دراساتصحيفة البعث

قمة العشرين 2018: الصديق اللدود

باسل الشيخ محمد

ربما لم تكن قمة العشرين لترى النور لولا الأزمة الاقتصادية الآسيوية التي عصفت بآسيا في شهر تموز 1997، والخشية من تحوّل هذه الأزمة إلى أزمة عالمية. أصبحت هذه القمة تمثل ثلثي نسبة التجارة، مسيطرة على تسعين بالمائة من إنتاج النفط الخام عالمياً، ناهيك عن نسبة ثمانين بالمائة من إجمالي الاستثمارات العالمية. وربما أن نتائجها هي إبقاء الأسواق العالمية في حالة استقرار تحتكره الدول العشرون لصالحها في المقام الأول.

ولكن الاستقرار الاقتصادي الدولي لم يكن دائماً هو صمام الأمان بالنسبة للعلاقات الدولية، ليس الحديث عن دول السوق الأوروبية المشتركة أو دول الاتحاد الأوروبي، بل هو عن كتلتين قد تكونان ميداناً لاستمرار الصراع الاقتصادي الراهن وهما: الولايات المتحدة والصين.

متغيرات أطراف الحرب التجارية

في الوقت الذي صرّح فيه المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الصينية، جينغ شوانغ أن نتائج قمة مجموعة العشرين الأخيرة قد “بثت روح الثقة في السوق الدولية وتدلّ على أن هذه الثقة مازالت تلعب دوراً حاسماً في القضايا الاقتصادية الدولية”، كانت الشرطة الكندية تقتاد المديرة التنفيذية لشركة “هواوي” الصينية، كانت الولايات المتحدة قد اتهمت هواوي مراراً بأعمال التجسس دونما دليل على هذه الاتهامات. ويحلّ موعد الحزمة الثانية من الضرائب الجمركية الأمريكية على الصين بحلول هذا الشهر، في الوقت الذي كان فيه دونالد ترامب يتحدث عن “هدنة تجارية” بين الولايات المتحدة والصين عقب عشاء جمعه بالرئيس الصيني زي جين بينغ.

لا يبدو حتى الآن أن هذا المنتدى فرصة لتسوية خلافات الدول السياسية، إذ ما من جديد في الخلاف الروسي- الأمريكي الأوروبي الذي نشب مؤخراً بسبب أوكرانيا، بل على العكس، إذ لوّح ترامب بعدم لقاء نظيره الروسي بعد ساعات فقط من إعلان جون بولتون أن بوتين وترامب سيعقدان لقاءً على هامش القمة للحديث عن قضايا ثنائية ودولية.

وهنا يتبادر إلى الذهن تساؤلان بديهيان: كيف سيكون حال التعاون الاقتصادي –والحال ما ذكر- بين عدد من الدول الأعضاء في ظل حرب تجارية لا يُراد منها تحقيق منفعة مشتركة بين أطرافها؟، وهل سيكون التعاون الاقتصادي سبيلاً لإصلاح ذات بين الدول التي تتضارب مصالحها، أم أنه سيكون سلاحاً إضافياً شاملاً غير دموي؟.

أزمات داخلية مرتقبة

إلى الآن لا يوجد توازٍ بين ما أُعلن عن تنسيق اقتصادي وبين العلاقات الدولية بين الدول الصناعية والدول التي تتأثر بسياساتها، غير أن واقع العلاقات الدولية آخذ في التغيّر على مستوى صعود خطاب اليمين شعبوياً (كما هو ملحوظ في خطاب حركة السترات الصفراء حيال المهاجرين)، وبين تصاعد أحزاب اليمين السياسي في أوروبا، ناهيك عن الولايات المتحدة.

لكن هذه القمة لن تمنع الإحباط الشعبي كما يبدو، فكما أن الثورة الصناعية (1820-1840) قضمت جزءاً من فرص العمل الأوروبية، فإن الثورة الرقمية ابتلعت هي الأخرى عدداً لا يُستهان به من الوظائف.

