ثقافةصحيفة البعث

رحلة صيد

بدأت القصة باتفاق عدة شبان على القيام برحلة صيد، فانطلقوا في الساعة الثانية ليلاً متحدين العتمة لا يهابون الضباع أو الوحوش، راحوا يلتمسون الطريق كمن يضع عصبة على عينيه في ذلك الجو المعتم الندي الضبابي، كل واحد منهم يحمل عدته وزوادته، مشوا نزولاً لبعض الوقت وهم يتقدمون متدافعين يخفي كل واحد منهم خوفه بين ضلوعه. ويفتعل الشجاعة في المقدمة أحدهم قال: بالقرب من هنا ملحق صغير لصاحبنا وقد وضع لنا كل لوازم وعدة الطبخ.

أجابه آخر بخوف: غر.. غرفة ماذا، من سيرى في هذه العتمة، ليرد عليهم رفيق آخر: لماذا ترجفا، أهو الخوف أم البرد؟ لا بد أنه الاثنان معاً.

ضحك الجميع، وقالوا: معنا علبة كبريت، واحد يشعل عوداً وآخر يجلب العدة وأنتم ابقوا هنا واحملوا الأغراض.. دخلا الغرفة مفتشين على العدة ولوازم الطبخ، وبينما الآخر يفتش وقعت يده على شيء طري ناعم كالصوف، فسرت قشعريرة في جسده, فأسرع بالابتعاد عن تلك الزاوية دون أن ينبس بكلمة، عاد صديقه يحمل عود ثقاب يبحث في الزاوية نفسها ولم تكد تلامس يده ذاك الشيء حتى صرخ وجعل صديقه يلحقه ليهرب مع الجميع مبتعدين من ذاك المكان حاملين ما جمعوا من أغراض.. وصلوا إلى مكان بعيد عن الملحق وهم يلهثون من التعب والخوف، أحدهم يفتعل الشجاعة بسخرية: لما الركض هكذا يا جبناء؟ قال صديقه: لو وقعت يدك على ما وقعت أيدينا ولمست ذاك الشيء لعرفت،  ثم إن كنت لا تخاف لماذا ركضت معنا.. أحس بالإحراج وحاول تبرير موقفه: يكفي ما أحضرناه، علينا المتابعة قبل طلوع الشمس, فأشعل أحدهم عود ثقاب ونظر إلى ساعته: الله أعلم سيبزغ الضوء ونحن في الطريق وحينها سيهرب الصيد كله بسبب الخوف والجبن، دعونا نتابع.. لم ينبس أحد بكلمة وتابعوا الطريق بينما ضوء القمر ينير دربهم، وهم يتابعون سيرهم لمحوا جانب الطريق شيئاً كبيراً ضخماً حالك السواد لا شكل له وقد تهيأ لهم أنه قطيع ذئاب جائعة مجتمعة أو دب كبير ينتظر قدوم أحد ما, فزاد خوفهم وتساؤلهم وبدأ أحدهم يتأتئ من رعبه: ما.. ما هذا الشيء.. رد أحدهم: لا بد أنه قطيع ضباع أو لا بد أنه دب نائم.. لا.. لا أعرف … لا شكل له دعونا نرجع سالمين …. قطع كلامه آخر يدعي الجرأة وهو يسخر منه : إن كان هذا الشيء أرعبكم فماذا نأمل منكم ؟ … راح اثنان منهم يصطنعا الشجاعة يتقدمان وهما يبتلعان خوفهما ويهمسان لبعضهما الأول : ما قولك … أيكون ضبعاً أم ذئباً …. أو ربما … الآخر : وما أدراني … دعنا نقترب منه وإن تحرك استخدمنا البندقية … المهم أن لا نظهر جبناء ….

راحا يقتربان لوحدهما … تابعا الاقتراب وهما يشجعان بعضهما …. بينما الآخرون يحملون أمتعتهم …. وقد جفت أفواههم لشدة الرعب …. وضع الأول بيده بندقية وهو يتقدم مع صديقه الذي يقذف حجارة كي يتأكد من عدم تحرك ذاك الشيء ولم يتحرك شيء … أحسا بالعرق يتصبب على وجههما.

حرك البندقية فتطايرت شظايا عليهما … تحسسا رائحة غير محببة تسللت إلى أنفهما …. أنزل بندقيته واخرج عود ثقاب ليشعله وتفاجأ بالكومة الهائلة التي أخافت الجميع فلم يكد يشعل العود جيداً حتى انطلق ضحك مجنون شجع الباقين على الاقتراب وهم يتساءلون بكل غباء : لا بد أنهم قتلوا الوحش وهم يضحكون ….

ظهرت كومة هائلة على شكل تلة وضعها أحد الفلاحين وقد كانت من روث الحيوانات والتبن …. أمسك الأول برقبته حين أحس أن شدة الضحك ستقطع شرايين رقبته …. قطع الثاني الضحك والحديث الذي تحول إلى جدال وسيصل إلى شجار بقي القليل ونصل ستطلع الشمس وصلوا المكان المقصود وأشعلوا النار بينما بعضهم يجمع العيدان , وقد انقشع الضباب وبزغ الفجر معطراً الكون بهوائه النقي مما بعث الطمأنينة في قلوبهم ….

أكمل البعض رحلة الصيد وهم يفتشون في الحراش ويدخلون بين الشجر والشجيرات وقع نظرهم على حفرة بدت غريبة وكأنها لم تكتشف من قبل بعد , غطتها الأشجار والأعشاب بشكل غريب …. أخذوا يقتربون أكثر وبدت الدهشة على وجوه الجميع وكأنهم اكتشفوا كنزاً اقترب أحدهم كعادته فبدت له مغارة كبيرة و نادى الجميع كي يقتربوا وبدا عليهم الاستغراب والتساؤل والخوف ……. أحدهم : على أحدنا أن ينزل ويرى ما بداخلها , آخر : أمجنون أنت …. ربما يختبئ بداخلها وحش …. وما أدراك يا مغفل …. ربما العكس …. ربما كنز أو آثار أو شيء ثمين ….. الأول : دعونا نشعل ناراً ونرى عمقها على الأقل ….. أمسك بالشعلة وراح يقربها ليروا عمق الحفرة …. ذهلوا لرؤية بقايا عظام جعلت الرعب يدب  بقلوبهم وأسرعوا بالابتعاد من ذاك المكان هاربين كل في اتجاه…

تغريد الشيني