تحقيقاتصحيفة البعث

100 حديقة عامة في طرطوس بطء وتأخر في أعمال الصيانة.. وفوضى استثمارية تشوّه جماليتها

بدا مثيراً للانتباه الرقم الذي تحظى به طرطوس من المساحات الخضراء والحدائق، إذ تتجاوز المساحة الإجمالية لها ضمن المدينة الـ 70 هكتاراً، وتغطي الحدائق العامة والجزر المزروعة ما يقارب الـ  500000 م2، في حين تصل المساحة الإجمالية للحدائق بمفردها لـ 351000 م2، وهناك أكثر من 100 حديقة ضمن المخطط التنظيمي للمدينة السياحية الصغيرة، وبمساحات مختلفة، منها 45 حديقة جاهزة ومفتوحة لاستقبال السكان على مدار الساعة، ومع كبر هذه الأرقام، وما يفترض أن تشير إليه من مستوى متطور للتقدم والرفاهية اللذين يحققهما وجود هذه الحدائق بالنسبة لساكني المدينة، تبدو الأعباء والمسؤوليات كبيرة بالنسبة للقائمين والمسؤولين عنها، ولا تبدو مهام الصيانة والإشراف باليسيرة أو السهلة في ظل الإمكانيات المتوفرة، فالواقع الذي تعيشه اليوم حدائق طرطوس يتطلب الكثير من العمل، ورفع وتيرة الأداء، خاصة مع شكاوى مستمرة عن بطء وتأخر أعمال الصيانة وتقليم الأشجار في بعض الحدائق، والأوساخ المنتشرة في بعضها الآخر، وعدم تجهيز حدائق أخرى بالمتطلبات البسيطة كالمقاعد، أو ألعاب الأطفال، وغيرها، فلماذا يلحظ كل هذا التقصير؟!.

تساؤلات مشروعة

شكاوى متكررة وصلتنا من بعض سكان المدينة عن بطء وتأخر أعمال التقليم السنوي في الحدائق التي تجاورهم، إذ يتحدث أبو يوسف، أحد سكان حي الغمقة الشرقية، عن خوف دائم يعيشه سكان المنطقة من وقوع حوادث مؤسفة، أو حرائق نتيجة تلامس أغصان الأشجار في الحديقة المجاورة لمنازلهم مع الشبكة الكهربائية، وهو ما كاد أن يحدث فعلاً العام الماضي، ويمكن أن يحدث هذا العام أيضاً، خاصة مع اشتداد فصل الشتاء، وما يحمله من عواصف ورياح قوية أمام واقع ارتفاع أشجار الحدائق، وتلامسها في أكثر من جانب مع الشبكة الكهربائية التي تخدم الحي، ومثلها شكاوى مماثلة في مناطق أخرى، في المقابل تبدو التساؤلات مشروعة بالنسبة لسكان آخرين عن إمكانية استثمار هذه الحدائق بشكل مختلف، وزراعتها بأشجار ذات جدوى اقتصادية للمدينة، أو للسكان الذين يتمتعون بمنظرها، وبحسب بعض السكان، لماذا لا تعمم تجارب زراعة أشجار ذات جدوى اقتصادية وفائدة بالنسبة للمدينة وساكنيها، إضافة للدور الجمالي، وهو ما قامت به الكثير من الدول؟ نقاط أخرى أثيرت أيضاً عن الخدمات التي يمكن أن تتوفر في حدائق طرطوس من ألعاب أطفال، وغيرها، حيث تفتقد العديد من هذه الألعاب لعامل الأمان، تساؤلات أخرى طرحت كيف تحول الكثير منها لأمكنة تجارية تنتشر فيها البسطات والعربات بطريقة فوضوية؟ ووفقاً لما يتحدث عنه رواد حديقة الباسل، وهي أكبر حدائق طرطوس، فهناك انتشار لهذه البسطات والاستثمارات التجارية بطريقة فوضوية قضت على جمالية الحديقة، وشوهت منظرها العام بعد أن كانت مثالاً يحتذى به.

