تحقيقاتصحيفة البعث

ضمن الإمكانيات شركات تعاني من “شيخوخة” خطوط الإنتاج وضعف التسويق.. والفرص معلّقة على آمال التشاركية والاستثمار

تدهور حال بعض الشركات التابعة للمؤسسة العامة للصناعات الكيميائية خلال السنوات الماضية، ولم تتمكن من أداء دورها المنوط بها على الساحة الإنتاجية، لكنها، بحسب الأرقام، شهدت بعض التعافي خلال العام الماضي، ووصلت القيم الإنتاجية المخطط لها خلال الـ 2018 في بعض منها إلى أكثر من 80%، ولكن على ما يبدو مازال الزمن متوقفاً عند الصناعات الخزفية والزجاجية، وكذلك الأمر في “مفصل” الأسمدة، ولم يتوقف الأمر عند ذلك فقط، بل جاء ضعف التسويق ليزيد من مشاكل المؤسسة، إلى جانب قدم خطوط الإنتاج، ونقص السيولة اللازمة لتنفيذ المشاريع الاستثمارية، ناهيكم عن العقوبات الاقتصادية، وما نتج عنها من آثار على عمليات التوريد داخلياً وخارجياً.

طبياً

مدير المؤسسة العامة للصناعات الكيميائية الدكتور أسامة أبو فخر تحدث عن واقع المؤسسة والشركات التابعة لها البالغ عددها 13 شركة التي تؤمن 3700 فرصة عمل، مشيراً إلى أن الاعتمادات المرصودة للخطة الاستثمارية لعام 2018 البالغة 2806 ملايين ليرة خصصت ما يزيد عن 200 مليون لاستبدال وتجديد آلات وخطوط الإنتاج التي تعتبر إحدى أكبر مشاكل المؤسسة، ولأن الصناعات الدوائية تأتي ضمن قائمة أولويات الشارع، والجميع يدرك حجم الضرر الذي لحق بهذا القطاع، بيّن أبو فخر أن توجيهات رئاسة مجلس الوزراء لتوزيع الصناعة الدوائية أفقياً على كافة الجغرافيا السورية جسّدتها المؤسسة منذ الـ 2016 من خلال إجراء دراسات لإنشاء معامل أدوية بشرية بمثابة مجمعات دوائية نوعية ومتطورة في السويداء، حيث تم تسليم الإضبارة التنفيذية بالكامل لوزارة الأشغال العامة باعتبارها الجهة المنفذة بالوقت المحدد نهاية العام المذكور، ورغم تعرّض شركة تاميكو لتدمير كامل ومقصود في المليحة، حافظت على مكانها القديم في منطقة باب شرقي، وبحسب مدير “الكيميائية”، تم اتخاذ عدة إجراءات خلال العامين الماضيين كاستقدام خطوط إنتاج جديدة، أهمها خط الشراب الجاف الذي بات في مرحلة التجريب والتشغيل، إضافة لمجموعة من الآلات الجديدة كآلة كبس الأقراص والكبسول، وبلغت أرباح تاميكو 800 مليون ليرة خلال العام الماضي، في حين تسعى المؤسسة لأرباح تتخطى المليارين خلال العام القادم، لاسيما بعد وضع خطوط إنتاج جديدة بالخدمة، وستكون قفزة نوعية لتاميكو على حد تعبيره.

