اقتصادصحيفة البعث

امتص جزءاً من البطالة وخفف الضغط عن الحكومة.. “الاقتصاد الشريف” خارج تغطية “التنظيم”!

لم يتم حسم التعاطي الحكومي مع اقتصاد الظل لجهة تظهير ورشه من الأقبية، علماً أنه كان ولا يزال بمنزلة “المخلص النسبي” للمستهلك ولاسيما في ظل الارتفاع المريب للأسعار، ولعل ما أعطاه المبرر القانوني غير المعلن لانتشاره الواسع هو أنه يندرج تحت ما يسمى في أغلب دول العالم بـ”الاقتصاد الشريف” كونه لا يمت بصلة للمتاجرة بالممنوعات كالمخدرات وما شابه، إضافة إلى أنه يلعب دوراً مهماً بتقليص نسبة البطالة وتأمين مستلزمات وحاجيات أسر كثيرة، ويرفد بعض قطاعات الاقتصاد الوطني بالدرجة الثانية.

على المحك

واقع يضع الجهات المعنية على محك العمل الفعلي لتبسيط إجراءات تنظيمه ووضع شروط تشجيعية تدفع القائمين عليه للمبادرة والإقبال على العمل برعاية وظل القانون، حتى لا يستغل بعض ضعاف النفوس عملهم بالخفاء ويتاجروا بمنتجات تتنافى مع صحة المواطن، فطالما أكد بعض أصحاب الورش والفعاليات الاقتصادية الصغيرة والمتناهية في الصغر أن عملهم خارج الإطار القانوني يقيهم شر زيارات موظفي الدوائر الحكومية خاصة المالية والبلدية منهم – على حد وصفهم – وبالتالي يتخلصون من ابتزازهم شبه اليومي بحجة تطبيق القانون، إلى جانب الروتين المقيت المرافق لعملية الترخيص وما يكتنفها من إجراءات وشروط صعبة لا تناسب البعض منهم، ناهيكم عن أن الضرائب والرسوم الواجب تسديدها تشكل عبئاً إضافياً على تكاليف إنتاجهم؛ لذلك فإن منتجاتهم غالباً ما تكون منافسة من ناحية السعر للمنتجات الأخرى.

تخفيف الضغط

وعلى اعتبار أن السوق بشكل عام، وسوق اقتصاد الظل بشكل خاص يدرس العرض والطلب بآلية تجارية بحتة، فعلى الدولة أن تنظر بعين مسؤول وراعٍ لهذه السوق التي تعمل حالياً وفق مبدأ (دعه يعمل دعه يمر)، وأن تراقب هذا الأمر وتعي حيثياته والاجتهاد باتجاه تنظيمه من ألفه إلى يائه نظراً لكونه يخفض الضغط عنها.

فمثل هذه العمل يُسيّر بلا شك تدفقات المال بين طرفي الدورة الاقتصادية (الإنتاج والاستهلاك)، لكن الخشية الأكبر التي تعتري مثل هذه العملية تكمن في تسريب تدفقات المستهلك السوري خارج القنوات الاقتصادية التي تفيد وتغذي الاقتصاد السوري، بمعنى الخشية من تجميع تدفقات المستهلكين السوريين ثم تحويلها إلى عملة أجنبية والهرب بها خارج الحدود..!

ففي الوقت الذي لا ننكر فيه أن الأزمة شرعنت بشكل كبير مسألة اقتصاد الظل وما ينتجه من مواد وسلع أساسية استهلاكية، كون أن الطلب عليها زاد بشكل كبير على كمية المتوفر منها في السوق، في ظل خروج كثير من المنشآت المنتجة المرخصة نظامياً، وعجز ما تبقى منها عن تلبية الطلب المتزايد لها، ومع تفهمنا لهذا الأمر إلى حدٍ ما، إلا أن السؤال المشروع هنا ما هي تداعيات هذا الأمر في حال استمراره، وتأثيرها على اقتصادنا الوطني؟

سؤال نضعه برسم وزارت الصناعة، والإدارة المحلية والبيئة، والمالية، لجهة تنظيم هذا القطاع من خلال ترخيص ورشه ومنشآته الصغيرة وربما متناهية الصغر أيضاً، وتكليفه ضريبياً، بشروط تشجيعية، فبذلك نضمن جودة ما ينتجه من سلع –ولو نسبياً- على أقل تقدير.

 

تعثر

يذكر أن وزارة المالية تصدت لهذا الموضوع من خلال قيامها بمسح جغرافي لمكلفي الدخل المقطوع عام 2007، وكانت النتيجة كشف كثير من الفعاليات غير المكلفة وغير المعروفة، إذ تم كشف نسبة تجاوزت الـ20% من مجموع المكلفين على المستوى القطر، في حين تفيد مصادر في الهيئة العامة للضرائب والرسوم أن لدى الهيئة معلومات تشير أن النسبة أكبر من ذلك، فهناك قطاع غير منظم على مستوى عالٍ وخطير لدرجة أن هناك مصانع برادات غير معروفة تشتري مواد أولية وتبيعها في السوق، وهي غير مكلفة، والاستعلام الضريبي لعب دوراً كبيراً في كشفها، وكشف مطارح ضريبية أخرى، وجاءت الأزمة لتزيد “الطين بِلّة” نظراً لتعثر المتابعة.

حسن النابلسي