ليس يسيراً

يؤكد علي محمود، مدير دائرة الحدائق في محافظة طرطوس، وجود أكثر من 100 حديقة في المحافظة بمساحات مختلفة تعد بمثابة رئة للمحافظة، ويقول: هناك حدائق صغيرة تتراوح مساحتها من 500 إلى 4000 م2 منتشرة ضمن الأحياء السكنية، وعدد من الحدائق الكبيرة: (الباسل- تشرين- الطلائع- الكورنيش البحري)، تحتوي على عشرات الآلاف من الأشجار المنوعة، كما يتحدث عن مهام ليست باليسيرة تقوم مديرية الحدائق بتنفيذها بشكل يومي وعلى مدار العام من خلال الكادر البشري العامل لديها من قص مروج، وتقليم وتهذيب الأشجار، ورش المبيدات، والتسميد وتشغيل وصيانة شبكات الري، وكذلك تأمين الري بالصهاريج، كما تقوم الدائرة بإنتاج أغلب الغراس والنباتات والحوليات المزهرة لتغطية حاجة المدينة من خلال المشتل التابع للدائرة، إضافة للقيام بأعمال المتابعة والصيانة اليومية لكافة الحدائق في المدينة للحفاظ على جاهزيتها، وجاهزية الألعاب فيها، ويضيف: تتم متابعة كافة الحدائق من حيث صيانة الألعاب فيها، وتركيب ألعاب جديدة، وتنحصر الألعاب الموجودة في الحدائق بـ: (الأراجيح- الزحليطة- التوازن- الدائري)، وهي ذات نوعية جيدة، وتحقق اللعب الآمن والسعيد للأطفال، أما بالنسبة لطبيعة الأعمال المنفذة فهي تختلف بين الصيف والشتاء، ففي الصيف هناك أعمال تقليم صيفي تشمل تشكيل الأشجار القابلة للتشكيل: (فيكس- ليغستروم..)، ومتابعتها، وقص الأسيجة: (ليغستروم- ديدونيا)، وشمر الأشجار، أي رفع الأشجار التي تتدلى باتجاه الأرض، وكذلك ترحيل البقايا من الحدائق التي لا يوجد فيها حراس، أما في الشتاء فهناك أعمال تقليم شتوي تتضمن تقليم كافة أشجار وشجيرات المدينة، ويتم ذلك بمعدل مرة كل سنة لكافة أشجار المدينة، ويتم أيضاً التسميد، ومتابعة الرش الدوري لكافة الأشجار والمسطحات الخضراء حسب الحاجة، كما يتم بشكل دائم تنفيذ أعمال الصيانة ضمن الإمكانيات المتاحة، وكذلك زراعة الأشجار في أرصفة المدينة، وزراعة الحوليات في الأماكن المحددة بمعدل مرة كل ثلاثة أشهر حسب نوع هذه الحوليات، وأعمال أخرى تشمل التعشيب، وقص المروج، وصيانة النوافير وتشغيلها، ومتابعة تقليم الأشجار في مداخل المدينة، وغيرها.

ضمن المتاح

ومع كثرة المهام والأعباء التي تحدث عنها مدير دائرة الحدائق، يبدو تأثير الكادر البشري جلياً وواضحاً في انخفاض مستوى الخدمات المقدمة في تلك الحدائق، حيث يوضح مدير الحدائق في المحافظة: تقوم دائرة الحدائق بواجباتها ضمن الإمكانيات المتاحة مادياً وبشرياً، لكن النقص الكبير في عدد العمال بعض الأحيان يحول دون القيام ببعض المهمات المطلوبة، إذ يبلغ العدد الإجمالي للكادر البشري في دائرة الحدائق 150 شخصاً فقط موزعين بين مهندسين، وإداريين، وعمال، ويغلب على هذا المجموع الطابع الإداري، والأنثوي، كما نعاني من نقص بعض اختصاصات الهندسة، وتداخل بعض أعمال الدائرة مع دوائر أخرى نتيجة عدم وجود ورشات تخصصية: (أرصفة- بناء- مجاري كهرباء)، وهناك معاناة أيضاً مع نقص الآليات، وقدم الموجود منها، إضافة إلى صعوبة توفير قطع تبديلية لها، مضيفاً: يتوزع عمل العمال بين ورش، وحراس حدائق، وورشات صيانة، وورشات ري، وسائقين، ويختلف عدد هذه الورش حسب الفصل، حيث تزداد ورشات الري والترحيل صيفاً، وعلى العكس يزداد عدد ورشات التقليم شتاء، كذلك تقوم دائرة الحدائق بإجراء أعمال الصيانة في الحدائق العامة ضمن الإمكانيات المتاحة من صيانة الألعاب، والمقاعد، والممرات، وشبكات الري، والأشجار، وغيرها، والتي تتعرّض للاهتلاك نتيجة عامل الزمن، أو نتيجة التخريب المتعمد.

