اقتصادصحيفة البعث

رغم سماح القوانين والتشريعات المالية والاستثمارية بمثلها.. سؤال ملح عن الصناديق الاستثمارية التي وصفها الاقتصاديون بـ”الهامة جداً”

لا يوجد في سورية حتى الآن “صناديق استثمار” عقاري ولا غير عقاري، رغم أن بعض القوانين والتشريعات المالية والاستثمارية النافذة تسمح بتأسيس ما يُشبه هذه الصناديق، ورغم أنه لا توجد من حيث المبدأ أية اعتراضات أو موانع فنية أو تحفظات لدى أي جهة تحول دون ذلك، وبالتالي فليس أمام المدخرات الفردية والعائلية السورية سوى نوعان أساسيان من الأقنية أو الأوعية الاستثمارية، أحدهما “الإيداع الآجل” في المصارف و”شراء الأسهم” في الشركات المساهمة العامة المدرجة في سوق دمشق للأوراق المالية “البورصة”.

في الجلسة الافتتاحية لمنتدى المال والمصارف والتأمين..، كان لـ “البعث”، وبشق الأنفس– كما يقال- السؤال الأخير “من بين الأسئلة القليلة، التي طلبت المحاورة من المشاركين، أن تكون مختصرة جداً..!؟”، حيث تم طرحه على كل من وزير المالية وحاكم سورية المركزي ورئيس مجلس مفوضي هيئة الأوراق والأسواق المالية السورية.

السؤال وقبل انتهاء الجلسة، أي خلالها، كان لوزير المالية أفضلية الرد أولاً، وصراحة يا ليته ما فعل، لسببين اثنين أولهما: أنه التف على السؤال وأخذه بالسياق الذي يريد، والثاني: أن رده حمل قدراً من التهكم المستغرب غير المبرر!؟، علماً أن السؤال كان من صميم عنوان المؤتمر أو المنتدى، ولقي استحساناً واهتماماً من قبل الحضور والمشاركين، وهذا ما لمسناه بعد أن انفضت الجلسة.. وخرج المجتمعون للاستراحة.

كان حكمنا على “الرد والأسلوب”، ليكون مشكوك فيه ويحتمل الخطأ والصواب، لكن ما أفصحت لنا عنه الزميلة المحاورة قطع الشك باليقين، حين قالت لنا وبالحرف الواحد: “إن وزير المالية قال لها لماذا تركتيه يسأل، فأجابته – ونحن نقدر موقفها – إنه صحفي ومن حقه أن يسأل”..!؟.

الآن نأتي إلى السؤال الذي التزمنا الاختصار فيه احتراماً للضيوف ولطلب المُستضيفة المحاورة؛ السؤال كان حول الصناديق الاستثمارية، وتحديداً ذات الهدف والغاية التمويلية، والتي كان قصدنا صراحة لفت انتباه الحكومة ممثلة بوزير ماليتها كونه موجوداً، إلى تأخرها في توفير البنية التشريعية والقانونية لمثل تلك الصناديق، لا لشيء آخر، لكن قصدنا لم يكن ليشفع لنا، لنحصل ويحصل المجتمعون والمشاركون على ما يشفي تعطش قطاع المال والأعمال ليسمع الإجابة الصريحة والواضحة على ما طرحناه..!؟.

للعلم..

ومن باب العلم والتوضيح، أننا حين سألنا عن مثل تلك الصناديق وهل هي موجودة؟، لم نكن نسأل عما هو موجود في سوق الأوراق المالية وغيرها، بل عن الصناديق غير الموجودة والتي تسمح قوانيننا بوجود مثلها، إلاَّ أنها ولغاية الآن غير موجودة، على الرغم من أهميتها القصوى، في هذه المرحلة التي تبحث فيها حكومتنا عن أوعية أو قنوات تمويلية لمشاريع إعادة البناء والأعمال، فكيف إن كانت تلك الأموال المستهدفة هي الأموال التي توصف بـ”العقيمة” المدخرة لدى المواطنين السوريين، أي رأسمال وطني تمويلي بامتياز…؟!.

هذا ما عنيناه..!

