رأيصحيفة البعث

متتالية الاندحار

 

ليس ما يجري في الشمال من حرب تصفيات بين التنظيمات التكفيرية سوى انعكاس لخلافات المشغلين في الخارج، وهو ما بدا واضحاً بين دونالد ترامب والاخونجي أردوغان بعد إعلان الأول الانسحاب من سورية، ومحاولة الثاني ملء الفراغ، وتصفية حساباته مع من يعتبرهم خطراً على أمنه، فيما يريد الثاني الحفاظ عليهم، ولو من قبيل ذر الرماد في العيون، ليظهر أمام الحلفاء والأدوات أنه بذل ما في وسعه لحمايتهم، وحصل لذلك على ضمانات من رئيس النظام التركي، وحتى يدحض من يقول: “إن أمريكا تغدر بحلفائها عند انتهاء الاستخدام”، ما سيجعل كل من يضع بيضه في سلتها يفكر ألف مرة قبل السير في مخططاتها ومشروعاتها.
وإذا سلّمنا أن الإرهاب يأكل بعضه، وهذه حقيقة أثبتتها التجارب عبر التاريخ، فإن المعضلة تبقى بين من استثمر فيه، خاصة مع وجود شخصيتين إشكاليتين كـ ترامب وأردوغان تتصارعان للفوز بالضربة الفنية القاضية، ليأخذ من يحالفه الحظ كل شيء، ويترك الآخر يقلع شوكه بيديه.. الأول جشع، ويرسم سياساته بناء على الربح والخسارة، والثاني متعجرف يخال نفسه الرجل الأقوى، والقادر على إملاء كل ما يحلم فيه على المتدخلين والمتشابكين معه في لعبة المصالح في مرحلة يفسر فيها، أصدقاء الأمس أعداء اليوم، المجريات وفق ما تقتضيه أجنداته وبما يظهره أمام جمهوره بأنه خرج منتصراً في الحرب، وسجّل نقاطاً على حلفائه، ولو كان الضرب تحت الحزام.
وبالتالي فإن ما يجري بين ترامب ورئيس النظام التركي ربما يتطور ليصل إلى حد القطيعة، وانتقال الأخير نهائياً من الحضن الغربي، والتوجه شرقاً في إطار البحث عن حلفاء يخرجونه من عنق الزجاجة، التي وضع نفسه فيها جراء سياساته الخاطئة، والتي أوصلته إلى “صفر أصدقاء”، ففي الداخل حدّث ولا حرج، وعلى صعيد المنطقة وحتى العالم لا أحد يثق فيه جراء تقلباته ومزاجيته حيناً، وانسياقه خلف رغباته الشخصية حيناً آخر، فيما يواجه ترامب خطر العزل قبل انتهاء ولايته بعد أن وصلت خلافاته مع الدولة العميقة في الولايات المتحدة إلى مرحلة حرجة جعلته يلعق تصريحاته، خاصة فيما يتعلق بسورية، فبعد أن قرر الانسحاب فوراً، نجده مرة ينتظر حتى يؤمّن حلفاءه، ومرة أخرى ينتظر الظروف الملائمة للانسحاب، وثالثة يقول بأن قاعدة التنف باقية، ولا علاقة لها بقرار الانسحاب.
إذاً ما يجري هو متتالية تناحر المهزومين في الحرب، بدءاً بالتنظيمات التكفيرية التي شكّلت وقودها، وانتهاء بمن استثمر بتلك التنظيمات لتحقيق هدف بات بعيد المنال، ويتمثّل في تقسيم وتفتيت سورية، وكسر محور المقاومة.. هدف لم يعد موجوداً إلا في مخيلة أردوغان وخرائط جون بولتون الملوّنة، والتي بقيت ملفوفة، كما خرجت من البيت الأبيض بعد فشل جولته وطروحاته، التي لم تجد سوى بنيامين نتنياهو ليصغي ويسوّق لها، ويحاول عن طريق لوبياته في أمريكا الضغط على ترامب ليتراجع عن قرار الانسحاب من سورية ولو مؤقتاً، ما يعني أن محور الحرب كل يغني على ليلاه، ويحاول الخروج بأقل الخسائر حتى لو كان ذلك على حساب بعضه البعض، عن طريق حرب تصفية للتنظيمات التكفيرية لتقليم الأظافر بداية، والتخلي النهائي في حال وصلت الأمور حد القطيعة حتى اللحظة، وبعد مرور نحو أسبوعين على الاقتتال حامي الوطيس، فإن مرتزقة أمريكا وأنظمة الخليج المتمثّلة بجبهة النصرة الإرهابية اقتربت من القضاء على إرهابيي حركة نور الدين الزنكي الممولين من أردوغان، وبالتالي يصبح الباب مفتوحاً أمام الجيش العربي السوري لخوض جولة أخيرة من الحرب يقضي خلالها على ما تبقى من إرهابيين.. هي بالفعل متتالية تفكك واندحار معسكر العدوان، ومراكمة الانتصارات لسورية ومعها الحلفاء لولوج عالم متعدّد الأقطاب فرضه الإعجاز السوري.
عماد سالم