تحقيقاتصحيفة البعث

الاقتصاد المنزلي.. فرص عمل ومصدر رزق ووسيلة ادخار وتوازن بين الدخل والإنفاق

لم يعد هم المواطن معرفة أسباب غلاء الأسعار، بل كيف يستطيع تأمين قوت يومه، ومستلزمات أسرته التي باتت تتثاقل بأعبائها على دخله المحدود، وأزماته المتتالية التي دفعت بالكثيرين إلى البحث عن فرص عمل جديدة، وأساليب بسيطة من أجل تأمين لقمة العيش، ومصدر دخل يساعد على تحقيق التوازن بين الدخل والإنفاق، وفي مقدمتها الاقتصاد المنزلي.

تجارب الناس

أم رمضان مثال لفهم الاقتصاد المنزلي، حيث تعمل في حفر الكوسا، وتقطيع البقدونس في محل لبيع الخضار والفواكه في منطقة المزة 86 بدمشق، وخلال حديثها معنا قالت: لدي ثلاثة أولاد وفتاة، زوجي بائع على عربة “بزر وفستق”، بدأت في العمل مع بداية الأزمة، حيث تهجّرنا من منزلنا من حي جوبر، واضطررنا لاستئجار بيت في منطقة المزة 86، وهو عبارة عن غرفة كبيرة ومنافع، ولم تعد مهنة زوجي تجلب دخلاً كافياً لإعانة أسرتي، لذا اضطررت للعمل، وتعاملت مع محل لبيع عملي هو  وأنا داخل منزلي، ودخلي والحمد لله جيد.

وأضافت أم رمضان: من عملي أساعد زوجي في دفع الإيجار، ولدي ابن في الجامعة، وباقي أولادي في المدرسة، وبعد فترة بدأت أتعامل مع أكثر من محل، وأيضاً تتعاون الأسرة جميعها في العمل، فمنهم من يغسل الخضروات، ومنهم من “ينقي” البقدونس.

الماضي والحاضر

كانت النظرة القديمة للاقتصاد المنزلي تقتصر على اعتباره مجرد دراسات علمية في الطهو، والغسيل، والكوي، والتفصيل، والخياطة التي لا تواكب الأهداف الأساسية للأسرة والمجتمع.‏‏‏

أما حديثاً فإن الاقتصاد المنزلي يعد علماً يختص بدراسة احتياجات ومقومات الأسرة والبيئة الاجتماعية، ويهدف إلى جعل كل منزل مريحاً ومناسباً من الناحية المعيشية، وسليماً من الناحية الاقتصادية والصحية، ومسؤولاً ومشاركاً من الناحية البيئية والاجتماعية، ليعيش أفراد الأسرة في جو يسوده التعاون والاحترام المتبادل.‏‏‏

ويركز هذا المفهوم الذي تعد الأسرة بكل أفرادها محور اهتمامه على تهيئة سبل الربط بين موارد الأسرة وأهدافها، وبين حجمها، ويعطي أهمية كبيرة للجانب العلمي لاتباع أحدث القواعد العلمية الحديثة، وتطبيقها في شتى أنشطة الحياة اليومية، بما يتناسب مع نمط الحياة، وسهولة التكيف مع تغيرات الأوضاع التي تمس حياة الأسرة والمجتمع، كمشكلة نقص الغذاء، وخروج المرأة للعمل.‏‏‏

وبرأي رنا رنجبال، (المهندسة في علم الاقتصاد المنزلي)، هو علم يشمل جميع المجالات: (الغذاء، التغذية، إدارة المنزل، النسيج، الديكور، التصميم)، ليستطيع الفرد إدارة موارد الأسرة المادية والبشرية لتحقيق أهداف الأسرة بشكل سليم يتماشى مع قدرات وميول الأفراد، والهدف منه العقلانية لتخفيف تكاليف الحياة اليومية، وهو علم له علاقة بكل العلوم الأخرى، إضافة إلى أن الاقتصاد المنزلي يشمل الجنسين الذكور والإناث، لأنه علم يتناول جميع المواضيع المعنية بالأسرة، أي أن الهدف الأساسي منه إدارة الموارد.

