رأي مخالف لرأي النساء، فعمل المرأة خارج المنزل يمثّل عبئاً كبيراً لهم، إضافة إلى الضغوطات المالية، والنفسية، والاجتماعية التي يتحمّلها الزوج والأولاد من عمل المرأة خارج المنزل، فمعظم النساء الموظفات لا يسهمن بجزء كبير من رواتبهن في المنزل بحجة أن المرأة تصرف على نفسها، وتكون مقصرة في واجباتها المنزلية أيضاً، في المقابل نجد الرجل يضع كامل راتبه الشهري برضاه لأن واجبه ومسؤوليته يفرضان عليه ذلك، في المقابل كان للشباب رأي موافق لرأي الرجال المتزوجين، فالإناث “يقنصن” فرص العمل في الشركات والمؤسسات الخاصة، ويتسابقن مع الشباب على الوظائف الحكومية أيضاً، لنجد أن الغالبية العظمى من الموظفين في القطاعين العام والخاص هم من الإناث، وهذا ما يعتبره الشباب ظلماً لهم، طارحين عدداً من الحلول، أهمها وضع قانون للقطاع الخاص حصراً يمنع توظيف الإناث لتوفير فرص عمل للشباب، وفي حال وجود فائض في فرص العمل عندها فقط يتم توظيفهن، فلا مشكلة من معاناتنا لمدة عام من بطالة النساء اللواتي أخذن “البيضة والتقشيرة” في كل فرص العمل.

الحاجة والملل

وفي دراسة أجرتها شبكة المرأة السورية، أجابت 80% من النساء اللواتي شملهن الاستبيان في ظروف مختلفة بأن الحاجة الاقتصادية دفعتهن للعمل، و20% للملل، والبحث عن طريقة جديدة لإثبات الذات، حيث تراوحت أعمارهن ما بين عشرين عاماً إلى أربعين عاماً، وتشكّل نسبة العازبات اللواتي يعملن  70%،  فيما وصلت نسبة المتزوجات إلى 30% يعملن في مهن مختلفة شملت: عاملة مطبعة،  محاسبة في مقهى، عاملة تنظيفات، موظفة في شركة أدوية، موظفة في محل ألبسة جاهزة، عاملة في ورشة خياطة، مندوبة مبيعات، وكانت النتائج تدل على حاجة المرأة السورية العاملة إلى دعم معنوي ومادي لتتمكن من الثبات والوثوق بنفسها ككائن منتج وفعال، حيث إنها لاتزال تشعر بالارتباك والقلق، وأحياناً الخجل لكونها تعمل خارج المنزل، رغم ما تعانيه من إرهاق جسدي ونفسي، إلى جانب ذلك نرى بأنها تعاني من الخوف الاجتماعي رغم كل الأعباء التي تقوم بها داخل المنزل وخارجه، وتشعر بتأنيب الضمير لكونها خارج المنزل.

توازن في العمل

عدد من المعايير العملية طالب محمد كوسا، “خبير اقتصادي”، بوضعها للوظائف العامة والخاصة كي لا يشكو الشباب من البطالة، والنساء من تخمة فرص العمل لهن، فالوظائف الحكومية محدودة مهما أعطيناها من امتيازات، وفتحنا الباب على مصراعيه للتوظيف، مع وجود “الواسطات” والمحسوبيات، ولكن الأماكن محدودة، والتكدس والبطالة المقنعة مشكلة لا يجب السكوت عنها، منوهاً إلى أهمية إدخال المرأة في سوق العمل في كلا القطاعين، فكثير من المهن لا يمكن الاستغناء عن وجود المرأة بها، والعكس صحيح، فوجود كلا الجنسين في العمل يحقق نوعاً من التوازن الصحيح، وتساءل: إلى متى عدم حل هذه المشكلة، ونضع حلولاً مؤقتة حيث يجب أن تجلس الحكومة والقطاع الخاص ويعملان سوياً خطة لترتيب وتوجيه مخارج العمل حتى لا يجد الخريج نفسه عاطلاً عن العمل بعد سنوات طويلة من الدراسة.

حالات طلاق

قليلة هي حالات الطلاق الناجمة عن عمل المرأة خارج المنزل، فيكون الطلاق تحت حجة عمل المرأة خارجاً سبباً استدعته مجموعة من التراكمات التي جعلت من العمل سبباً للطلاق، خاصة إذا كان الرجل عاطلاً عن العمل، وفي حالات عمل المرأة في القطاعات الخاصة، حيث نجد أن غيرة الرجل تزداد أولاً من النظرة السلبية الموجودة في مجتمعاتنا عن العمل الخاص، وثانياً ساعات الدوام الطويلة التي تسبب انشغالات المرأة الخارجية، والضغوط النفسية التي تعاني منها عند رجوعها للمنزل، وما يحدث من إهمال للزوج والأبناء، وإن كان غير مقصود، ما يجعل الرجل يهدد بالطلاق، وحالات التهديد هذه موجودة كثيراً في مجتمعنا لأسباب عديدة ليست بالضرورة نتيجة عمل المرأة خارج المنزل، حسب رأي المحامي علي عمران، وكذلك فإن خروج المرأة للعمل واستقلالها الاقتصادي يقف وراء معظم المشاكل الزوجية، حيث تتعب المرأة وتشقى داخل المنزل وخارجه، وبالتالي لها الحق في مالها وكامل الحرية في التصرف به، في حين يرى الزوج أنه وأبناءه الأحق بهذا المال، واليوم في ظل الأزمة أستطيع القول إن 70% من حالات الطلاق في مجتمعنا سببها الأساسي الحالة المادية السيئة، والنزاع على تأمين المعيشة.

ضغوطات وتحرشات

عمل المرأة خارج المنزل ضرورة حتمية ليس من منطلق توفير الوضع الاقتصادي الأفضل بالنسبة للمرأة، فعملها، برأي الدكتورة رشا شعبان، “علم اجتماع”، هو مكانة اجتماعية بامتياز، فهو الذي يكسبها المهارات الحياتية والاجتماعية اليومية الضرورية للتفاعل مع الحياة عامة، إضافة إلى أن العمل خارج المنزل يكسب المرأة الثقة بالذات، ويمكنها من تأكيد ذاتها بوصفها إنساناً لا بوصفها أنثى فقط، وجميع الأعمال مناسبة لعمل المرأة عدا الأعمال التي تتنافى وطبيعتها الأنثوية، والتي تتطلب العمل الجسدي المرهق كأعمال البناء والكهرباء، ولكن بنظرة متأنية إلى واقع المرأة العاملة في القطاع الخاص نجد أن هناك الكثير من المشاكل والمعوقات تبدأ من التوظيف، مروراً بعقد العمل، وانتهاء بالإجراءات المتبعة لحل المشاكل بين الطرفين، والطرد التعسفي، عدا عن الضغوطات والتحرشات التي تعاني منها المرأة في أغلب مواقع العمل الخاص، لذا لابد من توفر وعي كامل لحقوق المرأة بالعمل في القطاعين العام والخاص، وتجنب العمل في المعامل والورش التي تتطلب جهداً ذكورياً، والتي يغلب على عمالها ومديريها العنصر الذكوري، حرصاً وحفاظاً على كرامة المرأة من جهة، ولتوفير فرص عمل لشباب هم أحق بالعمل في هذه المصانع والورش من النساء.

ميس بركات