اقتصادصحيفة البعث

قاطرة النمو تنتظر من يقطرها..! وزارة الصناعة على محك استدراك أخطاء الماضي.. والآمال معقودة على الوزير الجديد

لم ينل عمل وزارة الصناعة خلال السنوات الماضية الرضا الكافي من أهل الخبرة الذين اتهموها بالتقصير وعدم القدرة على ترميم الترهل والضعف الناتج عن الأزمة التي مرّت بها سورية، ليعقد الكثيرون الآمال اليوم على وزارة الصناعة بوزيرها الجديد، لعلّ وعسى يستطيع انتشال الصناعة السورية من حالة الركود والأخذ بيدها إلى مصاف الصناعة العالمية من خلال اتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة لمعالجة آثار ونتائج الأزمة بشكل كامل، وتقديم التسهيلات اللازمة للصناعة الوطنية كي تكون قادرة على الإنتاج مرة أخرى، والمساهمة بقوة في النهوض بالاقتصاد السوري من جديد.

أولويات

يجمع الكثيرون على ضرورة إعادة النظر بشكل فعلي وحقيقي بعمل وزارة الصناعة دون مواراة لأحد، حيث أكد عضو مجلس إدارة المؤسسة العامة للصناعات الكيميائية غسان السوطري أن الصناعة هي من أهم القطاعات التي تحمي المواطنين من الفقر، لأنها تؤمّن فرص عمل وتحقق منتجاً يستفيد منه الجميع، لكن وزارة الصناعة على مدى سنوات لم تقم بواجبها الكامل تجاه الصناعة السورية، وخاصة بعد أن بدأ القطاع العام بالترهل وعدم تجديد خطوط إنتاجه، وضياع الوزارة بتفاصيل صغيرة وعدم رسم استراتيجيات صناعية للصناعة السورية على المدى الطويل، إذ يقوم كل وزير بنسف ما كان قبله ويبدأ من الصفر، إضافة إلى أن وزارة الصناعة رغم أنها معنيّة بالقطاع العام، إلا أنها لم تحاول تطويره، إذ كان الهدف من القطاع العام رفد الخزينة العامة فقط دون تحديثه. وأكد السوطري أن المطلوب اليوم من وزارة الصناعة الدراسة الموضوعية لكل مؤسسة وشركة على حده، وتشكيل لجان فنية مختصة، ووضع دراسات للنهوض بها بما يعتمد على توفر المواد الأولية وتحقيق قيمة مضافة، كذلك لابد من إيجاد مواقع أو مؤسسات لصناعة المواد الأولية الداخلة في الصناعة السورية كي نتخلى عن الاستيراد، مع ضرورة اعتماد قوانين جذب مستثمرين وطنيين أو أصدقاء لهذه المشاريع كي نعيد الصناعة السورية لسكتها الصحيحة. وأشار السوطري إلى الأخطاء التي ترتكبها وزارة الصناعة بالنسبة للقطاع الخاص وافتقادها للخارطة الأساسية لهذا القطاع، فهي ليست مسؤولة عنه سوى بمنح التراخيص، فالقطاع الخاص يجب أن يكون مُتابعاً بأدق تفاصيله من قبل الوزارة لإنتاجه وتسويقه حسب الاحتياجات الأساسية للبلد، وهذا يتطلّب التكامل بين عدة وزارات، كذلك لا بد من إعطاء المرونة للمؤسسات والشركات والمحاسبة على النتائج وعدم ربط الأمور التفصيلية بوزارة الصناعة، إضافة إلى ضرورة تحميل المؤسسات مسؤولياتها عن شركاتها.

الابتعاد عن التفاصيل

وأيّد عضو مجلس إدارة المؤسسة العامة للاسمنت خلف حنوش حديث السوطري بضرورة ابتعاد وزارة الصناعة اليوم عن التفاصيل غير المجدية، وأن تتجه للعمل الذي تتطلّبه مرحلة إعادة الإعمار، كذلك على الوزير الجديد أن يضع نصب عينيه أهمية القطاع العام لما قام به وقدمه خلال الأزمة، وأن يولي الأهمية الكبرى لقطاع الاسمنت الذي يشكّل ضلعاً أساسياً في صناعتنا ويعاني من مشكلات جمّة، أهمها عقد فرعون المزعوم لتطوير صناعة الاسمنت باسمنت عدرا وطرطوس الذي لم يحقق أية نتائج ملموسة في اسمنت طرطوس من حيث زيادة الإنتاج وتطوير وتدريب العاملين، بل على العكس تستطيع الكوادر الفنية في اسمنت طرطوس تحقيق الأرقام الإنتاجية التي زعم فرعون تحقيقها، لذا فإن فسخ هذا العقد هو من الأولويات اليوم التي يجب أن تقوم بها وزارة الصناعة، ناهيكم عن أهمية العمل على جلب خطوط اسمنت جديدة لاسمنت الشهباء، إذ لم يتمّ حتى اليوم تأهيل الشركة العربية للاسمنت نتيجة الترهل سواء من إدارة المؤسسة أو من الكادر الإداري الموجود في الشركة، والذريعة دائماً عدم توفر السيولة أو الملابسات بالعروض المقدمة.

