اقتصادصحيفة البعث

تحذيرات مناخية أكثر من مقلقة.. وتراخٍ وتأخير وإعادة تدوير غير مبررة ..! إن كان هذا مصير مشروع الري الحديث.. فكيف “بتحلية مياه البحر”..وإدارة مواردنا المائية..؟!

 

رغم التحذيرات الخطرة التي تطالعنا حول أزمة المياه والعجز المائي التي ستشهدها منطقتنا العربية ومنها سورية، ورغم ما تقوله التقارير العلمية الدولية والمحلية حول موجة من الجفاف الأكثر قسوة على منطقتنا منذ ألف عام، وأن سورية كما عدد من الدول العربية ستدخل مرحلة الفقر المائي الشديد في غضون 13 عاماً، إلا أننا لا نزال نتعاطى مع هذا الملف الوجودي بكثير من التراخي الذي يعكس عدم الشعور بحجم هذا الخطر الداهم، ومجمل ما سيرتبه من آثار سلبية قاسية لا يحمد عقباها. وسواء كانت تلك التقارير أو الأخبار مبالغ فيها أم حقيقية، فالحكمة تنبهنا من عدم الوقوع بالندم ساعة لا ينفع، إن لم نسرع – وبكل ما للكلمة من معنى- للتحضر والإعداد للمقبل من تحديات مائية مصيرية، من المؤكد أن مواجهتها بالوقت والمكان المناسبين سيمكننا من التغلب على العديد من الملفات الأخرى، ومنها تداعيات الأزمة.
ما استهللنا به هو مدخل للغريب مما يحدث على الصعيد الحكومي، ومن مؤشراته على سبيل المثال لا الحصر ما طرحته الحكومة في جلساتها الأخيرة -وللمرة الأولى– حول تدارس تحلية مياه البحر في سورية، لتفاجئنا بعدها في جلستها أواخر الشهر الماضي، أن اللجنة الاقتصادية درست مشروع الصك التشريعي القاضي بتوحيد الأحكام الواردة في القانون رقم /20/ لعام 2010 والمرسوم التشريعي رقم /91/ لعام 2005 وتعديله المتعلق بالتحول إلى الري الحديث ضمن إدارة جديدة واحدة وإحالته للعرض على مجلس الوزراء لاستكمال أسباب صدوره أصولاً؛ في الوقت نفسه تعقد جمعية العلوم الاقتصادية حلقة نقاشية حول “الوضع المائي في سورية– الواقع والمطلوب”، وطبعاً ليست هذه هي المرة الأولى التي يطرح فيها هذا الموضوع للنقاش..!.

سين المستقبل‏
سين الدراسة والمستقبل تعيدنا لما كانت قد أعلنت عنه الحكومة من عودة ولو متأخرة للمشروع الوطني للري الحديث بداية هذا العام 2018، عودة وعلى مساحة محددة مقدارها ألف هكتار بكلفة 1.2 مليار ليرة في ست محافظات، وأن كلها ستنجز.
لكن العودة بقيت تصريحاً إعلامياً، والدليل “اللا حس ولا خبر حول ما تم”، إلاَّ النذر اليسير، ما سحبناه سحباً من فم بعض المعنيين بالأمر!؟.
والسؤال: كيف وفي نهاية هذا العام نعود إلى المربع الأول في هذا الملف الحيوي، أي نعود لمشروع الصك التشريعي المذكور أعلاه، أي نعود لأس أي عمل وهو توفير البنية التشريعية والقانونية وتوحيدها، بعد أن كنا أعدنا إطلاق المشروع وحددنا المساحة والأموال اللازمة لتطبيق الري الحديث!؟.

إنعاش للذاكرة
وكيلا يقول أحدهم أننا نتجنى، سننعش الذاكرة لنبيّن أن المشروع توقف عند الكتاب الذي وجهه رئيس مجلس الوزراء لكل من وزير الزراعة والحاكم السابق لمصرفنا المركزي، طالباً فيه موافاة الحكومة بمذكرة مشتركة، حول الآلية المناسبة لمنح القروض اللازمة للفلاحين، وبما يضمن التوسع في مشاريع الري الحديث، كان هذا على حد ما نذكر في الثلث الأول من هذا العام!.
أما الملفت في الكتاب –وعلى غير العادة– فكان عدم تحديده مدة موافاة المجلس بالمذكرة!؟. وهذا أولاً. علماً أن المشروع الوطني للري الحديث عاد للواجهة، بالإعلان نهاراً جهاراً أن العام 2018 بداية تنفيذ الخطة لري مساحة ألف هكتار وبكلفة 1.2 مليار ليرة!؟.
وبعيد عن الإحراج نسأل: ما مصير تلك المذكرة وهل أنجزت وأرسلت لرئاسة الوزراء؟، لعل الجواب البديهي يكون: أنه لو أنجزت لما عدنا كما ذكرنا للمربع الأول، وهو الصك التشريعي الموحد الآنف الذكر أعلاه!، ولعل هذا ما يفسر أنه ورغم رصد المبلغ اللازم للمساحة المحددة، ورغم ضآلة المبلغ نسبياً، لكن ولغاية اللحظة لم يُباشر بالجانب التنفيذي، ما أُعلن عنه، وها هو العام الحالي يودعنا، ولا يزال المشروع أسير دوامة المراسلات والخطوات الإجرائية غير المبررة مطلقاً، مقارنة مع الوفورات المائية والنتائج الإنتاجية الاقتصادية المؤكدة التحقيق كلما أسرعنا بعملية التنفيذ!؟.

