دراساتصحيفة البعث

سورية بوصلة العرب والعالم في العام 2018

 

د. شهاب المكاحله
كاتب اردني مقيم في واشنطن
في نهاية شهر تشرين الثاني من العام 2018، كنتُ مع عدد من الزملاء في سلسلة من المحاضرات لوضع استراتيجية للتعامل مع الواقع المُتغير يومياً في الشرق الأوسط ولمعرفة ماهيَة ردِ فعل الدول الكبرى تجاهها. وكان أن أدلى كلٌ منَا بِدلوْهِ إذ خُصصَ لكلٍ منَا 45 دقيقة فقط لطرح ما نراه قُبيل الانتهاء بمناقشة أوراق العمل والتوصيات.
تم النقاش حول عودة سورية إلى الجامعة العربية وفتح الأجواء السورية للطيران وإطلاق مرحلة الإعمار والتوافق على مشروع الدستور السوري مع القبول بترشح الرئيس السوري بشار الأسد لولاية قادمة. ففوجئتُ حين قيل لي إن ما يجري في السِرِ أكثر مما يتم التحدث عنه في العلن وخصوصاً على مستوى الدول التي تُشهر عداءها ليلاً نهاراً سراً وجهراً لـ “النظام السوري”.  يبدو إن ما يظهر من خلافات سياسية بين الدول الكبرى ليس سوى للاستهلاك الإعلامي.
وملخص الحديث أنه سيتم إعادة فتح السفارات العربية واحدة تلو الأخرى وعلى مستوى السفراء. كما أن إعلان الانسحاب الأميركي من سورية ليس تكتيكاً بل هو واقع وعلى الأطراف المعنية التعامل معه بكل ما فيه، وهنا كانت قراءة بعض دول الإقليم العربي.  لذلك سنجد في المرحلة القادمة زيارات عربية ودولية رفيعة إلى دمشق متمثلة بوزراء الخارجية ورؤساء الحكومات للتباحث في طي صفحة الماضي والبدء من جديد ومن هؤلاء مسؤولون لبنانيون معارضون لـ “النظام” لأنه لم يعد لهم غطاء سياسي خارجي في ظل تحقيق يجريه الكونغرس والنواب مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب حول عدة ملفات ما قد ينجم عنه تجميد جزئي لسلطات الرئيس يصاحِبُ ذلك انهيار في شعبية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وتطرقتْ الكلمات إلى الوضع السياسي والاقتصادي للاتحاد الأوروبي وانعكاساته على العلاقات الدولية والشرق أوسطية، إذ يبدو أن كُلاً من روسيا والولايات المتحدة تسعيان إلى إبقاء أوروبا قوية، ويعني ذلك إبقاء ألمانيا اللاعب الأساسي كون الاتحاد الأوروبي يضطلع بمهمة الحاجز الطبيعي بين موسكو وواشنطن.
ولكن واقع الحال، ليس كذلك، فمع سعى العديد من دول الاتحاد للانسحاب منه، يبدو أن العلاقة بين الاتحاد الروسي والاتحاد الأوروبي تتجه إلى مزيد من التدهور بل والصدام بسبب أوكرانيا وحتى بسبب دول بحر البلطيق التي سمحت بنشر صواريخ الناتو على الحدود الروسية. إن تلك التجاذبات السياسية والأمنية ناهيك بالعقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا والخلاف الغربي الروسي على الملف السوري ستقود إلى المزيد من النزاعات والخلافات بين موسكو وواشنطن وعواصم غربية. وحين أعلن ترامب في وقت سابق انسحاب بلاده من معاهدة الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى في إشارة إلى رفضه برامج التسلح الصاروخي الروسية التي تسعى إلى تطوير ترسانتها النووية، فإنه كان يرى أن أوروبا باتت في مرمى الخطر الروسي وأن هناك فوبيا من السلاح الروسي التي تعُم كافة أرجاء الدول الأوروبية.
وهذا ما دفع في 23 تشرين الثاني 2018، مارك كارلتون سميث، قائد الأركان البريطاني للتصريح بأن “الخطر الروسي على أمن أوروبا يفوق خطر التنظيمات المتطرفة مثل داعش والقاعدة”.  وأضاف سميث: “لقد أثبتت روسيا أنها مستعدة لاستخدام القوة العسكرية لتأمين وتوسيع مصالحها الوطنية الخاصة. شرعت روسيا في بذل جهد منظم لاستكشاف واستغلال نقاط الضعف الغربية، لا سيما في بعض المناطق غير التقليدية في الفضاء السيبراني، والحرب تحت سطح البحر”. كما أوضح الجنرال أن حلف الناتو سيواصل دوره الحيوي كحائط صد ضد روسيا، على الرغم من الانتقادات المتكررة للرئيس الأميركي المتكررة للحلف. ويرى سميث “أن أهم استجابة عسكرية تقليدية لروسيا هي استمرار قدرات وتماسك حلف شمال الأطلسي”. أنا لا أؤيد أي مبادرة تضعف الفعالية العسكرية لحلف الناتو كما أنه لا يمكننا أن نكون راضين عن التهديد الذي تشكله روسيا أو نتجاهله بلا رد”.
ويبدو أن رد  وزير الخارجية الروسي سيرغي لافرف على تلك العبارات بأن العلاقات البريطانية الروسية ليست بأفضل أحوالها، خصوصاً وأن تصريحات المسؤول البريطاني جاءت عقب زيارته للقوات البريطانية في أستونيا على بحر البلطيق القريب من السواحل الروسية.
سبتدأ السنة القادمة عمَا قريب والفائز فيها هو من صبر أعواماً منذ العام 2011. نعم، هناك رغبة في عودة سورية بمكوناتها إلى الجامعة العربية بعيداً عن التجاذبات السياسية المبنية على أسس تعصبية.
كما أن هناك إشارات من عدة دول أوروبية ولاتينية وعربية وأفريقية وآسيوية تبدي رغبة لمد جسور التواصل بينها وبين الحكومة السورية. وهنا وبعد نحو 8 أعوام على الصراع في سورية أكلت الأخضر واليابس تعود الأمور إلى ما كانت عليه قُبيل العام 2011 وسط جراح وآلام الكثيرين ممن تشردوا وفقدوا أحبتهم وممن هاجروا وطنهم بحثاً عن الأمن والأمان.