دراساتصحيفة البعث

محور جديد في التجارة العالمية

 

ترجمة: عناية ناصر

عن موقع “ورلدكرانش” 2018

تخلق حالة عدم اليقين الحالية في العلاقات الدولية، رغم كل انعكاساتها السلبية، فرصاً جديدة للتجارة العالمية. ويبرز في هذا المجال المحور ثلاثي الاتجاهات الذي يشمل الصين وإسبانيا وأمريكا اللاتينية / الكاريبي، والذي يبدو أكثر ميلاً للنضج والاكتمال. ويوفر التفاعل بين هذه الأطراف إمكانات كبيرة يمكن استغلالها، بشكل كبير، ويمكن اعتبار هذا المحور تجسيداً لطريق الحرير الجديد الذي تبنته الحكومة الصينية لربط أربع قارات (آسيا وأوقيانوسيا وأوروبا وأفريقيا). وقد تظهر النظرة السريعة تبايناً بين هذه الأطراف من حيث الحجم. فمن الناحية الديموغرافية نجد أن عدد سكان الصين الذي يزيد على 1.38 مليار نسمة أكبر بنحو مرتين عن مثيله في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي (644 مليوناً)، ويزيد بـ  30  مرة عن  سكان إسبانيا (46 مليوناً)، وتشكل هذه الكتل معاً حوالي 28 ٪ من سكان العالم. ويترافق التباين في الحجم بتباين من  حيث القوة الاقتصادية، فالناتج المحلي الإجمالي للصين هو ضعف أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي ويساوي تسعة أضعاف مثيله في  إسبانيا.

لكن التباين الذي يبدو حاداً، ينخفض عندما ننظر إلى دخل الفرد الإجمالي، والذي يصل إلى  8،827 دولار في الصين ، وإلى أقل من 9،244  في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، فيما يرتفع إلى 28،156 دولار في إسبانيا ، وفقاً لأحدث أرقام البنك الدولي.  وبعيداً عن الثقل الاقتصادي والديموغرافي، فإن الفرص الرئيسية والتحديات الملموسة التي تواجهها الأقطاب الثلاثة تتركز في مجالات التجارة والإنتاجية، إذ يشير اتجاه التدفقات التجارية في العقود الأخيرة بوضوح إلى أهمية الصين المتزايدة كسوق للصادرات الإسبانية ولصادرات أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي. وقد تضاعفت هذه الأرقام بين أربع مرات وثماني مرات خلال عامي 2000 و 2016، في حين شهدت أمريكا اللاتينية وإسبانيا زيادة لكنها أقل أهمية في الصادرات الصينية إليها.

التقدم الأكبر تحقق بديناميكيات قوية ومتكاملة في محور الصين-أمريكا اللاتينية، إذ تصدر بلدان أمريكا اللاتينية بشكل أساسي المواد الخام والمعادن إلى الصين، في حين تصدر الصين إليها الكثير من المكونات التكنولوجية.

أما مشهد المحور الصيني – الإسباني ، فقد شهد تقدماً معتدلاً في التجارة  على الرغم من أنه يتمتع بمظهر صناعي أكبر، وتدرك الصين بشكل متزايد عاملاً يساعد على تشكيل العلاقات الاقتصادية في المثلث، ألا وهو سلاسل القيمة العالمية. ما هو مؤكد أن هذا المحور ديناميكي بالفعل، ولكن هناك إمكانية كبيرة لتوسعه، وقد تمت صياغة سلاسل القيمة العالمية من خلال موجات من الاستثمارات المباشرة للشركات الإسبانية في أمريكا اللاتينية، ومن الشركات الصينية في أمريكا اللاتينية وإسبانيا.

وثمة عناصر مختلفة تسهم في تأكيد دور إسبانيا كحلقة وصل في هذا المحور الثلاثي. أولاً: إنها ميناء دخول متميز إلى الاتحاد الأوروبي. ثانياً:  إن روابطها القوية بأمريكا اللاتينية من حيث اللغة والتاريخ والثقافة والموقف المتميز في اقتصادات أمريكا اللاتينية، يمكن أن يجعلها عاملاً جذاباً لدخول الشركات الصينية من خلال الشراكات أو التحالفات مع الشركات الإسبانية المستقرة في المنطقة. وثالثاً: إن وجود مجموعات الأعمال الإسبانية في الصين وأمريكا اللاتينية منحها معرفة وثيقة وخبرة واسعة في كلا السوقين، مما يعزز دور إسبانيا في بناء الجسور في هذا المثلث. وهناك أمثلة على ذلك في قطاعات مثل الطاقة (اتفاق عام  2010 في البرازيل بين شركة “ريبسول” الإسبانية وشركة سينوبك الصينية) ، والتمويل (ساعد بانكو سانتاندر في تمويل التجارة الصينية في أمريكا اللاتينية)، والتكنولوجيا والاتصالات (تعمل شركة تيليفونيكا مع “نيت كوم” و “هواوي”  لصنع والاتجار بالمكونات التكنولوجية)، أو المشورة القانونية (شركات المحاماة الإسبانية مثل شركة “غريغيس” تقدم المشورة للعملاء الصينيين والأمريكيين اللاتينيين في بلدانهم).
إن محور الصين-أسبانيا-أمريكا اللاتينية / الكاريبي ديناميكي بالفعل، وللاستفادة من إمكانات  النمو الكبيرة، ينبغي أن يتركز التعاون بين أطراف هذا المحور على  القطاعات الرئيسية مثل البنية التحتية والطاقة المتجددة والسياحة.