تحقيقاتصحيفة البعث

عندما نستسهل القضية نشر الصور والخصوصيات في وسائل التواصل الاجتماعي يساعد على الجريمة ويدين صاحب العلاقة

 

امتلكهم الغضب عندما شاهدوا صورتهم العائلية المأخوذة في إحدى المناسبات الخاصة جداً، وقد تم التلاعب بها، ويتم تداولها في الكثير من الصفحات والمواقع مع قصة غريبة لا تمت لهم بصلة، وطبعاً ما جرى مع هذه العائلة يتشابه مع ما حصل في مئات بل آلاف القصص التي يتحمّل مسؤوليتها صاحب العلاقة المدان بمسؤولية تقديم المعلومة بعد أن قام بشكل متعمد بنشر خصوصياته لتكون مادة إخبارية قابلة للتحريف والتعديل كما يشاء الآخرون.
لا شك أن المعلومات التي وصلت إلى إدارة الأمن الجنائي (فرع التزوير والتزييف وتهريب النقد) عن إحدى الجرائم الالكترونية أنقذت عشرات الفتيات اللواتي وقعن في شباك أحد المحتالين والنصابين الذي استغلهن أبشع استغلال، فلم يكتف بابتزازهن مادياً فقط، بل حاول النيل من سمعتهن التي كانت مهددة بفضائح قد تنهي حياة الكثيرات منهن، عدا عن ملاحقة المجتمع لهن ولأهلهن بوصمة العار.
طبعاً القضية التي كانت محور حديثنا مع النقيب خالد السطم من إدارة الأمن الجنائي (فرع التزوير والتزييف وتهريب النقد) تشكّل نموذجاً مهماً “كما قال” لتوعية الناس وتوجيههم إلى كيفية الاحتفاظ بخصوصياتهم وحمايتها من أولئك المتربصين الذين يتسللون إلى حياة الناس بأساليب غير قانونية وغير أخلاقية

النقيب السطم: يجب الانتباه لكيفية الاحتفاظ بالخصوصيات وحمايتها من أولئك المتربصين لاستثمارها بطرق غير قانونية وغير أخلاقية
جمع أكثر من 3 آلاف صورة لست وثلاثين فتاة وهددهن بنشر صورهن الفاضحة ثم حاول ابتزازهن جنسياً ومادياً
استسهال الموضوع
النقيب السطم لم يخف تحفظه واستغرابه مما يتم تداوله عبر وسائل التواصل الاجتماعي من صور خاصة متنوعة، واستسهال الناس للموضوع، وإصرارهم على نشر خصوصياتهم رغم المخاطر والتحذيرات الكثيرة من حالات الاختراق أو الابتزاز المتعمد من قبل البعض دون الانتباه لتداعيات ذلك على حياتهم.
واستجلب السطم أحد الملفات التي تمت معالجتها من قبل إدارة الأمن الجنائي، وبمتابعة مباشرة منه، ليوضح الكثير من الخفايا في مجال الجرائم المرتكبة على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث بيّن أنه بعد أن وردت معلومات إلى العقيد وسيم معروف رئيس فرع مكافحة التزييف والتزوير وتهريب النقد، مآلها قيام شخص يدعى ي .ا، وهو يعمل في مجال الصحافة والإعلام، والذي يفترض به واقع الحال أن يكون ممن يتوافر به السلوك الحسن، بانتهاز عمله هذا، والتعارف على عدة فتيات، واعداً إياهن بداية بالزواج، ومن ثم اتباع أساليب الاحتيال والترغيب معهن، ليقوم بتصويرهن بأوضاع مخلة، ويعمد أخيراً لاستغلالهن بعد ذلك مادياً وجنسياً، وينتهي به المطاف إلى انتحال صفات أمنية متعددة لترهيب ضحاياه من الفتيات وجعلهن في حالة طواعية مطلقة لرغباته الدنيئة.
ولفت السطم إلى أن طبيعة الجرم فرضت، لجهة صعوبة كشفه، وتقديم الأدلة الدامغة على ارتكابه، التعامل بحذر، خصوصاً أن الكثير من الفتيات الضحايا سيحجمن عن الادعاء عليه خشية على أنفسهن، وخوفاً من ردات الفعل الاجتماعية والعائلية بحقهن، تضاف إلى ذلك سهولة إخفاء الأدلة المتمثّلة بالصور ومقاطع الفيديو الملتقطة من قبله بسبب التطور الحاصل في المعلوماتية الحديثة، ما يجعل تقديم دليل حسي إلى القضاء أمراً بالغ الصعوبة، ونظراً لذلك اقتضى الأمر مراقبته مراقبة مطولة ولكافة تحركاته، وبتاريخ 13/10/2018، وأثناء مراقبته حيث كان يجالس فتاتين بأحد المقاهي في البرامكة، قامت إحداهن بكتابة سندي أمانة وسلمتهما إليه، وعندما همت بكتابة السند الثالث تدخلت الدورية، وبسؤالهما عن سبب كتابة السندات بدت علامات الارتباك على الفتاة، ليجيب المدعو “ي.ا” على الفور بأن له ديناً بذمتها، وأنه طلب منها كتابة سندات أمانة بالمبلغ، عندها أنكرت الفتاة ادعاءاته تلك.

التفاصيل
يكشف الاطلاع على ملف هذه القضية مدى الحاجة إلى الوعي، والتعامل مع مثل هذه الحالات بطريقة أكثر حكمة وذكاء، فما حصل مع م .ع، وهي إحدى الضحايا، يثير الكثير من التساؤلات التي تدين صاحب العلاقة أولاً، حسب ما روته في إفادتها التي قالت فيها بأنها كانت تعمل بإحدى القنوات، وتحكمها علاقة عمل مع ي.ا، وكانا يعملان سوية فيها، وفي نهاية 2014 تم تكليفها من قبل إدارة القناة مع عدد من الموظفين بالاجتماع مع وفد أجنبي متعدد الجنسيات في فندق الشيراتون بدمشق بقصد تطوير أفكار العمل الإعلامي، وأثناء ذلك تبادلت الحديث مع أعضاء الوفد، وكان بلجيكي الجنسية، والذي عرض عليها العمل في فرع منظمة الصحة العالمية بدمشق بعد أن علم أنها تحمل شهادة الصيدلة وليس الإعلام، إلا أنها رفضت ذلك، وبعد ذلك بعدة أيام وأثناء لقائها مع ي.ا أخبرها بأنه يعمل بشكل سري مع أحد الأجهزة الأمنية، وأنه من خلال ذلك علم بأنه سيتم توقيفها، فقد تبيّن أن الشخص البلجيكي الذي تحدثت معه أثناء اجتماعها بالوفد الأجنبي هو جاسوس لجهات غربية معادية، وأنه بحكم نفوذه يستطيع مساعدتها، والحيلولة دون توقيفها مقابل دفع مبلغ مالي قدره مليونان ونصف مليون ليرة سورية، فأجابته بأنها لا تملك هذا المبلغ، عندئذ أخبرها بأنه سيقوم بدفع المبلغ المطلوب، على أن تسدده على عدة دفعات، فوافقت على ذلك خشية تعرّضها للمساءلة والتوقيف، وبعد أسبوعين أخذ يطالبها بالمبلغ كونه بحاجة ماسة له، وأخبرته بأنها لا تملك أي مبلغ بالوقت الحالي، فأعلمها بأن لديه طريقة لاستيفاء المبلغ، وهي أن تشترك بصفحة أجنبية على مواقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك تحمل اسم “سالي واشنطن”، وهي صفحة متخصصة بمجال عروض الأزياء، وذلك بأن ترسل لهم صورها الشخصية لعله يتم اختيارها كعارضة أزياء للصفحة، وبالتالي فإنها ستحصل على مردود مالي عال جداً، وتستطيع تسديد المبلغ له، وبالفعل بعد أيام وردتها رسائل من تلك الصفحة على صفحتها الشخصية، وكانت تلك الرسائل باللغة الانكليزية مفادها أنه قد تمت مراسلتها بناء على طلب من المدعو ي. ا، وطلبت منها الصفحة إرسال صورها الشخصية باللباس الداخلي، فأرسلت الصور لها، وبعد عدة أيام وردتها رسالة من الصفحة ذاتها، وأيضاً كانت باللغة الانكليزية، وطلبت إرسال مقاطع فيديو لها وهي ترتدي لباس السباحة للتأكد من مطابقة صورها للحقيقة، وأنها غير مركبة، وقامت بتصوير مقطعي فيديو بلباسها الداخلي وأرسلتهما للصفحة، إلا أنه لم تعد تردها أية رسائل من تلك الصفحة، ولم يتم تسليمها أية مبالغ منهم، وبعد فترة اشتدت المشاكل بينها وبين ي.ا، فأخبرها بأن الصور ومقاطع الفيديو التي أرسلتها بحوزته، وأن الصفحة وهمية، وهو أنشأها من أجل إقناعها بإرسال الصور، وهددها بنشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، وهنا بدأ يحاول ابتزازها جنسياً، أو أن تدفع مبلغ مليونين ونصف مليون ليرة سورية، وفي كل مرة كانت تتهرب منه، وفي إحدى المرات منذ حوالي السنة والنصف وأثناء خروجها معه طلب منها مرافقته إلى منزل شقيقته في شارع بغداد بحجة أنه يريد تعريفها على أهله الموجودين هناك، فانصاعت لرغبته وعند دخولها إلى المنزل الذي كان خالياً ولا يوجد فيه أي شخص قام بقفل الباب وطلب منها ألا تخاف، وأن أهله في طريقهم للمنزل، وقدم لها كأساً من العصير، وبعد أن قامت بشربه انتابتها حالة شبه فقدان وعي، حيث لم تعد تتحكم بتصرفاتها، وتذكر أنه قام بتصويرها أيضاً عدة صور بأوضاع مخلة، وعندما استعادت وعيها بدأت بالصراخ، وقام بفتح باب المنزل لتهرب.
ولاحقاً أخذ يضغط عليها أكثر فأكثر، واتبع أسلوباً جديداً بأنه سيقوم بنشر صورها بين زملائها بالعمل بسبب رفضها مقابلته، وقد أخبرتها صديقتها أنه أراد عرض مقطع فيديو يخصها، وعندما عاودت الاتصال به أخبرها بأنه سيفضحها أن لم تلب رغبته، أو تقوم بكتابة سندات أمانة له بقيمة مليونين ونصف مليون ل.س.

