أخبارصحيفة البعث

ملصق إعلاني في مشيخة قطر يثير غضب التونسيين

 

تونس/البعث/ محمد بوعود:

لم تهدأ ثورة الغضب التي اجتاحت الشارع التونسي، منذ أمس الأول، تاريخ اكتشاف ملصق إعلاني في بهو مول تجاري قطري بالدوحة في مشيخة قطر، يحمل شعار “تحت الصفر” وقد رُسمت عليها صورة مُستهجنة لامرأة فقيرة ذات ملامح تونسية، وكتب الى جانبها “بمائة ريال قطري تمنح الدفء لتونس”.
هذه اللافتة اعتبرها التونسيون إهانة كبيرة للبلاد، ومسّ من كرامة التونسيين، وتصوير البلاد على أنها فقيرة مُعدمة وتتسوّل إحساناً وتبرّعات من الآخرين حتى تُعيل أبناء شعبها.
وقد كانت ردّات الفعل عنيفة من النخبة التونسية، والناشطين خاصة على مواقع الفايسبوك وتويتر وغيرها من الحوامل الالكترونية، والذين خصصوا تقريباً طيلة عطلة نهاية الأسبوع في تونس، للردّ بعنف على هذا “الاعتداء” القطري، والذي رأى فيه أغلب التونسيين نوعاً من الإهانة، التي لا يقبلها التونسيون، وقال آخرون إن بلاد الثلاثة آلاف سنة حضارة، سليلة أمجاد قرطاج وأحفاد الكنعانيين لا يمكن أن تتسوّل صدقة من بدو النفط وثراء الصّدفة.
أما على المستوى الرسمي فقد أدّى الضغط الشعبي وحملة الإدانة والتنديد على مواقع التواصل الاجتماعي إلى تدخّل من أعلى المستويات، حيث بادر رئيس الجمهورية إلى توجيه وزير الخارجية خميس الجهيناوي، لإجراء الاتصالات اللازمة مع القطريين من أجل تفادي مثل هذه الاهانات التي تُوجّه الى سُمعة البلاد وتمسّ من كرامتها.
وزير الخارجية التونسي، اتصل مباشرة بنظيره القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، الذي اعتذر من الجانب التونسي، وأكد في تصريح رسمي أن المسألة غير مقصودة، وأنه أصدر تعليماته بإزالة اللوحة الاشهارية فوراً من كل الأماكن التي عُلّقت بها.
وللتذكير فإن اللوحة الإعلانية التي سببت هذا الغضب في الشارع التونسي، يعود إنجازها وتعليقها إلى مؤسسة “قطر الخيرية” التي تنشط في مجال المساعدات الانسانية، حسب منطوقها الرسمي، لكنها لا تحظى بشعبية في تونس، بل إنها كثيراً ما يقع تداول اسمها في الحديث عن الجمعيات المتهمة بتمويل الإرهاب، وإن كان لم يثبت عليها شيء ملموس إلى حد الآن، إلا أنها قد نشطت كثيراً في منطقة الجنوب الشرقي التونسي، المحاذية للحدود الليبية في السنوات الأولى التي أعقبت الإطاحة بنظام بن علي، وسجّلت تدخّلات في عديد المجالات التي لفتت الأنظار إلى وضعها، والقائمين عليها، خصوصاً وأن رئيسها المباشر هو عبد المنعم الدايمي، شقيق النائب بمجلس الشعب عماد الدايمي، الأمين العام لحزب المؤتمر الذي أسسّه الرئيس السابق محمد منصف المرزوقي، المعروف بعلاقته الوثيقة بالقطريين وبقناة الجزيرة.
