اقتصادصحيفة البعث

“الفاو” توثق (5,5) مليارات دولار أضراراً وخسائر.. وصفة مقترحات ومتطلبات لدعم مكونات الثروة الحيوانية وخطة تصنيع المواد العلفية رهينة سنوات الاعتمادات

أن تقدّر منظمة “الفاو” قيمة الأضرار والخسائر التي تعرّض لها قطاع الثروة الحيوانية في سورية بنحو (5,5) مليارات دولار، فإن ذلك يعني اعترافاً أممياً بما يشكله “نفط” الغنى الحيواني ومنتجاته، كمكوّن مهمّ من حقيقة الأمن الغذائي ومصدر أساسي لتوليد الدخل لقسم كبير من سكان الريف والمدن، ومساهمتها في تأمين البروتينات وإمداد الصناعة بالمواد الأولية، لرصيد لطالما ساهم بـ 23% من قيمة الناتج المحلي الزراعي الإجمالي حتى في سنوات الحرب الأولى و36% من قيمة الإنتاج الزراعي في الفترة 2001-2011.

في خصوصية قطاع القطعان ثمّة سجل من القيم المضافة التي تشهد لها عناصر توفير فرص العمل في كامل السلسلة من الإنتاج إلى التسويق، وتأمين القطع الأجنبي من صادرات المنتجات الحيوانية، إضافة إلى دورها المهمّ في الاقتصاد الوطني لمكونات الأغنام والماعز والأبقار والدواجن عدا الإبل والجاموس، وهنا التنوع سواء من حيث العروق والأصول الوراثية المتفوقة أو المنتجات ذات الميزة  التنافسية في الأسواق العالمية، وهذا ما تشكله بيئة البادية لعواس الأغنام السرحية، عدا المكوّنات الأخرى التي تتوزع أماكن تربيتها على المناطق الداخلية والساحلية والجبلية بشكل حيازة فردية أو منشآت (مزارع– مداجن).

إجراءات مطلوبة

أمام ذلك يرتفع منسوب الدعم الحكومي الذي توّجته موافقة رئيس مجلس الوزراء مؤخراً على المذكرة المعدّة من قبل وزراء (الزراعة، المالية، الاقتصاد والتجارة الخارجية، الصناعة) بخصوص مقترحات ومتطلبات دعم وتعزيز قطاع الثروة الحيوانية بكافة مكوناته، حيث تمّ تكليف الوزارات بالتنسيق مع الوزارات المعنية لوضع الإجراءات المطلوب اتخاذها حيال تنفيذ المقترحات، ليضاف إلى ميدان إعفاء مربي الدواجن والمباقر ومستوردي الأبقار بغرض التربية من كافة الرسوم والضرائب لمدة 5 سنوات. في وقت تقوم مؤسسة الأعلاف بتوزيع المقننات من (4– 5) دورات علفية في العام، وتستمر القروض العينية (أغنام، أعلاف، دجاج بياض، وحدات تصنيع ألبان وأجبان) من مشروع تطوير الثروة الحيوانية، كما تتواصل عمليات ترقيم وتسجيل الثروة الحيوانية بهدف توفير آلية لدعم مربي الثروة الحيوانية وتصويب الرقم الإحصائي.

ومما لا يمكن التغاضي عنه السماح لمستوردي الصيصان (جدَّات– أمَّات) بالاستيراد بغض النظر عن رخصة المدجنة، وتأمين مستلزمات الرعاية البيطرية واللقاحات مجاناً للمربين، مع الاستمرار بتنفيذ مشروع تدريج وتحسين الأبقار المحلية من خلال تقديم خدمات التلقيح الاصطناعي مجاناً.

وتورد المذكرة الصادرة عن وزارة الزراعة والتي حصلت عليها “البعث”  تأثر الثروة الحيوانية بالأزمة بشكل كبير، عندما انخفضت الأعداد نتيجة عمليات السرقة والتهريب والذبح العشوائي والارتفاع الكبير بأسعار الحيوانات الزراعية ومستلزمات الإنتاج وخاصة الأعلاف، وصعوبة تأمين وإيصال مستلزمات إنتاج السائل الآزوتي وقشات التلقيح الاصطناعي ومستلزمات المخابر البيطرية واللقاحات إلى بعض المحافظات والمراكز البيطرية في المناطق والقرى.

ومع خروج عدد كبير من المربين من العملية الإنتاجية كانت هناك صعوبة في تنقل القطعان بسهولة إلى مناطق الرعي والضغط الكبير على المراعي في المناطق الآمنة، بالتزامن مع صعوبة وارتفاع تكاليف نقل وتسويق المنتجات بين المحافظات، وتعرّض معظم مراكز ومحطات بحوث الثروة الحيوانية للتخريب والسرقة، ومعظم المؤسسات الإنتاجية (المباقر– الدواجن) للسرقة والتخريب مما تسبّب بخروجها من الاستثمار، بالتزامن مع توقف بعض منشآت التصنيع التي تعتمد على المنتجات الحيوانية، وضعف التمويل وصعوبة الحصول على القروض.

نماذج الدعم

وتأتي مذكرة “الزراعة” في مجال دعم المؤسسات الإنتاجية والخدمية والتوسع فيها، لتقدم نموذجاً يرتبط بالمؤسسة العامة للمباقر التي شهدت إعادة تأهيل وتطوير المنشآت التابعة لمؤسسة المباقر وزيادة الطاقة الاستيعابية لها، والاستفادة من القيمة المضافة التي توفرها عملية تصنيع المنتجات الحيوانية، واستبدال القطيع في المنشآت التابعة للمؤسسة بسلالات عالية الإنتاج، مع التعاقد على استيراد أبقار عالية الإنتاج (8000) رأس من البكاكير وبمواصفات عالية وتوزيعها على المربين لتعويض النقص الحاصل بقطيع الثروة الحيوانية وخلق فرص عمل للأسر الريفية، حيث تمّ لتاريخه استيراد /4511/ رأساً وتوزيعها على المنشآت التابعة للمؤسسة والمربين بأسعار تشجيعية نقداً بنسبة 35% وتقسيطاً بنسبة 30%.

وفي ميدان الدواجن تمّ إعادة تأهيل عدد من المنشآت (حمص، حماة، صيدنايا، صلخد)، وتنفيذ مشروع معمل كرتون لأطباق البيض في طرطوس، في حين كان للمؤسسة العامة للأعلاف نصيب من حيث إعادة تأهيل معمل أعلاف عدرا، والبدء بإعادة تأهيل معمل أعلاف تل بلاط في محافظة حلب، وتخفيض سعر مادة النخالة من 60 ليرة إلى 40 ليرة للكغ والذي كان له أثر إيجابي كبير تمثل بـ(زيادة مبيعات المؤسسة بمقدار (19) ضعفاً- زيادة كافة مبيعات المواد العلفية المرتبطة بمادة النخالة- انخفاض التكاليف المالية نتيجة الاستغناء عن مستودعات التخزين).

عديد الفوائد

ومما أتت عليه المذكرة تقديرات باحتياج الثروة الحيوانية من المواد العلفية بــ/12/ مليون طن، منها /5/ ملايين طن أعلاف مركزة. حيث تُقدّر الطاقة التصنيعية الحالية للمؤسسة بــ/125/ ألف طن، ويتوفر لدى المؤسسة /120/ مركزاً للبيع موزعة حسب حاجة وتواجد الثروة الحيوانية وبطاقة تخزينية قدرها /800/ ألف طن موزعة ما بين مستودعات وعراءات. ويتبع للمؤسسة /6/ معامل لتصنيع المواد العلفية موزعة في محافظات (دمشق- حمص– طرطوس– حماة– حلب)، إضافة إلى /4/ مراكز لاستلام وتجفيف الذرة الصفراء موزعة في محافظات (حلب- الرقة– دير الزور– الحسكة) وكذلك صومعة تخزينية بطاقة /15000/ طن في محافظة الرقة، تعرض منها للسرقة والتخريب /85/ مركزاً للبيع- /4/ مركز لتجفيف الذرة الصفراء- /2/ معمل للتصنيع- صومعة للتخزين.

