صحيفة البعثمحليات

زوابع الثقافة!

 

تسلّلوا إلى سجلات الكتّاب والأدباء والشعراء واعتلوا المنابر التي فقدت بوجودهم جمهورها، وباتت أكثر ابتعاداً عن ميادين الثقافة خاصة مع ضبابية المعايير وتمادي المحسوبيات في قهر الكفاءات والإبداعات، وتزوير الوقائع بشكل أتاح لبعض مكوّنات الطبقة المثقفة وتحديداً النسخ المزوّرة..الإمعان في انتهاك الهوية الفكرية الأدبية والتلاعب بالقيمة الإنسانية والثقافية!.
ولاشك أن تدهور الواقع الثقافي وتراجع الذائقة الأدبية في المجتمع كان من بين العوامل التي سهّلت لهؤلاء الاستيلاء على مقاعد المؤسسات الثقافية واتحاد الكتّاب من أبواب الحداثة والعصرية المصحوبة بزوابع الدعم غير المحدود والغايات غير “المحمودة”، فتصدّروا الصفحات والشاشات وباتت المنابر تصدح بمنتجاتهم والمكتبات تزخر بكتبهم وإبداعاتهم التي لا تستفز سامعها أو قارئها فقط، بضحالة مستواها وهبوط قيمتها الثقافية والفكرية، بل وتدخله في غيبوبة فكرية وحالة من العصف الذهني والهذيان الدائم بعبارة “حسبي الله ونعم الوكيل”!.
وما يؤلم أكثر أن التعرّف على شخصية من يحمل حقيبة إبداعاته الأدبية ويتنقل بها من دار نشر إلى أخرى ومن مركز ثقافي إلى آخر بحثاً عن سامع لهلوساته وخواطره أو قارئ لمخطوطاته وكتبه، يكشف حقيقة تلك الشخصيات المشغولة دائماً في إنتاج الطلاسم التي كانت سبباً في عزلة المراكز الثقافية وهجرة الناس لمقاعدها، والأخطر من ذلك كله اللغة الوضيعة التي تستخدمها مكوّنات هذه الطبقة المثقفة والتي تبيّن عدم معرفتها بأبسط القواعد اللغوية وحتى الإملائية. لكن وللأسف هذه الحقائق لا تملك القدرة على انتزاع ريشة الأديب أو الشاعر منها أو حتى التأثير على عضويتها في اتحاد الكتّاب الذي احتضن أعمالها ووضعها في خانة الإنجاز والتعداد الرقمي!.
ولاشك أن ما حدث ويحدث على الساحة الثقافية، مع احترامنا لقاماتها الفكرية والأدبية، يحدث على الساحة الإعلامية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها من الميادين المكتنزة بالشخصيات ذات الريش والتي تُمنح تذاكر الدخول إلى مناحٍ جديدة بصورة غير شرعية ودون الأخذ بالمعايير التي يتمّ تجاوزها بطريقة بهلوانية، وطبعاً تشابه الأوجاع والأمراض في كل القطاعات يمنحنا فرصة التعميم المشفوع بوجود الشخصيات المبدعة التي وإن تمّ إقصاؤها وحرمانها ونتف ريشها، إلا أن حضورها حقيقي بعملها وإخلاصها وإنتاجها ورفضها حجز تذاكر الطائرات المهاجرة.
ويكفي أن نرى كتاباً يصدر عن دار نشر أو سواها مليئاً بالنواقص والعيوب والأخطاء، لندرك حينها أن هذا الكتاب نُشر بلا أسس، فهناك من طبعه ومرّر مضمونه بمعابر غير شرعية بتواطؤ الرقابة الفكرية والأدبية التي لابد من مساءلتها بتهمة تشويه الحياة الثقافية وفتح الأبواب على مصراعيها أمام ممتهني ومتسلقي المنابر!!.
بشير فرزان