رؤى جديدة

في المقابل لم ينكر الخبير الاقتصادي محمد كوسا حالة الترهل الكبير التي تصيب الصناعة السورية، حيث اعتمدت وزارة الصناعة على مرّ العقود على الحلول الفورية الجاهزة والتي لا تؤدي لإنقاذ الصناعة وحلّ مشكلاتها، بل هي مجرد حلول آنية تنتهي صلاحيتها بسرعة، لذا ينبغي على الوزارة اليوم القيام بحلول جوهرية وأن تعيد النظر بوظيفتها الأساسية في المستقبل، وأن تخرج من ذهنية الماضي وعدم التقيّد بشروط وقوانين صعبة قيّدت نفسها بها، إضافة إلى ضرورة تنظيم الصناعة في القطاع الخاص وتوجيهه إلى احتياجات السوق، إذ يوجد اليوم صناعات كثيرة غير مجدية اقتصادياً وتشكل عبئاً على الاقتصاد، كذلك ينبغي على الوزير الجديد إعادة هيكلة الوزارة إدارياً وتنظيمياً كي تعيد للصناعة السورية موقعها عالمياً، ويكون البدء بالتنظيم ووجود فريق آخر مع الوزارة لإعادة هيكلة الصناعة السورية من خلال إقلاعها ضمن الإمكانات الموجودة، إضافة إلى مسألة مهمّة وهي إعادة النظر بالصناعات القائمة من حيث الدمج أو الإلغاء المفترض أن يكون من أولويات الوزارة اليوم.

شلل صناعي

لا بدّ من الانطلاق أولاً لحلّ مشكلات هذا القطاع الذي تراجع نتيجة الضعف في التطبيق لسياسات هذا القطاع وكثرة الفساد فيه، وإضعاف التسويق لمنتجاته والعمل على إضعاف السوق المحلية، مما جعل القطاع الصناعي الخاص يتصدّر السوق، وهذا ما أضعف هذا القطاع العام الصناعي وأدى إلى شبه حالة شلل لا يحسد عليها، برأي الخبير الاقتصادي الدكتور محمد ناصر، لذا لا بد اليوم من أن تقوم وزارة الصناعة بتقديم قروض قصيرة وبشروط ميسرة للمنشآت الصناعية المتعثرة حالياً لاستخدامها كرأسمال عامل من أجل تحريك الإنتاج والأسواق والمحافظة على وجودها والعاملين فيها، وإعطاء مسألة التمويل الصناعي بكافة مستوياته، المتناهي الصغر والصغير والمتوسط، الاهتمام المطلوب من المصارف والصناديق العامة والخاصة وبشكل خاص ما يتعلّق بتسهيل شروطه وضماناته، مع التأكيد على أن تكون المنشأة الصناعية بآلاتها وتجهيزاتها وبنائها هي ضمانة القرض المطلوب، باعتبار أن مخاطر إغلاق المنشآت الصناعية كلياً أو جزئياً أو تراجع النشاط الصناعي أكثر ضرراً وخطراً من الناحية الاقتصادية والاجتماعية على الاقتصاد الوطني من تأخر تسديد القرض أو إعادة جدولته، كذلك يجب اتخاذ إجراءات فعّالة لمواجهة التهريب وحالات التلاعب والفساد المعروفة في إدخال المستوردات، وبشكل يترافق مع التزام واضح من قبل الصناعيين بمراعاة موضوع السعر المنافس والجودة المطلوبة وخدمة ما بعد البيع وبتسهيلات الشراء، وتجنّب تخفيض نوعية المنتجات الوطنية لتخفيض كلفتها وسعرها لمنافسة البضائع المستوردة ما يؤدي إلى الإساءة إلى سمعة الصناعة الوطنية ومصداقيتها محلياً وخارجياً.

ميس بركات