الدليل بالتفاصيل
ويا ليت الأمر كان يتوقف عند هذا الحد، أي عند موافقة الوزير والحاكم القابض على تلك الكتلة المالية، لا بل على مديرية المشروع بالوزارة، القيام بإعداد الآلية المقترحة لمنح الفلاحين قروضاً للتحول للري الحديث، علماً أن هناك مذكرة منجزة مكتملة الأركان، وإن احتاجت لتعديل، فليس بالتعديل الذي يذكر، كونها، وضعت على أساس الانطلاقة الجديدة المفترضة من اليوم الأول للعام الجاري!؟.
والأنكى من ذلك كان سيتم، وبعد رفع المذكرة لوزير الزراعة والحاكم، اطلاع الأخيرين عليها ودراستها، ليصار إلى إقرارها أو تعديلها إن وجدت ملاحظات عليها، وبعدها سيتم رفعها للرئاسة، لتعرض على اللجنة العليا للري الحديث!.
وأخيراً وفي حال التوصل إلى تبنيها ستأخذ اللجنة قرارها بمباشرة التنفيذ، إذ إن قرار اللجنة في هذا الخصوص يُعتبر نافذاً ولا يحتاج إلى تعليمات تنفيذية.
وبموجب ما تخلص إليه اللجنة، كانت ستقوم وزارة الزراعة– مديرية الري الحديث، بتوجيه كتب إلى فروعها في المحافظات وإلى الشركات العاملة في هذا المجال “الجاهزة للمباشرة”، وكذلك لمصرف سورية المركزي، للبدء بتطبيق المذكرة الموافق عليها أصولاً.
أصولاً.. نسأل؟
ومن بوابة أصولاً!، نلقي بتساؤلاتنا، ومنها، لماذا كل هذا التأخير للمباشرة والبدء بالتنفيذ، على الرغم وكما علمنا أن كل الدراسات الخاصة بالتطبيق على أرض الواقع منجزة وجاهزة منذ زمن!؟.
كما ولماذا لم تجتمع اللجنة العليا لمشروع الري الحديث لتقر ما يجب إقراره، وأوله نسبة الدعم التي ستقدم للمستفيدين من المشروع؟!. ولماذا لا يتم التعاطي مع” الري الحديث” بمثل ما يتم مع ” الزراعات الأسرية”، علماً أنها تشكل مع بعضها سلسلة متكاملة من مشروع واحد لا ينفصل في أهدافه ومخرجاته؟!.
خاصة وأن عداد فوات المنفعة المتنوع الأوجه والمطارح، لا يقف عن الدوران، ولعل التخوف الأول أن يُدوَّر المطلوب اتخاذه وإقراره إلى سنوات أخرى، في الوقت الذي ما نسبته وفقط كمثل ما يمكن تحقيقه من وفر مائي يصل إلى ما بين 35 و50%، لا يزال مهدور، هذا ناهيكم عن وفورات أخرى، في وقت لم يعد خافياً واقع وضعنا المائي!.

رسالة..
مؤشرات الأحوال المناخية هذا العام وماقبله، تؤكد وأكثر من أي وقت مضى، الحاجة الماسة للإسراع في تنفيذ المشروع الوطني للري الحديث وغيره من المشاريع الاستراتيجية، وما يفاقم الضرورة لهذا الخيار “الذي تأخرنا كثيراً في تبنيه رغم عظيم فوائده وجدواه المتعددة المجالات، مائياً وزراعياً واقتصادياً” نتائج دراسات الاستثمار الأمثل لمواردنا المائية المتاحة في ظل المتغيرات التي نشهدها من تعاظم للطلب على المياه، حيث يعد القطاع الزراعي المستهلك الأكبر للمياه في سورية، بنسبة تصل إلى نحو 89% من المياه المستثمرة فيها، وارتباط ذلك بالحاجة المضطردة للغذاء.
وعلى الرغم من التراخي المُكلف غير المفهوم والمبرر في توطين تطبيقات الري الحديث قبل الأزمة وإيقافه خلالها “في الوقت الذي كان الأجدر بنا تنفيذه ومتابعته على الأقل في المناطق الآمنة”، إلاّ أن مقولة “كل تأخيرة فيها خيرة” قد تكون نوعاً من المواساة التي تجعلنا نتغاضى عما سبق، ولاسيما بعد حزم الحكومة خميس لأمرها وقرارها بإعادة الحياة لهذا المشروع الوطني بامتياز، وما يجعلنا نتفاءل بهذا الحزم، استناده لتفهم واستيعاب حكومي، ربما غير مسبوق، لأهمية البدء بترجمة الاستراتيجيات الوطنية لتحقيق الأمن المائي والغذائي المستدام، أمن نلفت لضرورة الانتباه، أولاً وأخيراً، إلى أن القاعدة الرئيسة فيه تتوقف على نجاحنا في الاستخدام الرشيد للموارد المائية وتحديد الضوابط والمعايير الكفيلة بتحقيق ذلك، حيث لا تزال إدارتنا المائية تعاني ضعفاً في الاستثمار الأمثل لمواردنا المائية.
قسيم دحدل
Qassim1965@gmail.com