اقتصادصحيفة البعث

فساد الأخيار من أكبر الأخطار

ظاهرة الشكوى من الخلل والقصور والفساد تترد ليل نهار، على ألسن جميع الأخيار، ولو تمحصنا ملياً لوجدنا أن معظم هذا المشكو منه ناجم عن الأداء القاصر والسلوك الفاسد والممارسات المشينة لكثير من خريجي الجامعات، الذين يشكلون طليعة متعلمي ومثقفي المجتمع، ويشغلون مواقع القرار ومفاصل تنفيذه، والأمثلة على ذلك عديدة، وفي المقدمة أولئك المعنيون في التشريع الذين يتأخرون كثيراً في إصدار تشريعات واجبة الصدور سريعاً، بل كثيراً ما تبين حاجة الرجوع عن بعض التشريعات، المطروحة كمشروع أولي، ومثال ذلك قانون الاستثمار الذي ظهر على الملأ – قبل أشهر – وفي صيغتين متباينتين، وقد تم طيهما معاً لإعادة النظر وإصدار قانون جديد، إثر المزيد من النقد الذي لقيه المشروعان من بعض المهتمين، وحتى تاريخه لم يصدر القانون المرتقب رغم الحديث عن أهمية صدوره، مع بدايات مرحلة إعادة الإعمار، وقد تبين أكثر من مرة أن بعض التشريعات التي صدرت تضمنت بعض الثغرات التي تدفع باتجاه الخروج على التشريع، أو تعطيله أو المطالبة بتعديله مجدداً، أو تفسيره بخلاف ما كان يتوخى منه، عدا عن أن بعض المشرِّعين قد يكونوا هم أول الخارجين عن الالتزام بما شرعوه أو وجهوا به، ومن أبسط الأمثلة على ذلك تشريع منع التدخين في الأماكن العامة.

لا يخفى على أحد أن المهام الإدارية العليا والوسطى، بيد شريحة خريجي الجامعات، الذي من المفترض بل المتوجب أن يكونوا هم أخيار المجتمع، إذ ما من مؤسسة أو إدارة إلا وعلى رأسها ورأس مفاصلها خريج جامعي، ويندر أن تخلو إدارة من حالات خلل أو فساد، بما في ذلك الفساد المفضوح المتمثل باستخدام بعض العاملين والآلات والمعدات لخدمة الصالح الشخصي للمدير، وأما عن قصور وفساد بعض الخريجين من أصحاب المهام الحرة، فكثيرون يلاحظون قصور بعض الأطباء عن أداء دورهم المتوجب عليهم في المشافي والمراكز الصحية العامة، بغية استجرار المرضى إلى عياداتهم، عدا عن أن بعضهم يمنح التقارير الطبية المرضية – في أكثر من حالة – خلافاً للواقع، بغية الكسب المادي لقاء ذلك، وبعض المحامين يتوكلون عن مجرمين أو معتدين أو مخالفين، ويدافعوا عن باطل موكليهم، بمرافعات مضللة واستمهالات مماطلة، غير آبهين بما ينجم عن ذلك، من تبعات اقتصادية تنعكس على الدولة، وتبعات اجتماعية تنعكس على الفرد والمجتمع.

ولا يغيب عن ناظر الكثيرين وبعض الخبراء – معظمهم من خريجي الجامعات على تنوع اختصاصاتهم – الذين يقدمون خبرتهم للمحاكم، خلافاً للحقيقة جزئياً أو كلياً، لقاء كسب مادي غير مشروع يحصلون عليه نتيجة تعاطفهم مع المستفيد من هذه الخبرة، ما قد يؤسس لحاجة تكرار الخبرة أكثر من مرة، وما يؤدي لأن تأخذ المحكمة بالخبرة المجحفة بحق الطرف المحق لصالح الطرف المبطل.

وتبقى الشكوى الكبيرة التي نعيشها منذ سنوات، وتتفاقم خطورتها عاماً بعد عام، والمتمثلة بانتشار ظاهرة تعليم الساعات الخصوصية في البيوت، ولجميع الصفوف، حتى إنها كادت تعم جميع الشرائح الاجتماعية، نتيجة قصور أداء بعض خريجي الجامعات من معلمين ومدرسين، ما يؤدي لضياع مليارات الليرات السورية المصروفة على التعليم المجاني، والدفع باتجاه توسيع التعليم الخاص، عدا عن انتشار هذه الظاهرة في المعاهد والجامعات، وشكوى الطلاب من حالات عديدة من ممارسات بعض المدرسين.

ولا يغيب عن بال أحد الشكوى الاجتماعية من القضاة الذين يطيلون فترة التقاضي بين الخصوم، ويكدسون دفوعات الطرفين، التي لا يخلو بعضها من تضليل ومماطلة متعمدة، وقد يختم القاضي الدعوى باعتماد خبرة مضللة أو شهادة كاذبة مغفلاً العديد من الوثائق والحقائق، ومثلهم أولئك المفتشون الذين يتأخرون في النظر في القضايا المعروضة بين يديهم، وغالباً ما يعالجونها ببعض السرية التي قد تحد أو تمنع إبراز المزيد من الوثائق الداعمة للحق المثار في القضية، والمخجل والمشين ذاك الخلل والفساد الذي ينخر في العديد من المنظمات والنقابات على تعددها وتنوع مهامها وتسمياتها، وكثير من أعضائها يشكون منه، والغريب المؤسف ذاك الخلل والفساد الذي يظهر بين حين وآخر في بعض الجمعيات الخيرية في أكثير من مكان وزمان، وحقيقة الأمر لو أن أخيارنا خيِّرو الأفعال كما يجب، لا انكفأ أشرارنا وعادوا إلى رشدهم اقتداء بمن يجدونه قدوة أمامهم.

فلنسحب الستارة عن المسرح ليتكشف لنا أن بعض أخيارنا في المهمات هم أشرارنا في الملمات، ومع ذلك يبقى من الإنصاف والاعتراف بوجود ثلة من الخيرين، والآمال معلقة على ثباتهم وازدياد عددهم يوما بيوم.

عبد اللطيف عباس شعبان

عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية