دراساتصحيفة البعث

العرب والتبعية

 

ميلاد عمر المزوغي
كاتب من ليبيا
إن ما يعانيه العرب اليوم جاء بسبب تخلفهم وغبائهم وطمع الغير فيهم ونهب خيراتهم التي لم يحسنوا التصرف بها، فأراد الغرب أن يسترقهم بخيراتهم. وإذا كانت الحروب لم تعد مصدراً للرق، فإن القوى الاستعمارية قد استبدلت الرق بالتبعية الاقتصادية والسياسية، فالتبعية الاقتصادية تمارس الاستعمار بالتجويع، وبالتبعية السياسية تمارس الاستعمار بالتخويف، كلاهما الوجه الآخر لاسترقاق الشعوب. أصبح التعبير الذي يقدم عادة هو انتساب ذوي السحنة السمراء (ومنهم العرب) المزعوم لحام الابن الملعون من أبناء نوح؛ وهذا ما جعل اللون الأسود مكروهاً لا من الناحية الجمالية فقط بل لأنه صار رمزاً لوصمة أخلاقية.
يقول وزير الزراعة الأمريكي الأسبق بوتز إن الغذاء هو سلاح وأداة قوية في سياستنا. وفي نفس الوقت تقول مصادر استخباراتية أمريكية إن تزايد نقص القمح في العالم يعطي واشنطن القدرة على إحياء وإماتة ملايين البشر؟ ألا يدل ذلك وبكل وقاحة أن الغذاء أصبح مصدراً للاستغلال والابتزاز في المجالين الاقتصادي والسياسي ووسيلة للتحكم بأولئك المعذبين في الأرض. من تتحكم في خبزه قادر على التحكم في فكره، وتعطيل عقله وإلغاء قدرته على كل ما هو رفيع من ملكاته وقدراته. أما أن نعتمد على أنفسنا وننتفع بكل جزء من مواردنا أو نتكل على غيرنا ونترك له استغلال خيراتنا ونظل متخلفين إلى الأبد.
لا شك أن هذه المنطقة ليست كغيرها من المناطق، فهي قلب العالم ومعبر طرقه وملتقى قاراته، وهي سوق استهلاكية لمنتجات الغرب، وبالتالي فليس بوسع الغرب تركها وشأنها فعلى مر العصور شهدت هذه المنطقة عديد الحروب أدت بالنتيجة إلى احتلالها من قبل الآخرين، فلم تهنأ الأمور بالمنطقة وتوالت الكوارث والمحن، ومع ظهور البترول شهدت بلدان المنطقة نوعاً من الاستقرار وشيئاً من التمدن، ذهبت معظم خيراته إلى جيوب الغرب وأعوانهم. فكل الحروب التي شنت علينا باطنها الغذاء واقتناص اللقمة من أفواهنا لكن أهدافها العلنية إما دفاع عن الدين (الحروب الصليبية) أو الكرامة الوطنية (الحرب على الإرهاب) أو نشر الديمقراطية. وإما أنهم يحبوننا لدرجة الاستحواذ علينا وأكلنا كما تأكل أنثى العنكبوت رفيقها. مشاهد كثيرة جرت أحداثها على خشبة مسرح يمتد من المحيط إلى الخليج. وأصبحت اليوم ساحة تتنافس عليها مختلف أشكال الاستعمار الجديد، وأرض صراع وتحدٍّ حقيقي بين الشرق والغرب.
قامت الدول الغربية بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وبسبب الموقع الاستراتيجي للوطن العربي على تقسيمه وتفكيكه، وأقاموا ممالك ومشايخ على مواقع الثروات وخلقوا هذه الدول دون امتلاك مقومات الدولة.
استطاع الغرب وبجناحه العسكري (الناتو) وبعد سنوات أن يهزم المنظومة الاشتراكية وحلفها العسكري “وارسو” بل يفكك روسيا نفسها، وبالتالي فقد “الناتو” مبرر وجوده إلا إذا كانت له أهداف أخرى فتمدد شرقاً وأصبح على أعتاب موسكو، تخلّص من الشيوعية ولم يبقَ أمامه سوى العرب والمسلمين ولا بد من سايكس ــ بيكو جديد.
سعى الغرب إلى تقسيم العرب وإحداث الفتنة بينهم وإيهام العرب بأن الخطر قادم من بلاد فارس لتبدأ الحرب بين دولتين متجاورتين فأوعزوا إلى صدام حسين بمقاتلة الثورة الفتية فلم تمضِ سنة حتى كانت حرب الخليج بحجة استرداد عربستان إلى العراق فاستمرت الحرب لأكثر من ثماني سنوات أنهكت الجانبين، وقد دفع أمراء الخليج ثمنها من عائدات النفط التي كان من المفروض أن تستخدم في تنمية شعوبهم وفقد العراقيون أبناءهم، لم يهنأ الغرب ولتحقيق الفتنة عاود الكرّة مرّة أخرى ولتصبح إيران العدو الأوحد للعرب وتترك “إسرائيل” التي تحتل القدس بل تزداد توسعاً يوماً بعد يوم بقضم ما تبقّى من الأراضي. ولقد لاحظنا عبر التاريخ أن الأمم تنهض برجالها وإذا غاب الرجال فإن الأمة (إن وجدت) لن تستطيع حماية أي فرد من أفرادها.

