تحقيقاتصحيفة البعث

الأسواق التجارية في حمص القديمة.. واقــع عمــل صعــب وإصــرار على العــودة

تزامناً مع عودة الحياة الطبيعية لحمص بعد إعلانها مدينة خالية تماماً من الإرهاب، انطلقت العجلة الاقتصادية، وباشر أصحاب المحال نشاطهم التجاري في حمص بالأسواق التراثية بالمدينة القديمة ضمن التسهيلات المقدمة للتجار، وقامت المحافظة بتأهيل البنى التحتية للأسواق التي يراها التجار العائدون دون المستوى المأمول، وخاصة ما يتعلق بموضوع الكهرباء، كما يطالبون مجلس مدينة حمص بوقف منح الرخص للتجار لفتح محال بالمناطق السكنية خارج السوق، والتي كانت مقبولة بسبب الوضع الأمني بالمدينة سابقاً، لكن ضرورتها انتهت بنهاية الإرهاب، ولاسيما في حي كرم الشامي الذي تحول من سكني إلى تجاري، رغم توجيهات المحافظة بعدم منح هكذا تراخيص، وإلزام أصحاب المحال المنتشرين بالأحياء السكنية بالعودة إلى محالهم في الأسواق، وطالب التجار بإحداث كراج بالقرب من منطقة الأسواق بهدف تسهيل نقل ووصول المواطنين.

هموم التجار
في (الدكانة الصغيرة) الممتلئة بالأدوات، وبحنين لذكريات الماضي القريب، وقلق الحاضر، “أبو باسم”، ابن الخامسة والستين، في محله بعد ترميمه بجهد شخصي يسترجع ذكريات الماضي، يقول: تعود الحياة إلى البداية، فلا توجد بضاعة كافية، ولا سيولة مالية، وكل شيء رحل، المحل احترق، آلة الموت والدمار سحقت كل شيء، ومسحت ما كان يعج به من ذكريات وأحلام الطفولة، ورغم الحطام الذي يحيط بالمحل، ووجود عمود كبير من البيتون يتدلى فوق المحل، وهو معلّق بخيط رفيع، أصر أبو باسم على ربط العمود بحبل قد لا يصمد أمام قوة الطبيعة، مضيفاً: رغم المناشدات لم تتحرك البلدية لإزالة هذا الخطر، معبّراً عن فرحه بالعودة إلى محله رغم دماره كاملاً في حي باب هود الحمصي في شارع باب هود الرئيسي، وبقلبه غصة لما آلت إليه حال تلك الشوارع والحارات الحمصية من دمار وحزن كبير.

لا يوجد تعاون
يقول أحد العائدين إلى محلاتهم: أجهز المحل على نفقتي الخاصة، ولا يوجد أي تعاون من الجهات المعنية، وقد تمت دعوتنا للعودة إلى السوق، وبعد العودة كانت هناك عوائق بالسماح لنا بالترميم، ومديرية الأوقاف أجبرتنا على دفع المستحقات القديمة من أجرة المحل عن السنوات السبع الماضية، رغم إغلاق السوق وتدميره، وأرصفة السوق تم ترميمها على حسابنا الشخصي، ولم يستكمل إصلاحها حتى الآن، وبالنسبة للكهرباء بادرت شركة الكهرباء إلى إدخال كبل واحد من جهة واحدة للسوق، وسيتم إجبار أصحاب المحلات في الجهة المقابلة على مد كبل عرضي، وهذا الشيء مخالف!.
صاحب محل آخر قال: أعمل في مجال الأقمشة والألبسة الجاهزة، وكنت أول العائدين إلى سوق البللور في نهاية عام 2015، وقمت بترميم المحل على حسابي الشخصي، وبادرت إلى تنظيف أرضية السوق، نعاني من عدم وجود إنارة ليلية للسوق، وأرضية السوق تحتاج إلى صيانة، حيث لا توجد قساطل مياه، ولا صرف صحي، وهناك معاناة مع مديرية الأوقاف التي هي قيمة على السوق، حيث تم إجبارنا على دفع السنوات السبع الماضية رغم تدمير السوق وإغلاقه!. أما أبو محمد، وهو صاحب محل ألبسة داخلية، فقال: عدت إلى السوق عام 2016، والسوق بحاجة إلى الصيانة، وسطحه عليه أنقاض كبيرة، وهذا يسبب أذى للمحلات التجارية، وكان سقف السوق سابقاً من البللور، وحالياً لا توجد سوى العوارض الحديدية، والنوازل المطرية متعرّضة للأذى، نتمنى من الجهات المعنية معاملتنا أسوة بباقي الأسواق، ودعمنا لنتمكن من ممارسة أعمالنا التجارية.
أما المحل الذي تعرّض لأضرار كبيرة جداً، وتم تسجيلها وتوثيقها في محاضر رسمية، فلم تتحرك المحافظة، أو البلدية، أو أية جمعية خيرية، أو منظمة دولية لنجدته ومساعدته، رغم الوعود من بعض الجمعيات الخيرية، لكنها وعود واهمة كما يقول، ويضيف: إن المساعدات التي تعطيها الجمعيات تعطيها فقط للتجار الكبار وأصحاب الملايين، ويضيف: رغم كل شيء أشعر بأن الحياة قد عادت لي من جديد، فقد كنا شبه أموات خلال الأزمة!.

