ثقافةصحيفة البعث

برامج “التوك شو” وإعادة التدوير

استنفذت معظم المحطات الفضائية، مالم يكن جميعها، خصوصا تلك التي تُعنى بالترفيه، كل الضيوف الذين تستقبلهم ليكونوا في هذا البرامج على هذه القناة أو غيرها، وكما جرت العادة، فإن لنجوم الغناء والتمثيل والفن عموما، الحصة الأكبر من تلك الإطلالات التي يحدث أن يظهر النجم الواحد، وخلال مدة لا تزيد عن الأسبوع، في أكثر من ثلاثة برامج من برامج “التوك شو” التي اكتسحت هذه الشاشات، حتى أن الجمهور، صار يحفظ ماذا سيقول، ويعرف إن كان قد ارتدى هذا الزي في مقابلة سابقة أم أنه قام بتغييره، خصوصا السيدات منهن، وهذا لا يعني أن الرجال أيضا من أولئك النجوم، ليسوا معنين با “اللوك” الجديد، فتراهم وفي كل مقابلة أيضا، يغيرون موضة ثيابهم وتسريحة شعرهم، بل وحتى لون بشرتهم، فكيف ستنجو تلك البرامج وتنتعش مرة أخرى؟

هذا الاستنفاذ الذي أصاب تلك المحطات المحلية منها والعربية، لم يكن ليقف عثرة أمامها، ففي كل موسم جديد تطلق مجموعة من برامجها الجديدة، والتي توضع تحت مسميات مختلفة وديكور مختلف، أما مضمونها فواحد، فقد وجدت إدارة تلك المحطات والمقدمين “النجوم” أيضا، حلا لهذه المعضلة، وذلك بإعادة التدوير! تدوير الضيوف أنفسهم، فما من مانع لدى هذا البرنامج أو ذاك، أن يستقبل الضيف نفسه أكثر من مرة، بل من مرات عديدة، وفي كل مرة، ما من جديد إلا الإطلالة أو “اللوك” ماعدا هذا، لا يوجد في المضمون ما يجعل الجمهور يقرر أن يتابع تلك المحطة أو غيرها، وفي كل مرة، تُعاد وتُطرح الخصوصيات التي تعني هذه الممثلة أو ذاك المغني، خصوصا تلك الفضائحية منها، فهذا يحقق نسبة مشاهدة مرتفعة، خصوصا إن كان الضيف من الذين يثيرون بلبلة إعلامية في الصحافة الفنية والصحافة الصفراء، التي تحيا وتعيش على هذا النوع من اللقاءات، ولن يفوت مقدمة أو مقدم البرنامج، المختلف بالتسمية والمنسوخ نسخا واحدا في المضمون، إلا أن يزكي النار على الهواء، ببعض ما يتم تداوله على صفحات التواصل الاجتماعي، خصوصا عن ظهور تلك الممثلة بثياب غير لائقة، أو أن ثمة علاقة سرية ما تجمع بين الممثل الفلاني والنجمة العلتانية، وهذا لن يزعج الضيوف، بل ربما يزيدهم حماسة، ليقوموا بالعديد من الأشياء التي تصبح حديث الناس في هذا الزمن الأغبر، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو في جلسات القهوة الصباحية بين الجارات المدهوشات، من لون شعر تلك الفنانة، أو الوسامة الدائمة التي يتمتع بها ذاك الفنان، متجاهلات حقن “البوتكس” وعالم التجميل، الذي صار بإمكانه أن يعيد العجوز شابا، والحيزبون، ملكة جمال البطيخ مثلا، وهكذا.

اليوم تلك البرامج لم تعد تكتفي باستمالة هذا الضيف أو غيره، بل باتت تجهد لتنال من البرامج المشابهة، وتتجاهلها محطة لسخريتها والاستهزاء منها، وذلك في أخطاء قد ترد فيها خصوصا وأن هذه البرامج مباشرة، ومن الطبيعي أن تحدث بعض الأخطاء هنا أو هناك، إلا أن هذا لن يمر مجانا، ولتصبح هناك فقرات كاملة في كل البرامج الحوارية الترفيهية الآنفة الذكر، للسخرية من هذا البرنامج، أو ذاك، فيقوم البرنامج الآخر بالرد، وهكذا.

