تحقيقاتصحيفة البعث

لننتبه لمخاطرها… المتغيرات السلوكية والمجتمعية تهدد مستقبل الأطفال.. والدور التوعوي للمدارس فعال من أجل تثقيفهم

تدعو المتغيرات الأخلاقية والسلوكية التي نشهدها مؤخراً، والتي فرزت العديد من المشكلات في واقعنا حالياً، إلى ضرورة التنبه والاستيقاظ لما يجري حولنا، وخاصة فيما يتعلق بانتهاك حرمة الأطفال، وتعرّضهم للاعتداء والخطف والعنف، لذلك كان لابد من التوجه إليهم وتعليمهم كيفية المحافظة على أنفسهم من الغرباء، أي الأشخاص الذين لم يقابلوهم من قبل، ولأن مدارسنا لم تع إلى الآن أهمية وجود فترة مخصصة لتوجيه الأطفال وتعليمهم كيفية حماية أنفسهم من تلك الظواهر، فإن المهمة تلقى على كاهل الأهل الذين يجب أن يوضحوا لأبنائهم الفرق بين البالغين  الممكن الوثوق بهم مثل الوالدين، وبعض الأقارب، وبعض المدرّسين، بالإضافة إلى مناقشة الطفل عن بعض الغرباء، والأساليب التي يمكن أن يستخدموها للتقرب من الأطفال، ومحاولة إيذائهم، فتوعية الطفل يمكن أن تبدأ في سن الثالثة تقريباً، حيث تكون قدرة الطفل على الاستيعاب جيدة، وتتدرج في كمية ونوعية المعلومات التي نقدمها حسب سن الطفل واستيعابه.

تعتيم تربوي

تعليم الأطفال حماية أجسادهم “التربية الجنسية” ليس مهمة سهلة، وهي لا تأتي في صورة محاضرة، بل تكون تلقائية، وعلى الأهل اقتناص الفرص لتحويلها إلى مجالات تعليمية، كأوقات غير متوقعة مثل دخول الحمام، أو التعليق على مشاهد في التلفزيون، أو التعليق على مظاهر الحمل والرضاعة، أو “تحميم” الأخ الأصغر، أو تبديل غياراته، أو سيدة حامل أو ترضع طفلها، أو أثناء قراءة القصص، ومن الكتب المخصصة للأطفال في التوعية ضد التحرش الجنسي، دكتورة الاجتماع مها سلطان تؤكد أن التثقيف الجنسي للأطفال لا يقصد به الإباحية، وإلغاء القيود على محادثاتهم وتعاملاتهم، بل تهذيبها، وهذا سبب توجه الغرب نحو وضع منهج للتربية الجنسية في المدارس، ورغبتهم في منع الممارسات الجنسية غير القانونية، أو غير الشرعية في مجتمعاتهم، وحماية من هم دون سن الزواج من التحرش، حيث لا يمكن وجود هذه الحماية بالتعتيم والصمت، بل بالعلم الذي يمحو الجهل، ويلبي الفضول الذي قد يؤدي إلى هوجائية التصرفات، وقد أثبتت البحوث والدراسات الاجتماعية الحديثة التي قامت بها منظمة اليونسكو 2007، أن التربية الجنسية تؤدي إلى تأخير ظهور السلوك الجنسي عند الأطفال، واتسامه بمزيد من المسؤولية.

خطوط التواصل

التحرش هو كل محاولة يتعرّض لها الطفل من آخرين، سواء بالفعل، أو القول كالتلامس الجسدي معه، أو الحديث الذي يحمل تلميحات غريبة وغير لائقة أخلاقياً، وتتابع سلطان: كل هذه المسببات تدفع الطفل إلى عالم من الخوف والرعب، وتؤثر على حالته النفسية سلباً، وتفقده الثقة بالكبار المحيطين به، والمشكلة هنا تكمن في عدم قدرة الطفل بالتصريح عما تعرّض له، ويخشى إبلاغ أهله أو والديه خوفاً من العقاب، ويبتعد عن تجمعات أقرانه من الصغار، وقد تنتابه كوابيس مفزعة أثناء النوم، وربما ينتهي به الحال في إحدى غرف المستشفيات النفسية، لذلك يجب على الأهل أن يقدموا لأبنائهم النصائح، وألا تكون هناك أسرار، بل يجب تشجيع الطفل على إخبار الأهل بكل شيء يحدث معه، ويشعره بالخوف، أو الضيق، أو عدم الراحة، والحرص على إبقاء خطوط الاتصال مفتوحة، فهذا سيجعل الأطفال أكثر قدرة وراحة على إبلاغ الأهل بأن أمراً غريباً حدث معهم قبل أن يتحول إلى مشكلة، ولعل أهم الإجراءات التي يجب إدراكها تتعلق بضرورة تحفيظ الطفل اسمه الكامل، وعنوان منزله، ورقم الهاتف، والتأكد أنه يحفظها بين كل فترة وأخرى، ما يسهل عليه أو على أي شخص يحاول مساعدته مثل الأمن أو الشرطة للاتصال عند وقت الحاجة، ومن المعلومات الهامة التي يجب على الطفل حفظها الاستعانة بالشرطي، أو أي شخص يرتدي لباساً رسمياً، او بامرأة معها طفلها، وأن يبقى قريباً من المنطقة التي كان والداه متواجدين فيها معه آخر مرة.