للنقابة وجهة نظرها
رئيس غرفة تجارة حمص عبد الناصر شيخ فتوح لفت إلى أن أبرز المعوقات التي تواجه العودة للوسط التجاري هي إجراءات الحصول على موافقات العودة، سواء لأصحاب الفعاليات التجارية وشاغلي المحلات، أو للمواطنين من سكان الأحياء المجاورة للأسواق، رغم قصر المدة التي أصبحت تحتاجها الموافقة اعتباراً من نيسان الماضي. ولفت شيخ فتوح إلى إنجاز جزء من البنى التحتية، والجميع بانتظار عودة كل المديريات، والمؤسسات الرسمية، وفروع المصارف العامة والخاصة إلى أماكن عملها السابقة في الوسط التجاري، مطالباً الجهات المعنية بالإسراع بتحويل المبالغ المرصودة والمخصصة لترميم المحال والمنازل المتضررة للإسراع بالعودة.
الخدمات
مدير كهرباء حمص المهندس مصلح الحسن أشار إلى أنه تم تأهيل مركز تحويل بالسوق القديم، مع تأهيل خط توتر متوسط، وإعداد دراسة لشبكات التوتر المنخفض في السوق القديم، وستتم المباشرة بالعمل بعد الانتهاء من التنسيق مع الجهات العامة كالاتصالات، والآثار، والجهات الأخرى ذات الصلة، مع الإشارة إلى أن الكهرباء مؤمنة بالمنطقة، وتم الانتهاء من تأهيل الشبكات للعمل، ووجود ورشة مقيمة في سوق الناعورة تلبي كافة طلبات التجار، وأصحاب الفعاليات الاقتصادية.

المرحلة الثالثة
المهندس بهاء خزام، مدير مشروع تأهيل الأسواق في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أشار أن المرحلة الثالثة بدأت في نيسان الماضي، وقريباً سيتم تأهيل مركز تحويل كهربائي يغذي نحو 400 محل قيد الاستثمار، وهو حالياً قيد الدراسة، ومن الممكن مساهمة منظمات أخرى بالتنسيق مع شركة كهرباء حمص، مبيّناً أن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي انتهى من تنفيذ المرحلتين الأولى والثانية، وتمت خلالهما صيانة 581 محلاً تجارياً من أصل 850 محلاً من خلال ترميم الواجهات، والبنى التحتية، والأرضيات، والشوارع، والأسقف، وكل مكونات الأسواق، مع المحافظة على السمة التراثية والتاريخية لها، وأضاف خزام: إن المشروع وفر نحو 750 فرصة عمل للسكان المحليين، وطلبة الجامعة، والعمال، والمهنيين، مبيّناً أن الأسواق تمتد على مساحة نحو 42 ألف متر مربع، وتم إنجاز كافة الدراسات التوثيقية، والمخططات التنظيمية لها، وخلال المرحلة الرابعة والأخيرة سيتم ترميم ما تبقى من أسواق، وتضم نحو 200 محل، مؤكداً وجود إحصاءات تقوم بها المنظمة لرصد واقع الإنماء بحركة السوق، حيث تشير آخر البيانات إلى عودة 80 محلاً، ويوجد أكثر من 30 محلاً قيد الترميم من قبل أصحابها.

غير مرتبط
فراس النمر، رئيس دائرة التراخيص في مجلس مدينة حمص، رأى أن موضوع منح التراخيص للتجار في الأحياء السكنية غير مرتبط بعودة التجار إلى محالهم في أسواق وسط المدينة، وكل محل له صفة تجارية يمنح على أساسها الترخيص اللازم، فيما يتم العمل من قبل مجلس المدينة على إغلاق محال الصناعيين الذين افتتحوا ورشاتهم في الأحياء السكنية خلال الأزمة، وإعادتهم إلى المنطقة الصناعية على طريق حماة، حيث عاد نحو 300 صناعي إلى ورشهم، كما تم مؤخراً إغلاق 14 محلاً في شارع البرازيل، وتوجيه أصحابها للعودة إلى محالهم بسوق تجارة السيارات شمال المدينة، معتبراً أن قضية تنظيم الفعاليات الاقتصادية وعودتها إلى مقراتها الأساسية تتم تدريجياً.

سمر محفوض