من تلك الصناديق التي عنيناها بعينها، صناديق الاستثمار العقاري، التي ستكون في حال إنشائها متاحة للجمهور، ويتم تداول أسهمها في السوق المالية، وهي الصناديق التي تُعرف عالمياً بمصطلح “ريت أو ريتس”، وتهدف إلى تسهيل الاستثمار في قطاع العقارات المطورة والجاهزة للاستخدام التي تدر دخلاً دورياً وتأجيرياً.

ومما تتميز به الصناديق العقارية الاستثمارية المتداولة، انخفاض تكلفة الاستثمار فيها، مقارنة بصناديق الاستثمار العقارية الأخرى والتزامها بتوزيع 90% من صافي أرباحها دورياً (سنوياً) كحد أدنى، كما يمكن لهذه الصناديق الاستثمار محلياً وإقليمياً وعالمياً بشرط ألا يزيد إجمالي قيمة أصول الصندوق من العقارات خارج الدولة عن نسبة محددة (مثلاً 25%)، وذلك وفقاً لسياسات واضحة ومحددة من قبل هيئة السوق المالية.

وبناء عليه..

إلى أي مدى يمكن أنشاء مثل تلك الصناديق في سورية؟ وهل يمكن أن يكون هناك صناديق للاستثمار العقاري مدرجة ببورصة دمشق؟ ويكون مجال نشاطها وتشغيل أموالها إما بالاستثمار المباشر “كشركات مساهمة” في المشاريع العقارية وإما المشاركة في تمويل تلك المشاريع وتمويل الشركات المرخص لها العمل في هذا المجال؟.

وهل لدى الحكومة أو هيئة الأوراق المالية أو السوق دراسة حول هذه الصناديق، وبالتالي الترويج لتأسيس مثلها، خاصة أن مرحلة إعادة الإعمار تحتاج لكتل مالية كبيرة، وفي الوقت نفسه تتيح مثل تلك الصناديق لأصحاب المدخرات توظيف واستثمار مدخراتهم عبر قنوات مقوننة في سوق أوراقنا المالية؟.

غير موجود بعد..!؟

حول ما سبق كان سؤالنا الذي لم يرد البعض طرحه، وبالتالي كان ما كان من رد عليه، لكن لنقرأ معاً رد الدكتور عابد فضلية رئيس مجلس مفوضي هيئة الأوراق والأسواق المالية السورية، بالحرف الواحد ودون زيادة أو نقصان.

قال : الموضوع الذي طرحته هام جداً جداً، وبالمقابل فإن الاهتمام الحكومي وغير الحكومي به ضعيف جداً جداً، لذلك أقترح التوسع به والإضاءة عليه إعلامياً كلما كان ذلك ممكناً، وبرأيي لا بأس أن تتكرر عناوين صحفية وإعلامية بهذا الصدد مثل: “برسم الحكومة، أين الجهات الحكومية من صناديق الاستثمار، هذه الصناديق أوعية ادخارية وتنموية وطنية، تجميع للمكتنزات العقيمة الصغيرة، تمويل مجاني -دون فوائد- لمشاريع استراتيجية، ترشيد الاستهلاك وعقلنة الاستثمار.. إلخ إلخ”.

وبيّن فضلية، أنه لا يوجد في سورية حتى الآن “صناديق استثمار” عقاري ولا غير عقاري، رغم أن بعض القوانين والتشريعات المالية والاستثمارية النافذة تسمح بتأسيس ما يُشبه هذه الصناديق، ورغم أنه لا توجد من حيث المبدأ أي اعتراضات أو موانع فنية أو تحفظات لدى أي جهة تحول دون ذلك، وبالتالي فليس أمام المدخرات الفردية والعائلية السورية سوى نوعان أساسيان من الأقنية أو الأوعية الاستثمارية، أحدهما “الإيداع الآجل” في المصارف و”شراء الأسهم” في الشركات المساهمة العامة المدرجة في سوق دمشق للأوراق المالية “البورصة”.