أهمية الاقتصاد المنزلي

وأضافت رنجبال بأن الاقتصاد المنزلي يساعد أفراد الأسرة على إدارة الميزانية بشكل سليم، وتحديد احتياجاتهم الأساسية، ثم الرفاهية، والفصل بينهما،  مثلاً: (مبلغ لدفع الإيجار، بند الغذاء 10%، الفواتير، أقساط المدرسة، خطة الطوارىء، حجز مبلغ ضئيل شهرياً من الميزانية للاستفادة منه في حالة الطوارىء، في حالة المرض، السفر)، ثم تأتي الاحتياجات الأخرى  كالملابس في وقتنا الحاضر، وهنا تقوم المرأة بعملية جرد للملابس، وتخصيص المبلغ المراد للشراء قبل خروجها من المنزل، لأن النساء فيزيولوجياً يرغبن بالشراء كهواية وليس كحاجة.

ولفتت إلى أن جميع أفراد الأسرة يشاركون بتحمّل المسؤولية في إدارة الموارد البشرية كالوقت، والجهد، والموارد المادية، مؤكدة على أن الاقتصاد المنزلي يعلّم الأفراد حسن الترشيد الاستهلاكي، والاهتمام بالتغذية السليمة لأفراد الأسرة من خلال الانتقاء السليم للسلع والمنتجات.

اقتصاد المرأة

وتابعت المهندسة: المرأة السورية ذكية بالفطرة، وأثبتت خلال الحرب الكونية على سورية أنها ناجحة بعلم الاقتصاد، بالرغم من أنها ليست ملمة بأساسياته لتحافظ على كبريائها وكرامتها من خلال دخولها للأسواق الشعبية، حيث عملت في محلات المحامص والخضار، وأيضاً سيدات يبعن منتجات الألبان، ومنتجات زراعية، وبذلك أنتجن دخلاً للأسرة، ولبين جزءاً من حاجة السوق، وهذه عملية إنتاج دون آلات، وشجعت أمهات سوريات أولادهن من طلاب الجامعات على إعطاء دروس خصوصية للمساعدة في رفع دخل الأسرة.

تدابير وحلول

وتحدثت رنجبال عن التدابير والحلول التي يمنحها الاقتصاد المنزلي لتقليل الأعباء المادية من خلال تعليم الأسرة خطوات لإدارة المصاريف الشخصية على أساس الدخل الشهري، حيث يخفض الدخل، ويغطي الضروريات، ويخفض النفقات، وأيضاً تعليم الأسرة التقييم المستمر لأدائها: (صحيح/خطأ/ توجد مشاكل)، حيث يعلّم المرأة كيفية التخطيط قبل التنفيذ من خلال توفير بند الطعام لتحقيق الاحتياجات المطلوبة للأسرة، والابتعاد عن الوجبات مرتفعة التكاليف، أو استخدام الأغذية سهلة الإعداد، وإعداد قائمة بالمشتريات قبل عملية الشراء، وتحديد البدائل عندما لا تتوافر السلع الأساسية المراد شراؤها، والاهتمام بقراءة البطاقة الإرشادية للسلع الغذائية لمعرفة (الصلاحية- المكونات- بلد المنشأ)، وعدم الإسراف في موارد الأسرة المستخدمة في موارد الغذاء، وخاصة في مرحلة الإعداد والطهو.

وتضيف رنجبال: بناء على دراسات احتل إعداد الطعام وطهوه المرتبة الأولى من حيث الإسراف في الوقت، والمرتبة الثانية من حيث الإسراف في الجهد، والاقتصاد المنزلي يحد من الإنفاق دون تخطيط مسبق، ويعلّم الأسرة كيف تستفيد مما يزيد من الأطعمة بعمل أطباق جديدة جيدة.

 

كيف التفعيل

لتفعيل علم الاقتصاد المنزلي يجب فهمه بشكل صحيح من خلال ندوات ونشرات توعوية من خلال المؤسسات المختصة بشؤون الأسرة لكافة أفراد الأسرة، الهدف منه تعليمهم كيفية إدارة الموارد المالية والبشرية بشكل يضمن التحكم بشكل مسؤول بكل موارد الأسرة ونفقاتها ضمن الإمكانيات المتاحة، بغض النظر عن الدخل المتاح: (ثابت/متغير).

رهف شحادة