رأيصحيفة البعث

القول الفصل لسورية وحلفائها…

تُلقي التطورات السياسية في المنطقة ظلالاً من الشك على قرار الانسحاب العسكري من سورية الذي اتخذه الرئيس الأمريكي، والسبب يكمن في تمديد ترامب المدة التي كان قد حدّدها لهذا الانسحاب من شهر إلى أربعة أشهر، وفي التصريحات الاستفزازية التي أطلقها بعض أركان إدارته، ولا سيما جون بولتون مستشار الأمن القومي الأمريكي الذي زار “إسرائيل” وتركيا مؤخراً، كما في الزيارة التي يقوم بها حالياً وزير الخارجية الأمريكي لحلفاء واشنطن في المنطقة، زيارة لا تخفى أهدافها المعادية لسورية وحلف المقاومة عموماً، وكل هذا يثير شكاً مشروعاً في النوايا الأمريكية، ويفضح سياسة واشنطن العدوانية…
ولكن، لا يمكن في المقابل القفز على حقيقة أن أمريكا بدأت فعلياً بتنفيذ قرار الانسحاب، ونقل معدات من سورية إلى العراق، وهناك أخبار مؤكدة عن طلب أمريكي توسيع القاعدة الأمريكية في كركوك العراقية لاستيعاب القوات الأمريكية المقرر انسحابها. فبماذا يمكن تفسير هذا التناقض؟ وهل هو نتيجة صراع أمريكي داخلي بين الرئيس وبين مراكز القوى في الدولة العميقة، أم أن ثمة محاولة أمريكية للحيلولة دون إظهار الانسحاب بمظهر الدليل على الهزيمة الأمريكية النكراء في سورية والمنطقة عموماً، أم أن الانسحاب ليس سوى المدخل لاستراتيجية عدوانية جديدة ستتضح ملامحها قريباً…؟.
هذه كلها تصلح أسباباً وجيهة لتفسير ما يبدو أنه حالة أمريكية من التناقض والغموض والارتباك، مع الأخذ في الحسبان أن هذه الحالة يمكن أن تكون غطاء مناسباً للانسحاب للتقليل من وقعه وتأثيره على حلفاء واشنطن الذين كان القرار بمثابة ضربة قاضية موجهة لهم، ومن الواضح أن جولة بومبيو عليهم ليست بعيدة عن محاولة طمأنتهم، وتهدئة مخاوفهم من القرار الصادم، لكنها تؤكد أيضاً أن هذا القرار هو في طريقه إلى التنفيذ الفعلي رغم كل اللغط الذي يُثار حوله…
تدرك أمريكا أن مشروعها في سورية والمنطقة قد أخفق إخفاقاً ذريعاً، وأن حلف المقاومة هو اليوم في أفضل حالاته، لكنها لا تستطيع التسليم بالهزيمة والاعتراف بها. ولذا فإن المدة التي سيجري فيها تنفيذ الانسحاب لن تمر بلا تصريحات استفزازية، وضغوط سياسية وأعمال عدوانية تستهدف سورية من قبل الأمريكيين أنفسهم أو حلفائهم، ولا سيما “إسرائيل” التي لا يبدو عدوانها الأخير بعيداً عن هذا السياق…
ويبقى سؤال لابد منه عند الحديث عن الانسحاب الأمريكي وملابساته، وهو علاقته بتركيا، والاستعدادات العسكرية التي تقوم بها تمهيداً لتنفيذ هجومها على الشمال السوري.. هل ثمة حقاً صراع خفي بين الأمريكيين والأتراك موضوعه الخلاف المبدئي، كما يُصوّر، حول المسألة الكردية، أم أن ذلك ليس سوى قناع يُخفي اتفاقاً ما على أن يقوم الأتراك بملء الفراغ الأمريكي، وتكريس احتلال تركي يخدم المصالح الأمريكية والصهيونية، ويحقق الأطماع الأردوغانية في الأرض السورية..؟!.
أياً كان الجواب، فإن القول الفصل لن يكون في النهاية إلا لسورية وحلفائها. وما أخفق التحالف الأمريكي الصهيوني الرجعي في تحقيقه عن طريق الإرهاب التكفيري، لن يُفلح في تحقيقه عن طريق الاحتلال التركي.
محمد كنايسي