اتخاذ القرار

لا نستطيع تجاهل أهم وأخطر وسيلة يمكنها أن تسبب التحرش بالأطفال وهم في عقر دارهم، بل تقدم لهم الكثير من الإيحاءات والألفاظ، وهي الأنترنت، وأجهزة الحاسوب، دكتور علم النفس أحمد الموصلي يكشف عن أهم الخطوات التي يجب اتخاذها في هذا الشأن، وهي وضع الكمبيوتر في مكان مشترك في المنزل مقابل غرفة الجلوس، حيث يسهل عليهم مراقبة صحة استعمال الطفل للكمبيوتر، وإذا كان في البيت أكثر من طفل، وكانت هناك حاجة إلى أكثر من كمبيوتر في المنزل نفسه، يكون من المستحسن أن يستعمل الأطفال الكمبيوتر المحمول لاستخدامه في غرفة الجلوس بوقت واحد، الشاشات أيضاً قد تكون متحرشاً، لذلك يجب ترشيد مشاهدة التلفزيون، ومراقبة استخدام الطفل له، لأن إدمان المشاهدة يولّد الرغبة في الفعل، أما فيما يتعلق بتربية الأهل وتوجيهاتهم لأطفالهم، يضيف الموصلي، فلابد من أن يقرر الطفل كيفية تعبيره عن مشاعره كعدم فرض تقبيل وضم العمات والأعمام إذا كان ذلك لا يروق له، ورغم أن هذا يمكن أن يضايق الأم والأب، إلا أنه يقوي الطفل في مواجهة أية ملامسة غير طبيعية من أي شخص غريب.

 

أعراض واضحة

غالباً يطلب المتحرشون من الطفل مساعدته في العثور على حيوانه الأليف الضائع، أو مساعدة الطفل في حمل أشياء، وهنا على الأطفال معرفة أن الكبار لا يطلبون مساعدة الصغار بالعادة، وخصوصاً إذا كان هذا التصرف من الغرباء يعتبر خاطئاً ويجب عدم الاستجابة له، ويكمل الموصلي: في حال تعرّض الطفل للتحرش تظهر عليه أعراض عديدة كاضطرابات النوم، والشهية للطعام، والتبول اللاإرادي، والإفراط في البكاء والحزن، بالإضافة إلى العزلة عن الأهل والأصدقاء، فالطفل سيكون مختلفاً تماماً قبل التحرش وبعده، ما سيجعل الأم تلاحظ أن هذا التغيير واضح عليه من حيث حب الانطواء على الذات، والعزلة، والابتعاد عن الآخرين، وعدم التفاعل في النشاطات اليومية المعتادة، كما سيكون شارداً معظم الوقت، ويتملكه شعور بالنقص، وعدم تقدير الذات، وغياب الرغبة بالتفاعل الاجتماعي مع الآخرين، وفي حالات نادرة قد تلاحظ الأم انحرافات سلوكية على الطفل من حيث الميل للشذوذ، ومحاولة التحرش بأبناء في سنه التقريبي.

محظورات للحماية

على كل أم إخبار أبنائها بأن الملامسة الجسدية ممنوعة تماماً، أو الاقتراب منها من أي شخص كان، وفي حال حاول أحد لمسه بغرابة يجب إخبار والديه فوراً، وذلك من خلال تطمينات بأنه لن يتعرّض للعقاب في حال الإخبار، المرشدة النفسية ناهد حيدر تقول: يجب تحذير الأبناء من الانفراد مع أي شخص بالغ في مكان منعزل بعيد عن الآخرين، أما في حال كان في المدرسة فعليه الذهاب للحمام في فترة الفسحة المدرسية، وليس أثناء الحصص الدراسية، حيث من الممكن أن ينفرد به أحدهم ممن هم أكبر سناً منه، ولابد من غرس روح الدفاع في نفس الطفل، وأن الشخص المعتدي جبان لا يقدر على فعل شيء، وتفهيم الطفل أن جسده ملك خاص به، ولا يجوز لأحد الاعتداء عليه، بالإضافة إلى إحاطته بالحب والحنان والإشباع العاطفي حتى لا يبحث عنها عند شخص آخر وينخدع بذلك، ولا يمكن السماح للطفل بالذهاب للأماكن العامة وحده كالأسواق، والملاهي، والمطاعم، أو النوم في بيوت الأقارب والأصدقاء، فأغلب قصص التحرش تحدث هناك، ومن غير المسموح أن يستجيب الطفل لدعوة رجل غريب يقترب منه في سيارته، أو أية وسيلة يغريه بها، وخاصة تلبية دعوة الإغراءات المادية والمعنوية التي قد يقدمها له أحدهم.

ميادة حسن