يقول آرتبيلجر الخبير في كلية وارتون للأعمال: إن 47% من الوظائف سيختفي خلال السنوات الخمس والعشرين المقبلة، أي أن البطالة سترتفع بنسبة 47 بالمائة، وهذا الرقم سيضاف إلى متوسط 8% من نسبة البطالة عالمياً، في حين تبقى نسبة 1% هي المستفيد الأكبر من توفير أجور اليد العاملة والتأمينات المدفوعة لها. بعبارة أخرى: يبدو أننا على موعد مع اختفاء الطبقة الوسطى عالمياً.

وقبل ذلك كانت جامعة أوكسفورد قد أجرت دراسة عام 2018 خلصت إلى أن الآلات ستقوم بسبعة وأربعين بالمئة من الوظائف خلال العقدين المقبلين. النسبة نفسها في دراسة أوكسفورد وجامعة وارتون، والخطر نفسه أيضاً.

هنالك قطاعات مهدّدة بالانقراض مثل القطاعات الفكرية، كقطاع المحاسبين الماليين ومحلّلي الاقتصاد والأساتذة، وجزء من القطاع الطبي والمهني اليدوي. وفي الوقت الذي أطلقت فيه قمة دافوس 2016 على المرحلة الحالية اسم “الثورة الصناعية الرابعة” فإن التقنيات المادية والرقمية والبيولوجية ستنصهر معاً عبر الخوارزميات الحاسوبية.

من شأن تفاقم البطالة المرتقب أن يثير مشكلات أمنية تتمثّل في ارتفاع معدلات الجرائم من جهة، واحتمال تنظيم المجموعات الإجرامية عبر وسائل التواصل المتاحة من جهة أخرى، ناهيك عن التمايز الطبقي –وبالتالي- المهني والتعليمي، وشبح التعامل بالعملات الرقمية التي ستُخضع أي شخص أو مجموعة أو حتى سكان منطقة ما، وتجعل تزوير المعاملات المالية أمراً في غاية السهولة، ما رأي قمة العشرين في ذلك..؟!

الاجتماعات.. التصريحات.. والواقع..

تزور تيريزا ماي رئيسة وزراء بريطانيا الأرجنتين التي سبق أن شنّت عليها حرب جزر الفوكلاند أواسط ثمانينات العام الماضي، ويسعى ماكرون إلى كسب تأييد ترامب لخفض انبعاثات غاز الكربون، ترامب الذي يريد إبقاء أسعار النفط منخفضة فقط من أجل “خفض ضرائب الاقتصاد الأمريكي”.

لكن مصالحة لم تجرِ بين بريطانيا والأرجنتين حول الجزر التي تقع جانب تلك الأخيرة، ولم يكسب ماكرون من ترامب سوى تصريحات انتقد فيها سياسة فرنسا حيال المناخ، زاعماً أن احتجاجات “السترات الصفراء” سببها سياسة الحفاظ على البيئة (!) داعياً فرنسا إلى التخلي عنها، وهو التصريح الذي حدا بوزير الخارجية الفرنسي ايف لودريان إلى الطلب من ترامب عدم التدخل في شؤون بلاده. إلى ذلك بقيت مشكلات ماي والحدود البريطانية مع إيرلندا والتصويت على الخروج من الاتحاد الأوروبي مفتوحة دون حلّ غير فئوي في واقع الحال، وعلى الضفة الأخرى من الأطلسي بقيت حمائية ترامب التجارية كما كانت قبل قمة العشرين.

من جهة أخرى، تقول الوثيقة المعدّة لأجندة القمة إن “الاستجابة السياسية يجب أن تضمن أن تبنّي التغيير التكنولوجي لن يؤدي إلى الاستبعاد أو التفكك الاجتماعي أو ردّ الفعل العنيف”. لكن لا صوت من أي جهة يبدو أنه يكترث بأصوات من يتوجسون خيفة متحسّسين وظائفهم وناظرين بخوف إلى أوراق التقاويم.

قمة العشرين، كغيرها من المنتديات الدولية، لن تكون بداية معالجة لأية أزمة سياسية أو حتى اقتصادية بين الدول الأعضاء، ويبدو أنها –كحال الأمم المتحدة- منتدى يفرض فيه القوي إملاءاته على من هم أضعف منه!.