دراساتصحيفة البعث

أوروبا قوة ساذجة!

ترجمة: عناية ناصر

عن صحيفة “ليزيكو”10/1/2019

تقف أوروبا وحيدة استراتيجياً وعسكرياً، وقد ثبت ذلك مرة أخرى بقرار الرئيس ترامب نهاية العام الماضي سحب القوات الأمريكية من سورية. كذلك تقف أوروبا وحيدة من الناحية الاقتصادية أيضاً، بمواجهة قوتين، الولايات المتحدة والصين، تستهدفان، وبطريقتهما الخاصة، وبشكل منهجي القوى الصناعية في أوروبا (الطيران، السيارات، المستحضرات الصيدلانية، الصلب، والمواد الكيميائية)، كما قامتا بالغزو الرقمي للقارة القديمة.

يدعو درس العام الماضي الكبير، إن لم يكن درس العقد بكامله، إلى صحوة إستراتيجية وسياسية في أوروبا. لكن لدى أوروبا القدرة على القيام بذلك؟ ليس هناك شك بذلك!!، لكن هل لديها الوسائل للقيام بذلك؟ سواء على الصعيد العسكري أم الاقتصادي أو المالي؟!.

الإجابة هي لا.. ومع ذلك، فإن هذا يجب أن يكون المشروع الكبير للجيل القادم. إن كلاً من دونالد ترامب وشي جين بينغ هما من العناصر القوية في الحشد لهذا المشروع، فإذا لم تستيقظ أوروبا على الاستفزازات أو الطرق الجديدة للتوسع على حسابها فمتى ستفعل ذلك؟.

على أوروبا أن تحصل على استقلالها الأمني، لقد سبق للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أن قالت في ربيع عام 2018: “ببساطة لم تعد الولايات المتحدة تحمينا.. إننا بحاجة إلى أوروبا قادرة على الدفاع عن نفسها بشكل أفضل، دون الاعتماد على الولايات المتحدة وحدها، وبطريقة أكثر استقلالية”. كذلك قال إيمانويل ماكرون خلال الاحتفالات بالذكرى المئوية للحرب العالمية الأولى: “لا يمكن أن تكون هناك سياسة أمنية مستقلة على المستوى الأوروبي إذا كنت تكرس لها 1.3٪ فقط من الناتج المحلي الإجمالي.. زعماؤنا يدركون ذلك … فما الذي يفعلونه؟”.

وهكذا، وفي مواجهة قوتين اقتصاديتين رئيسيتين تبذلان قصارى جهدهما لحماية مصالحهما الحيوية، تبدو أوروبا قوة ساذجة، والأدلة على ذلك كثيرة، فقد اختارت ست دول أوروبية -بلجيكا والمملكة المتحدة والدنمارك وإيطاليا والنرويج وهولندا وربما قريباً فنلندا- طائرات مقاتلة أمريكية (من طراز F35 طورتها شركة لوكهيد مارتن) بدلاً من الطائرات الأوروبية، التي ليس لها فرصة في أن تُباع إلى الولايات المتحدة أو البلدان التي هي مجال حصري للولايات المتحدة، مثل اليابان.
وهناك مثال آخر هو حقيقة أن أحد أول قرارات بروكسل في العام الجديد 2019 يمكن أن يكون منع الاندماج بين شركتي “سيمنز” الألمانية و”ألستوم” الفرنسية، هذا الاندماج، الذي إن حصل، فإن من شأنه أن يخلق عملاق سكك حديدية قادراً على منافسة العملاقين الصينيين في هذا المجال.

إن القوة الصناعية هي إحدى مفاتيح الاستقلالية الإستراتيجية، والولايات المتحدة والصين تدركان ذلك. أما فيما يتعلق بالاستقلالية المالية، فقد أظهرت مسألة العقوبات الأمريكية على إيران أن أوروبا لا تملكها، على الرغم من نجاح اليورو. إن شبكة الدولار العنكبوتية تعيد أوروبا إلى الوراء تحت تأثير النظام القانوني الأمريكي، مما يحرم أوروبا، مرة أخرى من الاستقلالية الذاتية، فما الذي يجب القيام به لمواجهة ذلك؟!.

يأمل الكثيرون، في العام الجديد 2019، أن تستيقظ أوروبا وتجتمع دولها معاً على قضايا الاستقلالية هذه، وأن تدرك شعوب أوروبا أن منافسي أوروبا يحلمون بشيء واحد، أن يفوز الشعبويون في الانتخابات الأوروبية القادمة في أيار.