نصب وابتزاز
أما ي.ا فلم ينكر قيامه بانتحال صفة أمنية للحصول على صور ومقاطع فيديو لها بأوضاع مخلة للآداب، وذلك بطريقة احتيالية، ومن ثم ابتزازها ومحاولة النصب عليها بمبلغ مليونين ونصف مليون ليرة سورية، وإجبارها على كتابة سندات الأمانة، كما اعترف بأنه غافلها في أحد الأيام ونقل جميع الصور الموجودة على الموبايل الخاص بها إلى موبايله، كما اعترف باحتفاظه بالصور والمقاطع على قرص صلب خارجي، حيث عثر بداخله على عدد كبير من الملفات التي تحتوي على أفلام إباحية مأخوذة من مواقع أنترنت، وقنوات فضائية، وعثر على ملف مخفي يوجد بداخله ستة وثلاثون ملفاً بأسماء عدة فتيات، وجميع تلك الملفات توجد بداخلها صور شخصية، منها ما هو مخل بالآداب، ومنها ما هو صور شخصية طبيعية يصل عددها إلى ثلاثة آلاف صورة شخصية، وعدة مقاطع فيديو بأوضاع مختلفة وفاضحة، وقد حصل عليها من خلال دخوله إلى الصفحات الشخصية للفتيات، وحفظ صورهن الخاصة، وبعضهن ليس لديهن علم بذلك، وبعضهن من خلال التعارف عليهن، ووعدهن بالزواج، ومن ثم إقناعهن بإرسال صورهن المختلفة بعد الاعتقاد بأنه سيتزوجهن فعلاً. وقام بإنشاء صفحة أخرى غير صفحة سالي اسمها (نايكي هوم) باللغة الانكليزية، والتي جعلها صفحة شبه إباحية، وكان يراسل من خلالها عدة فتيات، وقد قامت ثلاث فتيات بالادعاء عليه.

رأي الاختصاص
في القصر العدلي التقينا بالعديد من المحامين الذين كانت لديهم العديد من القصص المشابهة، ولكنها لم تكشف، بل تم العمل على معالجتها بشكل سري، وبالتعاون معهم، وذلك خوفاً من الفضيحة، وهذا ما جعل الحلول تتجه نحو المفاوضة المالية، وذكر عدد من المحامين أنه رغم عدم رضاهم عن ذلك إلا أنهم لا يستطيعون فعل شيء، فقد كان أصحاب العلاقة يصرون على لملمة الموضوع وإنهائه بأية طريقة.
ولفت بعض المحامين إلى أن القضايا التي كانت بحوزتهم كان سببها الأول نشر الصور على صفحات التواصل الاجتماعي، وعدم الانتباه لنوعية هذه الصور، والتواصل مع صفحات غريبة دون معرفة الجهة الأخرى.

حقيقة الأمر
الجميع يعلم أنه مع موجة التقدم التقني والتطور الكبير، بات هناك من يستطيع التسلل إلى داخل البيوت عبر شبكة النت، وسرقة أسرارهم الأسرية، والاطلاع على أدق التفاصيل التي تحول أفراد عائلاتهم إلى ضحايا التقنية الحديثة الخاضعة شئنا أم أبينا لقوانين المحاسبة الاجتماعية التي تراقب إدمان الناس على تداول يومياتهم، وحتى خصوصياتهم على شبكات التواصل الاجتماعي، ففي دقائق تصبح الأخبار في متناول آلاف الأشخاص دون قيد أو شرط.
طبعاً قصص آلاف الضحايا في العالم الافتراضي الذين يصحون من نشوة التواصل مع الأصدقاء والأحباء على وقع مواجهة خاسرة مع الثقة التي قد توضع في خانة الجريمة الالكترونية، تندرج تحت عنوان الجهل بالقوانين التي تدين هذه الجريمة الراسمة بحيثياتها خارطة الشروع بالجريمة الواقعية بأسلحتها التقليدية، وتفاصيلها الغارقة في الصراع والاقتتال الأسري والخلافات المجتمعية.
وما يدعو للاستغراب أنه رغم كثرة الحالات الجرمية المرتكبة الكترونياً، إلا أن وقائع وتفاصيل الجريمة الالكترونية في بلدنا، ومجالاتها، وتعاطي المشرّع معها، والقوانين التي تنظمها، لاتزال غامضة ومجهولة، وخاصة في زمن الواتس أب، وشبكات التواصل الاجتماعي، وغيرها من وسائل العالم الافتراضي الذي نتحرك فيه بحرية لا تخلو من اللامبالاة المختبئة في عباءة الجهل بالقانون، وعدم المسؤولية نظراً لغياب الفهم الصحيح لهذا النوع الجرمي، وعدم اطلاع الناس أو اكتراثهم بتفاصيله، واقتصارها في رأيهم على أفعال فردية لم تصل بعد إلى مستوى الجريمة المنظمة، والعصابات الالكترونية، في حين أن الواقع يقول غير ذلك، فمتى يدرك الناس ماهية الجريمة الالكترونية التي يحاسب عليها القانون في بلدنا؟.
بشير فرزان