وبالتالي فإن التحوّل بعمل المؤسسة لتصنيع المواد العلفية الجاهزة سينعكس بشكل إيجابي على قطاع الثروة الحيوانية من خلال تأمين الأعلاف ذات القيمة الغذائية العالية في أوقات الحاجة مستفيداً من توفر المادة الأولية في أوقات إنتاجها وبسعر مقبول، عدا الفوائد المتعددة للتغذية بالعلف المصنّع من حيث سهولة التداول وتقليل الهدر، والاستفادة من كافة المكونات العلفية وتحـسين كفاءة التـحويل الغـذائي، والتخلص من معظم المكروبات والفطريات بما ينعكس إيجاباً على الصحة الحيوانية بشكل عام.

وحتى يتمّ التنفيذ سارعت وزارة الزراعة لوضع متطلبات تنفيذ خطة تصنيع الأعلاف، من إعادة تأهيل المعامل التي تعرّضت للتخريب والسرقة مع تطويرها وتحديثها، وإنشاء معامل أعلاف جديدة توزع حسب حاجة وحجم الثروة الحيوانية بالمحافظات، إلى إنشاء صويمعات لتخزين المواد الأولية اللازمة لتشغيل هذه المعامل حسب الطاقة الإنتاجية، وإنشاء معمل في المنطقة الوسطى لتصنيع العبوات اللازمة لتعبئة إنتاج معامل المواد العلفية المصنّعة، وإنشاء البنى التحتية للمواقع المراد إنشاء المعامل فيها (المباني- المستودعات– الساحات)، وتأمين شاحنات وسيارات ومعدات هندسية لتشغيل هذه المعامل وتخديمها، مع إعادة تأهيل المواقع والمراكز التي تعرّضت للتخريب والسرقة من قبل العصابات الإرهابية. وكي يتحقق ذلك أعدّت المؤسسة خطة لتنفيذ ما ورد أعلاه على مدى خمس سنوات أو عشر سنوات حسب توفر الاعتمادات.

 

قروض تعاونية

في الشق المتعلق بدور وزارة المالية حول منح القروض طويلة الأجل بفوائد مخفضة، يبرز أداء المصرف الزراعي التعاوني بمنح القروض طويلة الأجل لغاية إنشاء مشاريع لتربية الثروة الحيوانية وبفوائد مخفضة (11% للقطاع التعاوني- 12% للقطاع الخاص والمشترك)، كما أن تخفيض معدلات الفائدة حسب المقترح الوارد (4%- 6%) يحتاج إلى جهة تتحمّل الفارق بين ما يتقاضاه المصرف حالياً وبين هذا المعدل، كون الفائدة المطبّقة حالياً لا تغطي سوى تكلفة القرض يضاف إليها هامش ربح بسيط لا يتجاوز (1- 2).

وتعد “المالية” بتخفيض الرسوم الجمركية للمواد التالية (الذرة الصفراء، بذور فول الصويا) عند إعداد وزارة المالية مشروع تعديل التعرفة الجمركية لتصبح خاضعة لرسم جمركي (1%)، إلا أنه لا يمكن إعفاء مستوردي المواد العلفية من الرسوم والضرائب، نظراً لتداخل المواد الأولية مع العديد من العمليات الإنتاجية الأخرى التي قد تسبّب استخداماً غير مرغوب للإعفاء، في حين يمكن إعفاء الآلات والتجهيزات المستوردة لإقامة منشآت تصنيع المنتجات الحيوانية من كافة الرسوم والضرائب شريطة استخدامها حصراً في أغراض المشروع، وعدم التخلي عنها إلا بعد دفع الضرائب والرسوم المترتبة عليها اصولاً، واعتماد هذا المقترح يحتاج إلى نصّ تشريعي.

وحول إجراءات ترخيص المنشآت وإعفاء معامل تصنيع المنتجات الحيوانية من ضريبة الدخل لمدة خمس سنوات، بيّنت وزارة المالية بأن الإعفاء في مثل هذه الحالة ليس من المحفزات الأساسية لإقامة مشاريع، وبالتالي تعذر تلبية هذا المقترح، ولاسيما أن فرض أيّ ضريبة أو منح أي إعفاء يحتاج إلى نص تشريعي، علماً أن وزارة الاقتصاد قامت باعتماد الأسعار الاسترشادية للذرة الصفراء/150/ دولاراً أمريكياً- كسبة فول الصويا /325/ دولاراً- بذور فول الصويا /375/ دولاراً للطن الواحد من كل مادة.

