ثقافةصحيفة البعث

برج العاج السكوني

علاء زريقة

(يجب تحريك الخوف وإخراج العنف والتوقف عن اعتبار المسرح كمكان تأملٍ وتسلية. أريد مسرحاً دموياً يحوِّل الممثّل وجمهوره. يجب إثارة الحواس وكشف الحب والجريمة والحرب وخصوصاً الجنون في جوانبها الأكثر بشاعة وفظاعة.)

هكذا يطرح انتونين ارتو” فكرته عن الكتابة من خلال العرض المسرحي( مسرح القسوة)، هذا يحيلنا إلى سؤال أساسي ودائم موجود في ذهن كل مشتغل في الأدب (لماذا نكتب) تبدو الضبابية اليوم مسيطرة على المشهد الثقافي السوري حيث لا يزال المثقف (يمشي الحيط.. الحيط) ويطلب براءته فقط من أزمات حادة تتعرض لها البلاد تشكل الحرب المستمرة منذ سبع سنوات ونيف نتيجة حتمية لمراكمات تاريخية وسياسية وأزمات وعي تنخر بسوس موروثها المتعفن الجسد الوطني اليوم.

والمضحك المبكي أن عجز هذا المثقف” يقابله تطور كبير في الذهنية العامة لدى معظم الشباب السوري الذي حمل السلاح وتوجه إلى الميدان مدركاً تماماً وواعيا لتجذر نوعي للهوية الوطنية” كـ بعد فردي ذاتي أولاً لا يتعارض مع البعد الجمعي الذي يختزل رغبات هؤلاء جميعاً في وطن حقيقي خارج أي تقسيم تجزيئي لهذه الهوية.   ويمكننا القول بأن هناك أزمة مثقف عجز ولا يزال عن دفع عجلة الوعي إلى الأمام تاركاً الساحة مفتوحة لكل تجار العقول ومروجي حشيش العفن الفكري الغيبي، لا بل نراه أحياناً ينقلب على يساريته متطرفاً باتجاه أقصى اليمين.

هذا التخاذل والانبطاحية لا يمكن اعتبار الفرد المثقف مسؤولاً عنها وحده كقوة ناعمة فشلت النخب بترسيخها كقادة لمجتمع ينهض من مرحلة استعمارية طويلة، واضطرابات داخلية أخرّت بشكل كبير تقدم هذا الجمع البشري ككل.

التنفيعات والطبطبة والركون لعدمية مفرغة من أي قيمة فلسفية وجودية بالجلوس في برج عاجي حيث ينظر من خلال هذا الكائن اللا منتمي سلباً للشأن العام من ثقب ضئيل (عاهاته الخاصة)  وضعفه المأزوم ليخرجها بصفة إنكارية متهماً الجميع بتهميشه وهو المهمش والعاجز ذاتياً، وممارساً سلطة وهمية على لا شيء عبر تعليب الكتابة في إطار ميتافيزيقيا مضادة لا تغني ولا تسمن من جوع.

المثقف الذي يكذب على نفسه، معلباً نفسه في إطار الأبد أو الفراغ الوجودي مستخدماً النكران كوسيلة للخروج من عبء مسؤولياته ومرتاحاً لهامشه كمعذب مازوشي محروم من الدور ذاتياً أيضاً.

هنا من النافلة ذكر ما قاله الفيلسوف الفرنسي ألبير كامو (الرجل الثوري هو من يقول لا) والمطلوب من المثقف هو الصراخ وفلسفة هذا الصراخ، الرفض كأداة تحريض على الخير العام النسبي، والاتساق الفكري من حركية مجتمعية نامية مطلوب منه التنظير لها، وتحديد معالمها واستخراج البنى الفكرية لها بغية الدفع بالتطور، وإن كان يسير بسرعة السلحفاة، ونقده أي هذا التطور.