التونسيون لم يتوقّفوا عند حدود الردّ القاسي على هذه المعلّقة المهينة، بل تجاوزوها إلى المطالبة فوراً بإغلاق فرع هذه المؤسسة القائمة عليها في تونس، وإحالة المشرفين عليها للمسائلة القانونية على خلفية إهانة البلاد، وعلى خلفية الشكوك حول علاقتها بتمويل الإرهاب، خاصة وأن صورة قطر في تونس ارتبطت دائماً بالدعم السخيّ الذي قدّمته ولازالت لحركة النهضة الإخوانية، وللمجموعات المسلحة التي قاتلت لسنوات من أجل إقامة “الدولة الاسلامية” في تونس، وكذلك للرئيس السابق المنصف المرزوقي، الذي لازالت قناة الجزيرة الى اليوم تحتضنه وتدعمه بقوة في مواجهة الحُكم الحالي برئاسة الباجي قائد السبسي الذي انتصر عليه في انتخابات رئاسية بدورتين أواخر 2014.
ويثير التدخّل القطري في الشؤون الداخلية التونسية الكثير من الحساسية وردود الفعل لدى عدد كبير من التونسيين، نُخبة وشعباً، خاصة وأن صورتها اقترنت في ذهن التونسيين بدعم الإرهاب والانتصار للحركات المتطرفة، ومحاولة الرّكوب على “الثورات”، وبذراعها الإعلامي قناة الجزيرة، التي تسخّرها لتوجيه الرأي العام والسيطرة على شعوب المنطقة، ومحاولة التعملق ولعب أدوار إقليمية أكثر من حجمها.
مجموعات أخرى من الناشطين على صفحات التواصل الاجتماعي، لم تكتف بردود الفعل الرسمية والاعتذار القطري بل تجاوزته إلى الدعوة لطرد السفير القطري من تونس، والى الدعوة لإعلان حملة مضادة قوامها “بمائة دينار تونسي تُدفئ قطر وتصنع لها الحرية والديمقراطية والحضارة”. في إشارة إلى ما تعيشه قطر من وضع بائس على مستوى حرية التعبير وعلى مستوى التقاليد الديمقراطية الغائبة تماماً عن المشهد القطري، وعلى أسلوب الحكم العائلي المشيخي الذي لا يمتّ للدول الحديثة بصلة، رغم الفائض المهول من ثروات النفط والغاز، التي تبعثرها العائلة الحاكمة على مشاريع مشبوهة وعلى حروب وهمية وصراعات لا ناقة لها فيها ولا جمل، والتي كثيراً ما جلبت الويلات على الشعوب، ومنها الشعب التونسي.
وتُعتبر هذه الحادثة الأعنف في تاريخ العلاقة بين تونس والدوحة، حيث عرفت هذه العلاقة كثيراً من محطات متوتّرة، رغم ما يحاوله الجانبان الرسميان من حرص على علاقات صداقة وتعاون، لا يظهر لها أثر إلا في البلاغات الرسمية واللقاءات الدبلوماسية، حيث شهد مُفتتح 2012 هزّة كبيرة واستياء لدى التونسيين عند تنصيب الرئيس منصف المرزوقي، حيث قال الأمير المعزول حمد بن جاسم ساعتها ضاحكاً للصحفيين التونسيين في الحفل “جيت أعلّم رئيسكم أش لون يوقّف ويسلّم” واعتبرت ساعتها إهانة كبيرة لتونس.
أما المصادمة الثانية، فكانت في تصريح من الدوحة لراشد الغنوشي قال: فيه إن “الثورة التونسية وُلدت من تحت عباءة القرضاوي” في اشارة تزلّفية لما قدّمته قطر من دعم لحزب النهضة الإخواني حتى يفوز بالانتخابات البرلمانية الأولى التي جرت في تونس عقب أحداث 14 كانون الثاني 2010.
ولا شكّ أن هذا التاريخ الحافل من التدخّل القطري في الشؤون الداخلية للتونسيين وما يصاحبه عادة من هفوات قطرية إما غبيّة أو عن قصد، قد خلق نوعاً من الحساسية الكبيرة لدى فئات واسعة من الشعب التونسي، تجاه كل ما هو قادم من قطر، رغم أن أتباع حركة النهضة والمرزوقي، عادة ما يستميتون في الدفاع عنها وعن تركيا وأردوغان، ويعتبرون أن المساس بالدوحة واسطنبول هو آلياً خدمة لمحور أبو ظبي الرياض، الذي يحاول بدوره ايجاد موطئ قدم للتأثير والتدخّل في الشأن التونسي.