ربيع الثورات
على مدى 7 سنوات يعيش العرب حالة من الخوف وعدم الاطمئنان، بعض الدول تشهد صراعاً مسلحاً على السلطة وإن بدرجات متفاوتة، كل شيء معطل، بليارات الدولارات تهدر، آلاف الشباب العاطل عن العمل ينضم إلى تنظيمات إرهابية أنشأها الغرب لتدمير ما تم إنجازه خلال عقود، وللأسف بعض بني عمومتنا يسعون بكل ما أوتوا من قوة لزعزعة الاستقرار، ربما لتحقيق مكاسب شخصية وهؤلاء من خلال ذلك يقومون بتنفيذ أجندة خارجية تهدف إلى إيجاد شرق أوسط جديد.
إخوتنا في جزيرة العرب الذين يرثون الحكم كابر عن كابر، وقد حباهم الله ثروات هائلة لم يعملوا على بناء قوة تجعلهم آمنين فوق أرضهم، لا يزالون يعتمدون اعتماداً كلياً على الغرب في الدفاع عنهم، في حين أن هؤلاء تحكمهم مصالحهم وعلى استعداد للتضحية بـ(أصدقاء الأمس) إن وجدوا، ومصلحتهم في غيرهم والأدلة على ذلك كثيرة شاه إيران، وماركوس حاكم الفلبين.
الأنظمة التي كنا نعدها عروبية، استطاع الغرب أن ينفذ إليها حيث استطاع “أعوانه” أن يتقلدوا مناصب هامة ببعض الدول ومنها آخر وزير خارجية في عهد القذافي، الرئيس الأسبق لأحد الأجهزة الأمنية، كما لا يفوتنا الحديث عن الجنرال المصري عمر سليمان وكيف انتهت به الحياة بعد عمر مديد من الخدمة لنظام حسني مبارك والأمريكان في زعزعة الوضع العربي والفلسطيني، فكان خبر وفاته أثناء تلقيه العلاج في أحد المشافي الأمريكية مفاجئاً أيضاً طرح علامات الاستفهام والتعجب والدهشة، خاصة وأنه جاء بعد حوالي شهرين من تسريب وثائق سرية للتعاون الاستخباراتي بين القاهرة وتل أبيب وواشنطن فيما يخص القضايا العربية والإقليمية وفي مقدمتها فلسطين وحركات مقاومتها.
الدول العربية التي تعاني أزمات اقتصادية، أخذت نصيبها من الخنوع واستدرار عطف الغرب، ظاهره جلب استثمارات لخلق فرص عمل جديدة لشباب يعيش وقت فراغ قاتل سبب في إحداث أوضاع أمنية مميتة بوقوعهم في أيدي جماعات إرهابية، عمل على تأسيسها الغرب، ساسة فرنسا الاستعمارية يعود بهم الحنين إلى شمال أفريقيا التي جثموا على صدور أهلها لعقود حيث كانت الحديقة الخلفية لها ومصدر التموين الرئيس لغالبية السلع الغذائية، وطأت أقدامهم النجسة ترابنا المغاربي الطاهر، عده ساستنا خيراً وبركة عليهم، بل وصل الأمر بالسيد محسن مرزوق المستشار السياسي للرئيس التونسي القول بشان زيارة ساركوزي إلى بلاده بالقول: “الأهم بالنسبة إلينا هو رؤية ساركوزي يتجول في أسواق تونس ومتاحفها وبين مواطنيها وفي ذلك دعاية جديدة للسياحة والاقتصاد التونسيين وللنموذج التونسي في الاعتدال، ونحن نرحب بـ ساركوزي وديف كامرون وأوباما وميركل وكل من ينوي زيارة تونس ودعمها لإنقاذ موارد رزق حوالي مليون تونسي”، متناسياً وللأسف ما سببه الصديق ساركوزي للشعب الليبي من دمار وانتشار جماعات إرهابية على التراب الليبي ما يؤثر سلباً على أمن تونس، كنا نتمنى رفع القيود على حرية التنقل بين رعايا الدولتين، فإذا بنا نفاجأ بقيام جدران عازلة وأسلاك شائكة تذكرنا بتلك المعتقلات التي أحدثتها إيطاليا في الشرق الليبي بحق أبنائه بحجة مناوأتهم لها، ولابد أن الفرنسيين قد أقاموا معتقلات مشابهة في البلاد المغاربية.
أما عن أولئك الذين كانوا يعدون أنفسهم معارضة وطنية لأنظمة شمولية فقد تبين أنهم موحلون في العمالة (غاطسون) حتى أخمص أقدامهم، المعارضة السورية تطالب الغرب بالتدخل العسكري لقلب النظام بها ولا يأبهون بما يحدث للشعب السوري رغم المآسي التي يعيشها الشعب الليبي جراء تدخل الغرب بتفويض عربي. كذلك نجد اليوم المساندة الغربية للمسيطرين (الذين آواهم الغرب ونصرهم وقدم لهم كافة أنواع المساعدة لإسقاط النظام) على الأوضاع في ليبيا بقوة السلاح لأنهم يرون فيهم الأمل الوحيد لإيجاد موطئ قدم لهم في المنطقة بعد أن اقتلع الشعب المصري الإخوان من جذورهم.
وبعد هذه حال العرب اليوم، خطر التقسيم يلوح في الأفق، قد تستحدث كانتونات لتلبية رغبات من يسعون إلى السلطة. وفي ذلك يتنافس المتنافسون، كل يقدم عربون عمالته للغرب وانسلاخه عن عروبته التي لم تعد قائمة، وأصبحت مسبة وعاراً للمنتسبين إليها, وظهرت إلى السطح أصوات نشاز تنادي “بدسترة” لهجات لا تسمن ولا تغني من جوع وكأنما اللغة العربية كانت مفروضة عليهم.