أخبارصحيفة البعث

الإصلاح الضريبي يهز فرنسا

أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن رفع الأجور للعمال الفقراء وعن تخفيضات في الضرائب للمتقاعدين، وتقديم تنازلات بعد ارتفاع احتجاجات السترات الصفراء، لكنه رفض إعادة ضريبة الثروة على الأغنياء، وهي المطلب الرئيسي للمتظاهرين. هذه الضريبة تعتبر رمزاً مهماً للفرنسيين، والتي تم فرضها للمرة الأولى مؤقتاً بعد الحرب العالمية الثانية عام 1945 وأعيد فرضها عندما وصل الحزب الاشتراكي الفرنسي إلى السلطة عام 1982. وبعد ذلك، كان فرضها وإلغاؤها يعتمد على تغيير النظام.
إن مبدأ هذه الضريبة له جذوره في الاشتراكية في فرنسا، فوفقاً لروح التضامن والمساعدة المتبادلة، يجب على الأغنياء تحمل المزيد من المسؤولية والواجبات الاجتماعية من خلال دفع المزيد من الضرائب، ما يعزز العدالة في المجتمع، لتصبح هذه الضريبة معياراً رئيسياً في نظام الضرائب الفرنسي من خلال السعي إلى القضاء على الفجوة بين الأغنياء والفقراء. كما أن هناك ضرائب أخرى مثل ضريبة الدخل وضريبة الميراث أيضاً، لكن الضريبة على الثروة لها أهمية رمزية لأنها لا تفرض إلا على مالكي الأصول ذات القيمة العالية.
ومنذ تولي ماكرون وفرنسا تواجه سلسلة من التحديات الحاسمة، أهمها عدم النمو الكافي للاقتصاد، وارتفاع معدل البطالة، واختناقات في القطاع الصناعي، وتحسن ضئيل في نوعية الحياة، ونظام سياسي بحاجة إلى إصلاحات. وقد  انتخب ماكرون رئيساً لخطته في الإصلاحات الهيكلية، فضلاً عن موقفه المستقل الذي كان له دور كبير في الفوز المدوي للحزب الذي أسسه “الجمهورية إلى الأمام”، والتخلص من التدخل من الجماعات السياسية اليسارية واليسارية التقليدية، لكن السؤال لماذا قام ماكرون بإلغاء الضريبة على الأغنياء عندما وصل إلى السلطة؟.
يعتقد ماكرون  أن التنمية الاقتصادية يجب أن يكون لها الأولوية، الأمر الذي يتطلب زيادة في  الاستثمار والاستقلال للمؤسسات. هذه هي الطريقة الوحيدة للحد من البطالة بشكل أساسي، ولتحسين القوة الشرائية وإحياء ثقة الناس في فرنسا. ولذلك ، اختار “الضريبة على الثروة” الرمزية، التي يعتبرها قطاع صناعة الأعمال والاستثمار القاتل الرئيسي للثروة. ونتيجة ذلك تم خروج  ما بين 700 و 800 عائلة فرنسية من قائمة الأثرياء، مما أسفر عن خسائر مالية تقدر بمليارات الدولارات. علاوة على ذلك ووفقاً لمسح أجراه مجلس الشيوخ الفرنسي، فإن هذه الضريبة لا تشجع رأس المال على الاستهلاك، والإسهام في الشركات. ونتيجة لذلك فإن المكاسب التي تسببها الضرائب الأخرى كضريبة القيمة المضافة تزيد عن الخسائر التي حققتها، بالإضافة إلى ذلك وبسبب أساليب الإعلان والحساب المعقدة، فإن هناك خلافات مستمرة بين دافعي الضرائب والسلطات الضريبية، مما يؤثر بشكل كبير على رغبة الأثرياء في الاستثمار في فرنسا. ومع ذلك فقد أصلح ماكرون هذه الضريبة بدلاً من إلغائها، إذ قسم الممتلكات إلى أنواع مختلفة من الأصول، بما في ذلك التمويل واستثمارات الشركات والمدخرات والعقارات ويعتقد أن الأصول الأخرى، باستثناء العقارات، تؤدي إلى التنمية الاقتصادية في فرنسا، ويجب ألا يتم إخضاعها لهذه الضريبة.
ليس من الإنصاف القول إن مسار الإصلاح خاطئ. ومع ذلك ، فإن وسائل الإعلام والرأي العام يعتقدون إلى حد كبير أن ماكرون ألغى هذه الضريبة، وبرأيهم فإن المساس بهذا الرمز لفرنسا يمثل تغييراً غير مقبول بالنسبة للأحزاب ذات القاعدة العريضة وذوي الدخل المنخفض من القاعدة الشعبية العريضة، لذلك تفجر الغضب بشكل احتجاجات السترات الصفراء.
عناية ناصر