وتظهر إجراءات وزارة الإدارة المحلية عبر إخضاع إجراءات التراخيص لأحكام بلاغ رئاسة مجلس الوزراء رقم 4/ب لعام 2017، والذي تمّ تمديد العمل به مؤخراً لمدة عام من تاريخ 21/3/2018، والموافقة على تمديد فترة تسوية أوضاع منشآت الدواجن فترة إضافية نظراً لصعوبة تأسيس ونقل وتسوية أوضاع هذه المنشآت.

كل ذلك ووزارة الزراعة تقوم بمنح التراخيص الخاصة لإقامة منشآت الثروة الحيوانية (دواجن، مسامك، أبقار، تسمين، أغنام أو عجول…) بموجب البلاغ 24/15/ب لعام 2014 الصادر عن رئاسة مجلس الوزراء وفق الشروط الفنية والقرارات الناظمة أصولاً، علماً أن مشاريع الثروة الحيوانية لا تحتاج لاستثناء من تعليمات دليل مخططات تصنيف الأراضي وتحديد مقدرتها الإنتاجية، حيث تمّت الموافقة على كافة المشاريع المطلوبة.

ومع أن منشآت الثروة الحيوانية تحتاج إلى ترخيص إداري وهو من مهام الوحدات الإدارية، إلا أن المربين يشكون من ارتفاع تكلفة الترخيص وتقدر تكلفة رخصة إنشاء (المبقرة أو المدجنة) بـ/1500- 1650/ ألف ليرة لمنشأة بمساحة /1000/ م2.

وللمساعدة في إيجاد قنوات التسويق في الأسواق الداخلية والخارجية تقوم وزارة التجارة الداخلية بشراء الفائض من المنتجات وبسعر يراعي الكلفة الحقيقية للمنتج وطرحها للبيع بشكل غير مباشر للحفاظ على استقرار الأسعار وتحقيق مصلحة المنتجين والمستهلكين، بالتزامن مع تأكيدات  وزارة الاقتصاد بأن التعليمات الصادرة بشأن السماح بتصدير بيض الأمات المعدّ لتفقيس صوص الفروج كافية ولكن المشكلة في شحن المادة بالسرعة المطلوبة، إضافة إلى إعطاء تسهيلات للنقل من حيث (أجور النقل، أفضلية الشحن) لتسهيل العملية ووصول المادة بالوقت المحدّد وضمن المواصفات المطلوبة.

حوامل الطاقة

توثق دراسة “الزراعة” بأن تعرفة الكهرباء المخصّصة للقطاع الزراعي مدعومة، حيث يبلغ  وسطي التعرفة بين (12-14) ليرة/كيلو واط ساعي، في حين وسطي تعرفة المبيع للقطاع الصناعي والحرفي والتجاري (32,5 – 33,5) ليرة/كيلو واط ساعي، ليأتي ميدان التشدد بمنع تهريب الحيوانات والذبح الاضطراري والعشوائي، حيث نظّم القرار رقم (2679) تاريخ 14/12/2016 الصادر عن (وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك) موضوع الذبح العشوائي والذي يتمّ خارج المسالخ المعتمدة أصولاً، حيث منع التعامل باللحم المذبوح خارج المسالخ المعتمدة أو غير المراقبة أصولاً. مع التنسيق بين وزارتي التجارة الداخلية والداخلية للإيعاز لمن يلزم لإيقاف تهريب الفروج التركي من محافظة حماة بإحداث نقاط تفتيش ثابتة في المعابر وخاصة (السعن، قلعة المضيق، معبر كوكب) والتي من شأنها تحقيق الغاية المرجوة والحدّ بشكل عام من تهريب اللحوم عن طريق تلك المعابر، كما تمّ الإيعاز إلى المفارز الموجودة في بعض النقاط الداخلية للتشدّد في عمليات المراقبة للحدّ من هذه الظاهرة، في وقت أصدر مكتب الأمن الوطني التعميم رقم 4495/4/ت.م تاريخ 16/7/ 2018 على وزارة الدفاع والأجهزة الأمنية لتسهيل نقل المنتجات والحيوانات الزراعية وتنقل القطعان للرعي.

علي بلال قاسم