أزمة تمويل

واعتبر أبو فخر أن شركات المؤسسة، رغم الصعوبات التي واجهتها، لا يمكن أن تدرج بمجملها تحت بند الخاسرة، ومع وجود فرصة للتشاركية والاستثمار، تبقى فرص النجاح متوفرة، ونوّه الدكتور أبو فخر إلى أن ما تعاني منه شركة الأسمدة يتعلق بعمليات وارتفاع التكاليف، وزيادة المصروفات على الآلات وخطوط الإنتاج، ما أدى إلى الوقوع بخسارة كبيرة لجأت الشركة على أثره لتوقيع عقد مع إحدى الدول الصديقة، في وقت خرج معمل الورق عن الخدمة نهائياً، ورغم محاولة القطاع الصناعي مساندة “العام”، أكد أبو فخر أنه لم يتمكن إلا من سد جزء بسيط من الحاجة المحلية، مشيراً إلى التواصل الجاري مع المستثمر المحلي لإعادة إنعاش معمل الورق لإعادة ومحاولة الدخول إلى مقر الشركة، وتقدير حجم الأضرار، وفيما يخص معمل الإطارات يبدو من حديث أبو فخر أن خسارته ليست وليدة الأزمة، بل تعود لعشر سنوات سبقت الحرب، عازياً ذلك إلى التقدم التكنولوجي، وعجز المعمل عن مواكبة التطورات الحديثة الحاصلة في عالم السيارات، ما دفع المعمل للتوقف بعد الخسارة الكبيرة التي مني بها، لاسيما أن مواده بالكامل مستوردة، ولضرورة إعادة هذه الشركة، أكد الدكتور أبو فخر على ضرورة البحث عن شريك خارجي يؤمن العلامة التجارية المقبولة، والسمعة الجيدة.

عراقيل

وبالنسبة إلى الصعوبات أوضح أبو فخر أنها، بالإضافة لقدم خطوط الإنتاج، تتمثّل برصد الاعتمادات بشكل جزئي، ما يعيق عملية التنفيذ، إلى جانب الحاجة الدائمة لإجراء تعديلات في دفاتر الشروط اللازمة للإعلان عن المشاريع في ضوء عدم استقرار الأسعار في الأسواق، وتقلباتها بشكل دائم، وتغيرات أسعار صرف العملة المحلية، وأثر ذلك على كل ما يتعلق بالتنفيذ، ومن العقبات أيضاً الحاجة الدائمة لإعادة الإعلان أكثر من مرة لعدم ورود عروض مناسبة بسبب العقوبات الاقتصادية، إلى جانب ارتفاع أجور النقل، وعدم قدرة الشركات العامة على مجاراة القطاع الخاص في تسهيلات الدفع عند تسويق المنتجات، بالتزامن مع الصعوبات التسويقية التي تجلت بنقص السيولة بسبب توقف عمليات البيع، ما أدى لتراكم المخزون، وصعوبات ذاتية تتعلق بأداء الإدارات وقدرتها على التعامل مع الظروف الطارئة، في حين تطرق مدير المؤسسة إلى الحلول الواجب اتخاذها لتطوير القطاع الدوائي، خاصة إنعاشه كتعديل نظام منح التراخيص، ومراجعة آلية استيراد المواد الأولية الداخلة في هذه الصناعة، وإصدار تشريعات لتطوير آلية العمل، وتسهيل عملية نقل الأدوية، وتقديم الحماية للإنتاج المحلي بوقف استيراد أي صنف دوائي منتج محلياً، ومنح ميزات وإعفاءات للصناعيين الراغبين بإنتاج أدوية نوعية، والإسراع بمعالجة القروض المتعثرة على الصناعيين العاملين بمجال صناعة الأدوية.

مثلث الإنعاش

في السياق ذاته بيّن الدكتور المهندس باسل يونس، رئيس قسم هندسة ميكانيك الصناعات النسيجية وتقاناتها في كلية الهمك، أن مثلث الإنتاج يعتمد على ثلاثة عناصر رئيسية، وهي المواد الأولية، والعمالة، والآلات، غير أن الأزمة ساهمت في كثير من المشاكل كصعوبة وصول العمال، ونقل مستلزمات عمليات الإنتاج، والمنتجات الجاهزة من وإلى المصانع، وفرض العقوبات العربية والدولية على سورية، وتأثير ذلك على مستوى التحديث التكنولوجي للآلات، وإيقاف برامج التعاون مع العديد من الدول، وتأثيرها على تأمين مستلزمات الإنتاج والقطع اللازمة لصيانة الآلات، ورأى يونس أن الجغرافيا السورية تستوعب جميع الخيارات الممكنة بما يضمن التغلب على المشاكل الحالية التي تواجهها الصناعة، واستمرار عملها في مرحلة إعادة الإعمار، وخلال ذلك لابد من اتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة لرفع القدرة التنافسية للصناعة السورية، ورفع جودة منتجاتها، والتحكم بتكاليفها، وتمكينها من مواجهة متطلبات الأسواق المحلية، والإقليمية، والدولية، وهنا لابد من الاستفادة من الفرص والاتفاقيات الدولية، والتعاون مع الدول الصديقة لتوظيف خبراتهم، وتوطين التكنولوجيا الصناعية من خلال عقود وشروط تضمن حق الخبرات الوطنية بحيز كبير منها، ومن ناحية أخرى للقطاع المشترك والقطاع التعاوني مزايا اقتصادية واجتماعية عديدة، ولابد أن يلعبا دوراً هاماً في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المرحلة القادمة، بالتوازي مع القطاعين العام والخاص.