حرب البرامج هذه لم يزل أوارها مشتعلا حتى اللحظة، وإنصافا للتاريخ، فإن برامجنا المحلية، حتى وهي مشمولة أيضا بمفهوم إعادة التدوير، إلا أنها لم تنزلق لتكون فضائحية، أو محاربة لغيرها من البرامج، لكن موضوع الضيوف وإعادة استقبالهم مرة واثنتان وثلاث، فهذا لم تنج منه، خصوصا، وأن المغري في نوعية الضيوف، هو تلك النوعية الفنية وعوالمها، المختلفة عن حياة العامة.

برامج “التوك شو” العربية أو “البرنامج الحواري” والتي هي أساسا برامج تأخذ الطابع الساخن والمباشر في الحوار مع الضيف، وتناقش كافة مشاكل المجتمع، كما هو مفترض، ماهي في حقيقتها إلا استنساخ ممجوج للعديد من البرامج الأجنبية التي تحمل هذا الطابع، والتي تعمل أيضا على استقبال نجوم المجتمع والفن والسياسة والرياضة وغيرهم، واضعة إياهم في مواقف محرجة، ليخرج منهم مالا يعرفه الجمهور عنه، لكن الغريب أن الابتذال الذي يصيب البرامج المستنسخة على محطاتنا العربية، ليس موجودا في البرنامج الأصل، والذي عادة ما يذهب نحو تقديم مشكلة معينة ومختلفة، (فنية، اجتماعية، سياسية، رياضية..وغيرها)، بينما تذهب على تلك القناة العربية أو غيرها، لتقديم مضمون يخلق طابعه الخاص، وهذا الطابع يمكن وصفه عموما بكونه يقدم إسفافا دون متعة ولا معرفة، بل هكذا، إسفاف لأجل الإسفاف، ويبدو أن الجمهور مولع بهذا المضمون الفارغ، وإلا لما استمرت هذه البرامج بالظهور، خصوصا وأننا سبق وقلنا أنها تحيا وتتنفس على استقطابها للمشاهير، لكن ما قد يفعله هؤلاء المشاهير، والذي يبدو غالبا عفويا، وهو ليس كذلك أبدا لكل مراقب بعين حيادية، بقدر ماهي أمور متفق عليها، لتحقيق نوع من الضجة حول ما يمكن أن يحدث، وبالتالي جلبا للمزيد من المشاهدين، كأن تقوم إحدى الفنانات العربيات المشهورات بـ “الهشك بشك”، بفعل خادش للحياء، كما فعلت إحداهن على الهواء مباشرة، وهكذا تتم إعادة التدوير، مرة بأسئلة محرجة للمشاهد أو أفعال لا يليق أن تكون موجودة أو أن تظهر على الشاشة.

إلا أن شيئا جديدا طرأ على تلك البرامج، التي لم تكن بهذه الفورة قبل بداية “الخراب العربي”، وهو العمل على استضافة ما يعرف بظاهرة “المحللين السياسيين”، الذين صاروا بين يوم وضحاه، من نجوم تلك البرامج، يعد أن أصحبوا نجوما على الفضائيات التي استقدمتهم في البرامج الإخبارية، وهكذا وجدت تلك البرامج، تحديثا شكليا على حلتها، ليظهر المحلل الفلاني العلتاني، فيشتم غيره من المحللين، ويقوم غيره بالرد عليه في برنامج آخر.

هناك الكثير مما يقال في هذه النوعية من البرامج المفهوم العام لبرامج “التوك شو” في عالمنا العربي، مفهوما سطحيا، غرائزيا، وليس ظهوره باختلاف حلله صدفة محضة، أو تقليدا أعمى فقط، خصوصا إذا عرفنا، أن مدراء أهم تلك المحطات، هم غربيون عموما.

تمّام علي بركات