وأضاف، كما أن هناك ما يسمى (صناديق سيادية) موجودة في الكثير من دول العالم، غير موجودة لدينا بعد، تتشارك في تأسيسها مصارف وجهات حكومية مع جهات غير حكومية من مصارف ومؤسسات وأفراد، لذلك بدأت العديد من الطروحات تتردد بين الحين والآخر في سورية لإنشاء مثل هذه الصناديق، ولاسيما عند الحديث عن تحديات تمويل عملية إعادة الإعمار.

القوانين تُجيز..

أما عن الجهات التي يُسمح لها بذلك قال: أهم الجهات التي تسمح لها تشريعاتها بإنشاء (صناديق استثمار) هي (سوق دمشق للأوراق المالية)، والتي تُجيز أحكام الفصل السادس من قانون إحداثها رقم 55 لعام 2006، إنشاء صناديق تهدف إلى استثمار مدخرات، ولكن (في الأوراق المالية حصراً)، ولاسيما أسهم الشركات المساهمة السورية وأدوات الدين القابلة للتداول التي تُصدرها هذه الشركات، وأدوات الدين العام الحكومية القابلة للتداول، والوحدات الاستثمارية الصادرة عن صناديق وشركات الاستثمار.

ويتخذ كل (صندوق استثمار) شكل شركة مساهمة عامة برأسمال نقدي مدفوع بالكامل لا يقل عن خمسين مليون ليرة سورية، ويُصدر الصندوق مقابل هذه الأموال أوراقاً مالية تُسمى (وحدات استثمار)، وهي بمثابة أسهم يتم الاكتتاب بها عن طريق المصارف المرخص لها بذلك، ولا يجوز للمؤسسين المكتتبين تداول هذه الوحدات أو الأسهم قبل مضي ثلاث سنوات من بدء عمل الصندوق.

بصريح العبارة

وخلص فضلية إلى أن مثل هذا الصندوق هو عبارة عن (وعاء) استثماري يهدف إلى إتاحة الفرصة للمدخرين أو المستثمرين الأفراد للمشاركة جماعياً بالاستثمار في الأوراق المالية، وله نظام أساسي خاص به صادر عن مجلس الوزراء بالقرار رقم (11679/ م. د) تاريخ (16/08/2011)، يُحدد ضوابط وقواعد وشروط استثمار أمواله، ويتولى مجلس إدارة الشركة المساهمة المُحدِثة للصندوق إدارة نشاطه وتحديد طريقة توزيع الأرباح السنوية على مالكي الوحدات، ويُعين للصندوق شخص اعتباري كمدير للاستثمار ويُشرف على عمله شخص اعتباري آخر كأمين للاستثمار.

آن الأوان..!؟

وخاتماً رأيه أكد رئيس مجلس مفوضي هيئة الأوراق والأسواق المالية السورية، أن إحداث صناديق استثمارية يُعد من الأولويات التي تسعى إليها هيئة الأوراق والأسواق المالية وسوق دمشق للأوراق المالية، إلا أن الحرب وتداعياتها، كما الأمر على مختلف الصعد في القطر، قد أخّرت هذا المشروع، وفي هذا الإطار لا بد من التنويه إلى أن إنشاء صناديق للاستثمار بالأوراق المالية فقط قد لا يكون بمستوى أهمية إنشاء صناديق استثمار متنوعة الأغراض لتمويل مشروعات صناعية أو عقارية، إلا أن إنشاء صناديق استثمار بالأوراق المالية هي بداية جيدة وإيجابية، ونتوقع أن تكون مثالاً مجدياً يُحتذى به، خاصةً أنه تم تعديل الأحكام القانونية لإحداثها، ليمتد نشاطها إلى أنشطة استثمارية تنموية أخرى أبعد من تداول الأسهم.

وفي كل الأحوال، جاء الوقت المناسب وآن الأوان للجهات الحكومية ولأصحاب القرار وللفعاليات والمؤسسات المالية والاستثمارية أن تخوض في أقنية الصناديق الاستثمارية، كونها قليلة المخاطر ووسيلة فاعلة للتمويل المجاني، ولأنها بالتالي واسطة لتجميع الكثير من المكتنزات والمدخرات العائلية الصغيرة لإنشاء الكثير من المشاريع الاستثمارية التنموية الكبيرة.

قسيم دحدل

Qassim1965@gmail.com