اقتصادصحيفة البعث

شجرة الزيتون بين العناية الرسمية والشكاوى الشعبية

 

 

يشتهر قطرنا العربي السوري بإنتاج زيت الزيتون، ومرتبته المتقدمة جداً في إنتاجه، تحوم حول الخمسة الأوائل من بين بلدان العالم، ويكاد يكون المحصول الرئيسي لمئات آلاف المزارعين، ومصدر دخل متميزاً لآلاف معامل العصر الموسمية ولجميع العاملين بهذا الموسم، خلال أشهر قليلة من العام، إلا أن ظاهرة إنتاج شجرة الزيتون رهن المعاومة منذ عقود خلت، حيث الإنتاج الجيد في عام يعقبه إنتاج ضعيف في العام التالي، وغالباً ما يحوم حول ربع الموسم السابق، إلا أن هذه المعاومة المعهودة انقلبت خلال موسم عام 2018 (وهو العام المعاوم) إلى ما يقارب العدمية، في محافظتي اللاذقية وطرطوس والريف الغربي لمحافظات حمص وحماة، إذ كان الإنتاج أقل من ربع المتوقع، وافتقدت آلاف الأسر إمكانية تحضير مخلل الزيتون، نظراً لافتقاد الحبة الخضراء، وأنا كمزارع بسيط اعتدت أن أخلل نحو 100 كغ حب زيتون أخضر كل عام، وأهدي لأصحابي ما يقارب ذلك، إلا أنني لم أستطع تخليل حبة واحدة. والغريب في الأمر أن نسبة الزيت الناتجة من العصر كانت قليلة وذات نوعية رديئة، وكثير منها غير صالح للاستهلاك البشري، وبدلاً من أن يملأ زيتون الساحل الأخضر أسواق الهال في حمص وحماة، أصبحت أسواق الهال في الساحل تسوق القادم من حلب ومن الريف الشرقي لمحافظتي حمص وحماة.
الملفت للانتباه أن جني الزيتون خلال هذا العام تمّ مبكراً، بقرابة 50 يوماً عن التوقيت المعهود، نظراً ليباس الحبة وهي على الشجرة، بل إن بعضهم لم يجنِ زيتونه، إذ تبيّن له أن قيمة الإنتاج لا تقارب الجهد المبذول أو الأجر المدفوع، وهذا الإنتاج الرديء لم أعهده طيلة حياتي (وأنا في السبعين من عمري، ويشهد بذلك من هم أكثر عمراً)، ويعزوه البعض لعوامل مناخية أسفرت عن تكاثر ذبابة الزيتون بكثافة، غلبت على حبات الزيتون القليلة، وضعف قيام المزارعين باستخدام الرشوش العلاجية، ما مكّن الذبابة من أن تمتصّ الحبة وهي في طور النمو، في حين يعزوه البعض لتلوث بيئي أو أمطار حامضية شهدتها المنطقة، عدا عن الشكوى الثابتة بخصوص مرض عين الطاووس، والذي تتمّ مكافحته حالياً بتطعيم الغراس القديمة بنوعية (وغرس غراس جديدة) مقاومة لهذا المرض.
هذا الموسم الرديء الغريب من نوعه، دفع السيد رئيس مجلس الوزراء لتشكيل فريق عمل في محافظة طرطوس لدراسة واقع شجرة الزيتون بدءاً من الغراس وانتهاء بتسويق إنتاجها، وقد أعدّ هذا الفريق مذكرة تفصيلية، تضمنت توجيه المزارعين لتجديد الأشجار الهرمة بالتقليم والحراثة والتعشيب، وتطعيم الأشجار غير المنتجة، والتنسيق مع الجهات المعنية لمكافحة ذبابة شجرة الزيتون، والتشديد على القيام بحملة المكافحة المتكاملة عندما تستدعي الضرورة، والتوجيه لإحداث شركة مساهمة مغفلة، تؤسّسها وزارتا الزراعة والتجارة الداخلية واتحاد الفلاحين، وتطرح أسهمها للاكتتاب خلال سنتين، على أن تهتم بتسويق إنتاج الزيت داخلياً وتصديراً، والعمل على استقدام المبيدات الزراعية من قبل وزارة الاقتصاد عن طريق وزارة الزراعة لضمان جودتها وفعاليتها، ودعم محصول الزيتون وعدّه محصولاً إستراتيجياً، والعمل على تشميله بصندوق الجفاف والكوارث الطبيعية والتعويض عن الموسم الحالي، والعمل على أن يكون دعم محصول الزيتون عينياً من خلال توزيع الأسمدة والأدوية واعتبار المازوت اللازم لتشغيل المعاصر زراعياً وليس صناعياً، وسن تشريع يتضمن التأمين على شجرة الزيتون، وتشريع يلزم جميع المزارعين بالمكافحة عند وجود جائحة زراعية.
إن مضمون هذه المذكرة بين يدي الجهات الرسمية لاعتمادها فعلياً وفق توقيت زمني، وخاصة فيما يخصّ اعتبار محصول الزيتون محصولاً استراتيجياً، والتعويض على المزارعين المتضررين ودعم إنتاجهم، بالتوازي مع إلزامهم القيام بالدور المنوط بهم، بخصوص التقليم والحراثة والتعشيب والتسميد والتطعيم وغرس الأنواع الجيدة، شريطة اعتماد تفعيل دور دائرة الزيتون في كل محافظة ودور الوحدات الإرشادية الموجودة ميدانياً في الحقول، وحبذا لو يقوم مركز البحوث الزراعية بدراسة علمية متأنية للوقوف على كامل حيثيات ظاهرة العام الحالي، والعمل على اجتناب تكرارها، وألا تقتصر اهتمامات غرفة الزراعة ومكتب الزيتون على بعض الجوانب التجارية والإدارية، فالزيتون حاجة يومية لكل أسرة، ومصدر دخل أسري ووطني كبير، وحبذا أن نجد من يراقب ويوازن بين جدية الوعود الرسمية وموضوعية الشكاوى الشعبية.
عبد اللطيف عباس شعبان
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية