رأيصحيفة البعث

فشل المشروع الأمريكي وراء قــــــرار ترامـــــب

مما لاشك فيه أن قرار الانسحاب العسكري الأمريكي مكسب كبير للدولة الوطنية السورية، يجنّبها وحلفاءها، مخاطر وأثمان المواجهة المباشرة عاجلاً أو آجلاً مع قوات الاحتلال الأمريكي وأدواته المحلية، ذلك أن الموقف السياسي السوري من هذا التواجد العسكري غير الشرعي كان باستمرار شديد الوضوح في تأكيده المبدئي على تحرير كل شبر من الأرض العربية السورية من الاحتلال الأجنبي. ولعل ترامب كان يدرك جيداً أن ساعة توجه الجيش السوري وحلفائه لطرد القوات الأمريكية المحتلة لابد قادمة، وأن الانتصار في المعركة سيكون من نصيبهم، تماماً كما كان انتصارهم على أعتى قوى الإرهاب التكفيري رغم الدعم الإقليمي والدولي الهائل الذي كانت  تتلقاه…

ومع وجاهة التحليل الذي يذهب في تفسير قرار ترامب إلى ترجيح التغير في الأولويات الاستراتيجية الأمريكية، وتركزها على المواجهة مع الصين في المرحلة المقبلة، وكذلك التحليل الذي يرجح الدافع الاقتصادي الذي طالما أشار إليه الرئيس الأمريكي حيث بات هذا النوع من التواجد الاحتلالي يشكل عبئاً مالياً باهظاً على الولايات المتحدة، فإن السبب الأهم للقرار هو إخفاق المشروع الأمريكي في سورية والمنطقة. ولو أن هذا المشروع نجح، أو أن إدارة ترامب مازالت واثقة من إمكانية نجاحه على الأقل، لما أقدم الرئيس على اتخاذه، فالرجل يحسب الأمور بعقلية التاجر التي لاتقبل الاستمرار في تمويل مشروع خاسر، فكيف إذا كان حساب الخسارة يُظهر أنها ليست مادية فقط، بل بشرية أيضاً، مع ما يعنيه ذلك من تبعات سياسية ثقيلة لا يستطيع الرئيس الأمريكي تحملها…

ومن الواضح، بناءً على هذا، أن سحب القوات الأمريكية من سورية ليس قرار ارتجالياً حتى وإن أتى بشكل مباغت، ودون تشاور مع الحلفاء، بل هو تنفيذ لنهج سياسي مدروس، يؤكد ذلك أن إدارة ترامب تبحث أيضاً سحب أعداد كبيرة من القوات العسكرية الأمريكية في أفغانستان بعد حرب طويلة لا تلوح لها في الآفاق نهاية تخدم مصالح الولايات المتحدة…

بقي أن نتوقف عند قول الرئيس الأمريكي: “لقد هزمنا داعش ومحاربة ما تبقى مسؤولية دول أخرى…” فهذا التبرير الذي يسوقه ترامب تفنده الوقائع على الأرض بالكامل، إذ لم يكن القضاء على داعش في أية لحظة من اللحظات هدف أمريكا الأساسي، بل إنها قامت بحماية “داعش” ومساعدته، واستهداف الجيش العربي السوري والمدنيين السوريين بغاراتها الجوية مرات كثيرة، والمجازر التي ارتكبتها بحقهم معروفة وموثقة، ذلك لأن مشروعها الرئيس والذي تمّ  إنشاء “داعش” خصيصاً لتنفيذه هو تدمير الدولة السورية وتقسيمها وإسقاط نهجها الوطني العروبي المقاوِم..

أما القوى التي حاربت داعش وغيره من التنظيمات الإرهابية بشكل فعلي حتى ألحقت به الهزيمة النكراء فهي الجيش العربي السوري وحلفاؤه في محور المقاومة وروسيا. وهذه القوى هي التي ستستمر بالتأكيد في محاربة التنظيم وغيره من التنظيمات الإرهابية حتى يتم القضاء عليها قضاء تاماً، وهي التي ستعرف كيف تملئ الفراغ الأمريكي، وتحصد نتائج الإنسحاب بما يحقق هدفها ذاك، وبما يضع المسمار الأخير في نعش المشروع الأمريكي التقسيمي الذي انخرطت فيه بعض القوى المحلية قصيرة النظر، وبما يلجم الأطماع التركية التي سيُفقدها الانسحاب الأمريكي الكثير من شرعيتها المزعومة .

محمد كنايسي