ضرورة مستقبلية

ومن وجهة نظر الدكتور يونس، يتوجب خلال المرحلة القادمة التركيز على الصناعات ذات القيمة المضافة العالية، والمرتبطة بشكل مباشر بمرحلة إعادة الإعمار، وحاجتها من: الاسمنت، الحديد، الكابلات، الألمنيوم، الزجاج، مواد البناء،  ودعم خاص للصناعات الغذائية والدوائية التي تلبي الاحتياجات الأساسية للمواطنين، منوهاً إلى ضرورة الاستقلالية المالية والإدارية ضمن أسس وقوانين تنظم ذلك، وتساعد على تخفيض الأعباء الإدارية، والتعاملات الورقية، ورفع مستوى مرونة العمل، واتخاذ القرارات المناسبة، والحصول على نتائج بأسرع ما يمكن بعيداً عن التعقيدات الإدارية والروتينية، وهذا يتطلب بالتأكيد، بحسب يونس، تعديلاً سريعاً للقوانين والأنظمة الحالية كتسهيل عملية منح القروض والتسهيلات المصرفية للمنشآت الصناعية، وتشجيع المصارف الخاصة على التمويل الصناعي، والإسراع في البت بطلبات التعويض للمنشآت الصناعية المتضررة، مذكراً بطرح الباحثين في إحدى ورش العمل التي أقيمت في وزارة الصناعة منذ عامين القائم على ضرورة إنشاء صندوق وطني لتمويل إعادة تأهيل الصناعة ضمن اتفاقيات مع الدول الصديقة لتزويد المنشآت الصناعية المتضررة والصناعيين بالآلات وفق عقود تدفع قيمها لاحقاً عند دوران عجلة الإنتاج.

مقدرة غائبة

وأكد الدكتور يونس على مقدرة “الهمك”، بطلابها ومدرّسيها، على حل العديد من المعضلات التي تواجه القطاع الصناعي، حيث باستطاعة كوادر كلية الهندسة الميكانيكية والكهربائية دراسة وتصميم وتصنيع العديد من خطوط الإنتاج عند توفر الدعم الكافي، والإرادة القوية للصناعيين، خاصة بعد تميز مشاريع بحثية لطلاب الدراسات العليا، وطلاب المرحلة الجامعية الأولى في معارض عديدة، منها المعرض الصناعي بروتكس 2018، ومعرض الباسل، ومعرض المشاريع الأول، وحصد مراتب متقدمة عربياً وعالمياً، في حين تطرق يونس إلى ورش العمل الرسمية المقامة سابقاًً، والتي شددت على أهمية تشكيل فريق قانوني وصناعي لمراجعة المواد والتشريعات الوطنية التي يمكن أن تعتبر غير منصفة بحق الصناعيين، ووضع أسس خاصة لتنظيم الاتفاقات العربية والإقليمية لتكون متوازنة وعادلة للجانب السوري، ووضع تصور وآلية عمل لتنفيذها عن طريق إشراك جميع الصناعيين في الاطلاع عليها قبل إعلانها، وتجنب مخاطر أية اتفاقيات، وآثارها السلبية عن طريق توضيحها، ودراستها، وعدم تحكيم العواطف والعلاقات الطيبة مع الدول الصديقة على حساب مصالح الصناعة الوطنية، وفيما يخص موضوع التخليص الجمركي أكد يونس على ضرورة وضع أسس صارمة لضبط المخالفات.

نجوى عيدة