أدوار سلبية

ويشير مدير الحدائق أيضاً للدور السلبي الذي يقوم به بعض ضعاف النفوس، البعيدين عن ثقافة الحدائق، والقواعد الأساسية للنظافة العامة، حيث يقومون برمي النفايات والبقايا في أرضيات الحدائق، حتى مع وجود سلال مهملات مخصصة، وهذا أمر ينبغي التنبيه له دائماً، والعمل على خلق ثقافة خاصة بالمواطن لدخول الحدائق واستخدامها، فالحفاظ عليها مسؤولية مشتركة من قبل الجميع، وعن الألعاب يقول: إن سوء استخدام ألعاب الأطفال، واستخدامها من أعمار أكبر من المخصصة لها، يؤدي إلى تعطلها الدائم، وهذه إشكالية أخرى نعاني منها، إلى جانب عبث بعض المواطنين بالمرافق العامة في الحدائق، وتخريبها: (دورات مياه- مناهل شرب- سلال مهملات- ألعاب)، إضافة إلى تخريب المقاعد، مؤكداً أن التعامل مع الشكاوى، وحالات الاعتداء على الحدائق، وتخريب الممتلكات العامة، يتم من خلال تطبيق القانون رقم 49 لعام 2004 (قانون نظافة وجمالية الوحدات الإدارية وتعليماته التنفيذية)، وذلك في حال تمكننا من معرفة الفاعلين، لكن للأسف نحن نعاني بشكل كبير من نقص المراقبين المكلفين بتطبيق هذا القانون، وفي حال عدم قدرتنا على معرفة الفاعلين يتم تسطير كتاب إلى قيادة شرطة المحافظة للتحقيق بالجرم، ليصار إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة أصولاً، وفيما يخص الشكاوى المقدمة منها ما يتم من خلال الاتصال المباشر على أرقام الهواتف (216730- 312924)، أو الاتصال المباشر برئيس دائرة الحدائق، أو عبر كتاب يسجل أصولاً في الديوان العام، وفي كل الحالات يتم الكشف على الشكاوى من المهندس المختص، وتقدير حجم العمل والسرعة المطلوبة لإنجازه فيها، وتتم المعالجة خلال مدة أقصاها 72 ساعة حسب الإمكانيات المتوفرة، وهناك حالات تعطى أولوية على عمل دائرة الحدائق، وهي الحالات التي تهدد السلامة العامة، أو حالات التداخل مع الشبكات الكهربائية.

خطط استبدال

مدير الحدائق في طرطوس نفى وجود أية خطط لاستبدال أصناف أشجار معينة، لكنه تحدث عن تجارب لم يكللها النجاح بما يخص زراعة بعض الأشجار المثمرة، فتحدث: تتواجد في حدائق طرطوس كل الأشجار والشجيرات التي تنمو في البيئة الساحلية، ونظراً لكون المدينة السياحية تتمتع بهطولات مطرية غزيرة، فقد تم التوقف عن زراعة الأشجار متساقطة الأوراق مثل: أزدرخت- دلب لما تشكّله من خطر على انسداد المصارف المطرية، كما تم التوقف عن زراعة أشجار الكينا بسبب نموها الكبير، وعدم مناسبتها لشوارع المدينة، ويتم التركيز على زراعة أشجار الفيكس دائمة الخضرة نظراً لقابليتها للتشكيل، وفائدتها البيئية، وكذلك الغار والخرنوب، وغيرها من الأشجار المفيدة، والشجيرات ذات الأزهار: (هيبسكس- فرشاة الزجاج)، أما فيما يخص زراعة الأشجار المثمرة فقد تمت على سبيل التجربة زراعة بعض الشوارع ببعض أنواعها: (ليمون في شارع الكرامة- توت في جمعية الزراعة)، ولكنها لم تعط النتائج المرجوة بسبب تساقط الثمار، وانتشار الحشرات، والروائح، إضافة لكونها بحاجة إلى مكافحة كيميائية بشكل مستمر، وهو أمر تحاول دائرة الحدائق تجنبه بشكل كبير لما له من أثر سلبي على الصحة العامة، وفيما يخص استبدال الأنواع الموجودة، لا توجد أية خطط للقيام بهذه العملية كونها ستؤدي لتشويه المدينة، والقضاء على عدد كبير من المساحات الخضراء لحين نمو الأشجار الجديدة مجدداً، وهناك عدد كبير من الأشجار التي انتهى عمرها الفني، وتصاب باليباس من تلقاء نفسها، يتم العمل على إزالتها واستبدالها.

خدمات وإشكاليات

خدمات أخرى يتم العمل عليها، ختم مدير الحدائق الحديث عنها بالقول: يتم تقديم بعض الخدمات للإخوة مرتادي الحدائق الكبيرة: (الباسل- تشرين- الطلائع- الكورنيش البحري) من خلال استثمار الأكشاك الموجودة، بحيث تؤمن خدمات: (مشروبات باردة- ساخنة- فوشار)، ولكن للأسف، تحول جزء من حدائق طرطوس إلى مستثمرين هو أمر غير قانوني وغير مسموح به، وتقوم المدينة من خلال دائرة الأملاك بمتابعة مثل هذه الحالات وقمعها، وتنظيم الضبوط المناسبة، فاستثمار الأكشاك أو أي نوع آخر من الاستثمارات ضمن الحدائق يتم بهدف تحقيق إيرادات مالية بحتة، ولا يراعي في معظم الأحيان الخصوصية المطلوبة في الحدائق، والرقي الذي نكسبه من وجودها بحلة جميلة، فالمعروف أن هناك ارتباطاً جوهرياً بين وجود الحدائق والمسطحات الخضراء في أية مدينة، وارتفاع مستوى الخدمات المقدمة من الدولة لمواطنيها،  فالمستوى الحضري يكون للمدن من خلال حصة الفرد من المسطحات الخضراء المتاحة له، والواجب أن تكون بأبهى الحلل وأجملها.

محمد محمود